يروى هذه الحلقة المستشار بهاء الدين أبو شقة فى كتابه "أغرب القضايا..انتهى الجزء الثانى بهروب الشاب النصاب بحيلة وأساليب جديدة من قوات الشرطة..
ويقول المستشار بهاء أبو شقة، مرت الأيام والشهور والسنين وكأنه الفصل الثالث من فصول هذه القضية، فوجئت بخبر غريب بإحدى الصحف.. كان مثار اهتمام كافة وسائل الإعلام وترديدها بل مثار دهشة وغرابة الرأى العام لهذ الحديث، " الزوج المهندس قاتل زوجته برء وأن القاتل الحقيقى هو النصاب الذى اعترف لهبذلك وأنه هو القاتل الحقيقى".
كان المهندس قد قضى عليه بعقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة ثم طعن على الحكم بالنقض، وقبل نقضه أخلى سبيله تمهيداً لمحاكمته مجدداً أمام دائرة أخرى، وفى هذه الفترة التى كان فيها طليق تزوج من محبوبته التى ارتكب جريمته وقتل زوجته هياماً فى حبها،وأنجب منها طفلاً.
ثم كانت المحاكمة الثانية بعد عدة سنوات وقضت المحكمة فى المحاكمة الثانية بمعاقبته بالأشغال الشاقة المؤبدة، وطعن من جديد بالنقض فى الحكم الأخير، وتأيد الحكم وأصبح باتاً، وكان عليه أن ينفذ العقوبة.
وشاءت إرادة الله وقدره أن التقى فى السجن بالنصاب الذى اعترف له بأنه قتل زوجته، وأنه كان على علاقة بها وكان يستحوذ على مالها، إذ كانت تنفق عليه بسخاء، وقد استحوذ على فكرها ولعب بأوتار قلبها واسمعها عذب الكلمات، واستغل دمامتها المنفرة لتكون الوتر الذى عزف عليه منظومة احتياله وحبه المزيف.
وتلقت أجهزة الإعلام هذا الخبر الغريب حتى أن التلفزيون عرض القضية من الزاوية الإنسانية البحتة، وجمع على نحو بات كل مشاهد لما دار من حديث بشأنها متعطفاً إلى حد الرثاء والبكاء لحال المهندس الذى ظلمه القدر طيلة هذه السنين التى قضاها بريئاًوراء القضبان، وهو يستمع إلى حديث النصاب الذى بدا نادماً ساهماً واجماً على فعلته، طالباً العفو من المهندس الذى أخذ يبكى بكاءً مراً على زهرة شباباه التى قضاها وراء القضبان.. وبكى معه المشاهدون رثاءً لحاله.. والنصاب يطلب الصفح والغفران معلناً أسفه وندمه ورغبته فى تصحيح هذا الخطاء الجسبم الذى ارتكبه فى حقه، وأنه سيكفر عن هذا الخطاء مهما كان الثمن، وأنه على استعداد لأن ينال جزاءه بأى عقوبة حتى لو كانت الإعدام.
كان لابد من تحقيق هذه الواقعة الجديدة.. وتشاء الأقدار أيضاً أن أحقق هذه القضية باعتبار أن هذه الحالة من حالات التماس إعادة النظر قانوناً لظهور دليل جديد كان مجهولاً.
واستدعيت النصاب وواجهته بالاعتراف المكتوب الذى كتبه على نفسه وسلمه للمهندس، بعترف فيه بأنه قاتل زوجته وأنه كان على علاقة بها ، وأنها كانت تحبه حباً جنونياًوتغار عليه من خيالها.. فصمم أن يتخلص منها وأن يتخلص من قيودها وأن يحيى حياته بعيداً عن مطاردتها بعد أن تحصل منها على ما يكفيه لمدة طويلة من أموال.. فتم سؤاله عن سر عدم سرقة مجوهراتها، فقررأنه كان فى عجلة من أمره حتى لا ينكشف فاستغل غياب الخادمة لشراء بعض المستلزمات للمنزل، وقام بتسديد طعناته إليها حتى تأكد من قتلها وهم بالفرار، بعد أن أزال بصامته من على السكين.
واستدعيت المهندس وسألته عن معلوماته على ضوء هذا الاعتراف.. كان يتحدث والدموع تنساب من عينيه، وبدنه برتجف بالكامل وهو ينظر إليه نظرة فيها عتاب ومحاسبة عن كل لحظة قضاها محطماً يائساً، وقد حطم حياته كلها وهو يردد بنبرة ملرها التأكيد والثقة:" برىء .. برىء.زبرىء".. أنا قلتاه من الأول ما حدش صدقنى.. ولكن ربنا أراد أن يظهر الحقيقة وينصف الحق.. لكن بعد إيه..بعد ما اتخرب بيتى واترفدت من شغلى واتعذبت فى السجن..
ويستكمل أبو شقة.. طلبت تحريات الشرطة على ضوءالتحقيقات الجديدة، وكانت المفاجأة غير المتوقعة.. لقد كان القدر يقف للمهندس بالمرصاد كادت الحيلة تنجح.. الحيلة الجديدة التى لجأ إليا النصاب كحيلة من حيله المبتكرة والمتجددة والدائمة.. كانت بدورها قاب قوسبن أو أدنى من النجاح من تحقيق هدفها، فقد تبين لسوء حظ المهندس العاثر أن النصاب يوم مقتل زوجته كان مسجوناً ينفذ عقوبة بالسجن عن إحدى جرائمه.. ولم يكن مطلق السراح إذاً حديثه كاذب.
وبات من الضرورى الوقوف على سر هذه الحيلة الجديدة لهذا النصاب المبتكر بأحدث أنواع الطرق الاحتيالية.. التساؤل المطروح.. ما تفسير كل هذه الأحداث؟، وما سر هذه المسرحية المتقن توزيع الأدوار فيها؟.. وما الدافع لاعتراف النصاب بجريمة عقوبتها الإعدام عن واقعة لم يرتكبها؟
استدعيت النصاب مرةً أخرى وواجهته بكل ما سلف وأنه كاذب، إذ إن وقت مقتل زوجة المهندس كان يقضى عقوبة السجن..وقدمت له الأدلة الدامغة التى لا يستطيع أن يكذبها.
ابتسم فى سخرية وهو يردد- " يابيه أنا رجل نصاب ورزق الهبل بقى..والنصاب لازم يكون ذكى ويعرف نقطة الضعف عند الضحية ويضرب ضربته على الوتر الحساس فى الوقت المناسب".
وأضاف "أنا بالصدفة كنت مسجون معاه وعادتى دائماً أننى أنفذ إلى أعماق من مجرد أن أجاذبه الحديث فعرفت قصته وفكرت فى حيلة جديدة على ضوء هذاه الأحداث.. حسبت المدة لقيت أنه مضى أكثر من عشر سنوات ما بين اعترافى ووقوع الجريمة أى أن الدعوى العمومية انقضت بمضى المدة القانونية وهى عشر سنوات.. وعرفت من كلامه إنه مش وش بهدلة، ومراته الجديدة معاها فلوس كتير وبتحبه وأنها على استعداد بان تضحىبأى مبلغ فى سبيل إنه يخرج لها حتى لو اقتضى الأمر تدبير خطة لهروبه.. وأن هناك محاولة لتدبير هذا الهروب نظير مبلغ مالى كبير، وأنت عارف يا بيه بان الصنعة تحكم..وأنا نصاب ودى شغلتى فقلت أنا أولى.. وعرضت عليه فكرة الاعتراف وحررته مكتوباً وسلمته إليه بعد ان استلمت مبلغاً كبيراً من زوجته، وهو بسلامته يخرج وأنا ألهف القرشين.. ويا دار ما دخلك شر لان أى محاكمة أنا عارف أن القضية انتهت، وانقضت الدعوى بمضى المدة.. لكن الفرحة ما تمت " قليل البخت يلاقى.." وباقى المثل سعادتك عارفه.
وأنهى النصاب حديثه وهو يغادر غرفة التحقيق مبتسماً ومتسائلاً.. " الناس ليه بتقول عليا نصاب.. يابيه أنا فهلوى موش نصاب.. أنا بأجد لذة وراحة نفسية لما أعمال شوية فهلوة وأشوف القناعة والرضا والاطمئنان فى عيون اللى قدامى وهو بيسلمنى كل اللى طلبته.. كنت باحس أنى أذكى منهم.. عشان كده عمرى ما تعاملت مع شخص محتاج..كانت كل واقعة بطلها شخصية مرموقة وعلى قدر كبير من الفهم والذكاء، كنت بحس لو كملت تعليمى كنت هبقى أحسن من ناس كتيير أوى لكن فى النهاية كل واحد بياخد نصيبه".
ويقول أبو شقة، كانت تلك اللحظان هى نهاية القصة التى بدات بجريمة قتل كان يهرب فيها المتهم من عقابه مرتين، الأولى عندما هم رئيس النيابة للتوقيع على القضية بألا سبيل للدعوى الجنائية، لكن القدر وقف أمام المتهم لينال عقابه.. والأخرى باعتراف النصاب بأنه القاتل وكادت تنجح هذه المرة، إلا أن الله عدل أراد أن ينكشف أمره مرةً أخرى لينال عقابه.