كان الاستنتاج الأبرز لتقرير روبرت هور، المستشار الخاص، بشأن اكتشاف معلومات سرية في منزل جو بايدن، لصالح الرئيس. وقد أكد التقرير بشكل واضح وصريح أنه «لا توجد أي اتهامات جنائية موجهة في هذا الشأن». وذكر أن إقامة دعوى عامة أمر غير ملائم «حتى وإن لم تستبعد سياسة وزارة العدل توجيه اتهامات جنائية ضد رئيس لا يزال يشغل منصبه». كذلك أسدى التقرير إلى الرئيس معروفاً يتمثل في التمييز بوضوح وصراحة بين تعامله مع مواد سرية وبين سلوك دونالد ترمب وموقفه الأسوأ كثيراً في قضية احتفاظه بالوثائق.
مع ذلك قدم التقرير تقييماً لبايدن يمكن عدّه أسوأ من مسألة ارتكاب ذنب، وهو وصفه السبب الذي يدعو إلى الامتناع عن إقامة دعوى عامه ضده، حيث رأى المستشار الخاص أن بايدن يفتقر إلى الدرجة المطلوبة من القصد والتعمد الجنائي، ومن أسباب ذلك ذاكرته الضعيفة المضمحلة. ووصف التقرير بايدن بأنه «رجل مسن حسن النية ذو ذاكرة ضعيفة»، مشيراً إلى «تراجع قدراته مع التقدم في العمر». ولتأكيد هذا الادعاء، أورد التقرير بعض التفاصيل المزعجة، ومن بينها مزاعم بعدم قدرة بايدن على تذكر تاريخ عمله نائبَ رئيس، أو تذكر «حتى السنوات القليلة الماضية» عندما تُوفي ابنه.
من المفهوم أن يثير التقرير غضب بايدن، لكنه خلط، خلال مؤتمر صحافي مفعم بمشاعر الغضب انعقد بعد إصدار التقرير، بين الرئيس المصري وبين الرئيس المكسيكي. وكان ذلك الخطأ الفادح أقل خطورة على سبيل المثال من خلط ترمب بين نيكي هيلي ونانسي بيلوسي، لكن التوقيت كان شديد السوء. ذلك الخطأ، الذي جاء في أعقاب واقعتين حدثتا خلال الأيام القليلة الماضية حين خلط بايدن بين الرئيسين الفرنسي والألماني وبين رئيسين أسبقين، عزز استنتاجات المستشار الخاص. ربما يشعر مؤيدو الحزب الديمقراطي بالغضب من صراحة المستشار الخاص الفجّة بشأن ذاكرة بايدن. مع ذلك يمثل العزم وسوء النية عنصرين أساسيين من عناصر الجرائم المنظورة، لذا كان على هور فحص الحالة الذهنية والعقلية لبايدن، وذكر وبيان تفاصيل توضيحية.
كثيراً ما يجري توصية الشهود بقول: «لا أتذكر» عندما لا يتذكرون كل الحقائق ذات الصلة بشكل تام ودقيق. وقد استمعت إلى عدد لا يُحصى من الأقوال والشهادات الرسمية خلال مسيرتي المهنية، وكانت عبارة «لا أتذكر» من أكثر الإجابات التي سمعتها شيوعاً. في تلك الحالات لا أفترض عدم قدرة ذلك الشخص على التذكر، لكن مع ذلك أوضح هور، بذكره تفاصيل زلّات ذاكرة بايدن، أن استجابات الرئيس كانت بعيدة عن المألوف تماماً. ولا يعني ذلك أنه كان من اللائق ذكر كل معلومة تفصيلية محرجة وردت في التقرير، مع ذلك كان ذكر بعض التفاصيل ضرورياً لدعم استنتاجاته القانونية.
بطبيعة الحال لا يعني أي من هذا أن ترمب مرشح رئاسي أفضل من بايدن، لكن عبارة «أفضل من ترمب» تمثل الحد الأدنى الذي يمكن تصوره. ويواجه محاكمات على خلفية عشرات الجنايات والجرائم في أربع قضايا جنائية منفصلة، فضلاً عن اكتشاف تورطه في انتهاكات وحالات سبّ وقذف مؤخراً.
مع ذلك أستطيع أن أعلم أن بايدن سيكون أفضل كثيراً من ترمب، وأظل أشعر بالقلق من عدم ارتقائه لمستوى تحدي حكم البلاد لأربع سنوات قادمة. لا يعني كونه «أفضل من ترمب» أنه سيستمر في الاستجابة لتحديات خارجية وداخلية بوضوح وطاقة. ولا يعني ذلك أيضا أننا نستطيع الاعتماد والتعويل عليه لإتمام فترة رئاسية جديدة، ولا أنه يستطيع هزيمة ترمب في نوفمبر (تشرين الثاني).
ما يزيد مشكلة بايدن تعقيداً أن العمر ليس تحدياً يمكنه أن يتحسن بمرور الوقت. إن ذاكرة وطاقة بايدن الآن أفضل على الأرجح مما ستكون عليه خلال العام المقبل، ناهيك بالأعوام الأربعة المقبلة. كذلك لدى ملايين الأميركيين تجربة مباشرة مع تحدي التقدم في العمر، سواء كانوا يشهدون تراجعاً لحالتهم الذهنية أو البدنية، أو يرون هذا يحدث لأصدقائهم وأقاربهم. تجعل تلك التجربة ذاتها الأميركيين محصنين ضد التلاعب السياسي في هذا الشأن، فلا يهم مدى قوة بلاغتك وخطابك، لا يمكنك تهديد وإرهاب الأميركيين على أساس خوف وقلق واضح ومفهوم مثل حقيقة أهمية العمر.
لدى بايدن رد، إذ يمكنه الإشارة إلى لوحة النتائج. وهو كذلك يتمتع بحجة قوية لإعادة انتخابه بالنظر إلى ما حققه من نجاح وإنجازات خلال فترته الرئاسية الأولى. أنتمي إلى التيار المحافظ، لم يكن بايدن، رغم كونه مفضلاً لديَّ أكثر من ترمب، خياري الأول لمنصب الرئاسة. كذلك شهدنا تنازلات ومواءمات تشريعية خلال تولي إدارته مقاليد حكم البلاد ما يكفي ليتلألأ وميض الأمل في أن يظل الكونغرس يعمل بفاعلية من وقت لآخر. كذلك يعدّ الاقتصاد الأميركي محل حسد العالم رغم عدم مثاليته.
يتضمن سجل بايدن أيضاً بعض الخطوات الخاطئة غير الموفقة، وأكثرها على الحدود. مع ذلك يمكنه إخبار الأميركيين القلقين بأن أفضل دليل لتوقع شكل السنوات الأربعة المقبلة هو السنوات الأربعة الماضية، وأن زلّاته الكلامية وعثراته ليست لها عواقب وخيمة مقارنةً بإنجازاته. إنها حجة قوية صحيحة بالتأكيد، لكن على بايدن قولها بنفسه بشكل متكرر وبفصاحة. إن الرد الحقيقي على الاتهام بأن حالته الصحية متدهورة هو إثبات عكس ذلك بنفسه علناً.
إذا كانت احتمالات نجاح بايدن في هذا الأمر تثير في نفسك القلق، وإذا كنت قلقاً من عدم قدرته على فعل ذلك بشكل متسق ومتكرر خلال حملته الانتخابية دون سيل من الأخطاء والزلات والعثرات يزيد من تعقيد وسوء المشكلة، فهذا إذاً وقت النظر في مسار عملي آخر. هل ينبغي على بايدن التنحي عن المشهد والانسحاب؟
ليس هذا الاقتراح حسّاساً وخطيراً بشكل كبير فحسب، فبايدن غاضب ومتمرد وجامح في الوقت الحالي، بل سوف تنتج عنه أيضاً مجموعة من العواقب الفوضوية المتعاقبة بالنسبة إلى الحزب الديمقراطي. سيتعين على الحزب بدء موسم الانتخابات الأولية المباشرة من جديد سريعاً، والعمل المضني خلال سلسلة من منافسات خلافية متعلقة بالولايات، ثم العودة إلى التكتل السياسي مرة أخرى، وكل ذلك في وقت يستعد فيه ترمب والحزب الجمهوري لخوض الانتخابات العامة، وجمع الأموال، وإلقاء قنابل خطابية على الديمقراطيين المنقسمين.
من الواضح أن الديمقراطيين يرغبون في تفادي مثل تلك النتيجة، لكن أرقام بايدن في استطلاعات الرأي بائسة وغير مبشّرة. صحيح أن هناك أسباباً وجيهة قوية تدعو إلى الاعتقاد في تراجع دعمه، وأن الأنباء الاقتصادية السارّة، إلى جانب فشل الجمهوريين المستمر، قد تكون كافية لرفعه إلى مستوى متقدم عن ترمب، مع ذلك من المثير للقلق على نحو مبرَّر إدراك أن أكبر نقطة ضعف لبايدن هي أمر لا يمكنه تغييره، وهو عمره.
* خدمة «نيويورك تايمز»