عينا ملكة العراق المستحيلة بات يسكنهما الموت

منذ 1 شهر 34

ملخص

بموتها يودع جيل من العراقيين تاريخاً تراجيدياً يتذكرونه بألم وحزن عميقين، إذ كانوا ينتظرون عقد قران ملكهم ثالث الملوك الهاشمين للعراق، قبل أن يأتي ذلك الحدث الجلل في تاريخ آخر الأسر الملكية الهاشمية التي حكمت العراق.

تجمع الأميرة الفاضلة إبراهيم سلطان طرفي المجد من أبوين، من سلالة حاكمة لمصر الملكية من جهة والدولة العثمانية من جهة ثانية، وكادت تكمل الجلوس على عرش ثالث هو العراق بعد أن تعرف عليها الملك فيصل الثاني عام 1954 أثناء زيارة لها إلى بغداد، وتوثقت العلاقة بينهما تدريجاً في باريس ولندن وتركيا حتى إعلان الخطوبة في سبتمبر (أيلول) 1957، وسعى الملك ليكمل تتويجها شريكة لحياته وملكة على البلاد.

كان فيصل مفتوناً بها بعد أن سحرته تلك العينان الخضراوان والثقافة الملكية التي لم يجدها بين كل بنات العراق، وكانت الأميرة أيضاً تحلم بأن تركب السفينة الملكية الراسية في خليج "مرمرة" لتشهد عرساً أسطورياً طالما انتظره كثير من العراقيين والأتراك والمصريين، لكنه ظل حلماً، إذ قامت ثورة يوليو (تموز) عام 1958، قبل أيام معدودة من ذلك العرس المؤجل إلى الأبد.

الأميرة تنتظر

تنتمي فاضلة، التي ولدت في باريس عام 1940، إلى عائلة عريقة من جهة أمها الأميرة (زهرة خانزاده)، فهي كريمة عمر فاروق أفندي نجل الخليفة العثماني عبدالمجيد الثاني، وابنة الأميرة صبيحة، كريمة آخر السلاطين العثمانيين وحيد الدين. وتزوجت الأميرة خانزاده من زوجها الأمير محمد علي إبراهيم في القاهرة عام 1940، وتوفيت في باريس عام 1998، وبذلك فإن الأميرة فاضلة، عثمانية من جهة أمها، ومصرية من جهة الأب .

اضطرت فاضلة إلى مغادرة تركيا مع عائلتها، وهي ابنة أربعة أشهر، عقب صدور قرار من الحكومة التركية، بنفي كل من ينتمي بصلة القرابة إلى عائلة الخليفة العثماني، إذ عاشت متنقلة مع عائلتها في مدن عديدة مثل نيس والقاهرة والإسكندرية قبل أن تعود مع عائلتها لتركيا عام 1954.

وكانت فاضلة ذات جمال فاتن وأخاذ، وتعرفت على الملك فيصل في يونيو (حزيران) عام 1954 في حفلة أقيمت في بغداد أثناء زيارة عائلتها للعاصمة العراقية، وبعد سنة من هذا التعارف كان اللقاء الثاني بينهما في فرنسا حيث قررا الزواج .

زار الملك فيصل إسطنبول في 1957 والتقى فاضلة في جولة بحرية على متن يخت الأميرة خانزاده، وتكررت اللقاءات وتوثقت العلاقات العاطفية بينهما، فكان أن تم إعلان الخطوبة في الـ13 من سبتمبر 1957 بعد أن تقدم الملك رسمياً للزواج منها .

بعد يومين من عودة الملك لبغداد، أعلن رئيس ديوان التشريفات علي جودت نبأ الخطوبة، وتوجهت فاضلة بعد إعلان الخطوبة رسمياً، إلى فرنسا ومنها إلى لندن لتلقي دروس في مدرسة "فينشينك سكول" استعداداً للزواج .

وكان الملك يقوم أحياناً أثناء زيارته لإسطنبول بزيارة خطيبته فاضلة، ومنها كانا يقومان بزيارة بعض الدول الأوروبية، وكانت الصحف والمجلات تنشر صوراً مختلفة للخطيبين السعيدين .كما قامت الأميرة مع والديها بزيارة بغداد قبل الانقلاب بأسابيع عدة، وعادت منها لمدرستها في لندن.

وقع خبر مقتل الملك فيصل الثاني في الـ14 من يوليو 1958، على خطيبته فاضلة كالصاعقة، بعد استماعها إلى نشرة أخبار الإذاعة البريطانية، من جهاز الراديو الموضوع في صالة المدرسة. وانهمرت الدموع من عينيها الخضراويين، وهرعت زميلاتها يواسينها تخفيفاً لوقع الحادثة المرعبة الذي ظلت تعانيها فترة طويلة عاشت خلالها ذهولاً تاماً.

القدوم المستحيل

بموتها يودع جيل من العراقيين تاريخاً تراجيدياً يتذكرونه بألم وحزن عميقين، إذ كانوا ينتظرون عقد قران ملكهم ثالث الملوك الهاشمين للعراق، الذي دأبوا على وصفه بالمفدى، قبل أن يأتي ذلك الحدث الجلل في تاريخ آخر الأسر الملكية الهاشمية التي حكمت العراق.

يقول الكاتب المؤرخ شامل عبدالقادر، "أحب العراقيون الملك فيصل الثاني كحبهم لوالده الملك غازي، وكانوا يتمنون إتمام زواجه من دون اعتراض على اختياراته، ولقد احتفل أهل العراق بخطبته الرسمية، وأقيمت الأفراح والاحتفالات في المدارس، وعندما زارت الأميرة الفاضلة، أو فضيلة كما يسميها بعضهم، إلى بغداد عام 1958، أقيمت لها المآدب الكبرى من بعض العوائل والأسر المقربة من العائلة المالكة، وقام بزيارتها كبار الشخصيات النسوية العراقية مهنئات بتلك المناسبة السعيدة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويوضح المؤرخ والضابط السابق في الحرس الملكي فالح الحنظل، أن "فيصل كان يحظى بحب الناس الذين ترقبوا اشتداد عوده، فقد انتظروا 14 عاماً حتى يبلغ الـ18 من عمره ليحكم العراق بعد مقتل والده الملك غازي، ويخرج من وصاية خاله عبدالإله ليكون الملك الثالث على عرش العراق، وها هو يقدم في عام 1958 على الزواج، ويختار فتاة من علية القوم، وحفيدة مملكتي مصر الملكية والسلطنة العثمانية، لكن ذلك لم يمنع غيرة كثيرين من الأسر العراقية التي كانت تأمل بأن يقترن الملك الشاب بزوجة عراقية من الأوساط الرفيعة حتى يشعروا بالاطمئنان أكثر على ملكهم المحبوب".

كانت الأميرة الفاضلة تترقب ما تزفه إليها جدتها من بغداد حين كانت تشرف على استعدادات العرس المرتقب مع الأميرات الهاشميات وهن في فرح غامر وسرور، وترسل لحفيدتها رسائل طمأنة عن كرم الأسرة وتفانيها في الاحتفال بزواج الملك، وتأمل أن تكون أسرتها في المستقبل.

لكن الرسائل توقفت فجأة في الـ14 من يوليو عام 1958، وتلبدت الأجواء بدخان البنادق المدوية في قصر "الرحاب" وحوله، لثلاثة أيام متواصلة وهي تتتبع أخبار الانقلاب العسكري من دون أن تعرف ما حدث للملك ولأسرته، وانقطعت جدتها التي شهدت مذبحة العائلة المالكة في حديقة القصر عن موافاتها بالأنباء، وانقلب كل شيء فجأة لتصبح الأسرة الحاكمة مذمومة في أعين الناس، لكن كثيراً من العراقيين كانوا مستائين مما يحدث في محيط القصر الملكي، وما كانت الأسرة الملكية تتوقع مثل هذا المصير الدموي.

قصور النسيان

مرت سنوات على نهاية الحكم الملكي، وجرت مياه كثيرة تحت جسور دجلة والفرات، وسالت دماء في حروب لم تتوقف حتى الساعة، لكن ظلت الأميرة الفاضلة منزوية بعيداً من الأضواء، لكن يشاء قدرها أن تستكمل حياتها من جديد وتوافق بعد سبع سنوات على الزواج من خيري أوغلو نجل رئيس وزراء تركيا الأسبق سعاد أوغلو عام 1965 وتنجب منه ولدين هما علي وسليم، ثم طلقت لتعمل في منظمة اليونسكو في باريس، ويقال إنها تزوجت مرة ثانية من شاب فرنسي يصغرها كثيراً.

تحولت حياة الأميرة الفاضلة من قصة جميلة بدأت باختيار ملك العراق لها لتكون زوجة له وملكة على بلاده، لكن تغير حظها قبيل قدوم الملك فيصل من بغداد إلى إسطنبول حيث تقيم، ليستبدل وصفها من "الملكة" إلى "الأميرة الحزينة" والأسوأ حظاً وتعاسة بين قريناتها، ثم باتت أميرة منسية تذكرها الموت أخيراً لتغادر الدنيا.