قبل عام، توقعت أمريكا وبعض الدول الأوروبية أن تتمكن أوكرانيا، مع الدعم الغربي، بالنجاح في طرد القوات الروسية من أراضيها.
ولكن اليوم، وبعد ما يقارب العامين من الحرب، بدأت الأصوات تتعالى في الداخل الأمريكي للمطالبة بوقف الدعم المالي والعسكري لكييف، مع مخاوف من ازدياد حظوظ المرشح دونالد ترامب بالوصول إلى البيت الأبيض.
ويبدو أن اللحظة السياسية بعيدة كل البعد عما كانت عليه قبل 14 شهرًا عندما وقف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أمام جلسة مشتركة للكونغرس، مرتديًا سترته الخضراء المميزة، وحظي بحفاوة بالغة لمدة دقيقة.
خطة بديلة للمساعدات
وقد فاجأ هذا التحول في الكونغرس البيت الأبيض. إذ أنه حتى لو تمكن مجلس الشيوخ من تقديم المساعدات العسكرية، فلا يزال هناك الكثير من الأسباب التي تعزز الشكوك في وصول الأموال، بما في ذلك المعارضة العميقة بين الجمهوريين في مجلس النواب وضغط الرئيس السابق دونالد ترامب من أجل وقف المساعدات.
وقال جيك سوليفان، مستشار الرئيس للأمن القومي، في بروكسل يوم الأربعاء بعد اجتماع لحلف شمال الأطلسي: "نحن لا نركز على الخطة البديلة".
وأضاف: "نحن نركز على الخطة أ" التي قال إنها تعني تمرير حزمة مساعدات من الحزبين الجمهوري والديمقراطي ستمكن أوكرانيا من "الدفاع بفعالية واستعادة الأراضي التي تحتلها روسيا حاليًا".
وخلف هذا المشهد، تزداد النقاشات في واشنطن وبعض العواصم الأوروبية، حول الخطط البديلة للضغط على روسيا، ومنها حجز ودائع بقيمة 300 مليار دولار للبنك المركزي الروسي في الدول الغربية.
ومع ذلك، يقر المسؤولون الأمريكيون بأنه لا يوجد شيء في الأفق يمكن أن يضاهي قوة مخصصات الكونغرس الجديدة البالغة 60 مليار دولار، والتي من شأنها شراء دفاعات جوية معززة، والمزيد من الدبابات والصواريخ، وتدفق هائل من الذخيرة.
ويضيفون أن رمزية انسحاب أمريكا الآن يمكن أن تكون عميقة.
أسئلة عن موثوقية الولايات المتحدة
المسؤولون الأوروبيون الذين كانوا يخشون احتمال إعادة انتخاب ترامب والوفاء بوعده بالانسحاب من الناتو، بدأوا يتساءلون، على الأقل سرًا، عن موثوقية الولايات المتحدة، بغض النظر عمن هو الرئيس.
وتساءل أحد كبار الدبلوماسيين الأوروبيين في برلين يوم الأربعاء، عبر صحيفة "نيويورك تايمز": "لماذا يعتمد الأوكرانيون على تأكيدات بايدن بأن الولايات المتحدة سوف تدافع عن كل شبر من أراضيهم؟". حتى أن بعض مساعدي ترامب السابقين للأمن القومي بدأوا يقولون إن الفشل في تمويل أوكرانيا سيكون بمثابة فوز استراتيجي كبير لبوتين.
وأضاف: "أمام الولايات المتحدة خيار واضح: إما تسليح الأوكرانيين بالأسلحة التي يحتاجونها للدفاع عن أنفسهم أو قطع المساعدات والتخلي عن أوكرانيا الديمقراطية في كفاحها من أجل البقاء ضد عدوان بوتين".
ومن الغريب أن تهديد الكونغرس بعرقلة المساعدات يأتي في الوقت الذي تعهدت فيه أوروبا بمبلغ 54 مليار دولار لإعادة بناء أوكرانيا على مدى السنوات الأربع المقبلة، وتعهدت دول من النرويج إلى ألمانيا بتقديم مساعدات أسلحة جديدة.
أصوات متماهية مع موقف ترامب
ولا يجادل الجمهوريون المعارضون للمساعدات بشكل مباشر مع منطق الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، على الرغم من إصرار كثيرين على أن ضخ المليارات في بلد له تاريخ طويل من الفساد يشجع على إساءة استخدام المبالغ المقدمة.
وبدلًا من ذلك، تتلخص حجتهم الأساسية في ضرورة إنفاق الأموال في الداخل، على الحدود الجنوبية بدلًا من المناطق الحدودية لأوكرانيا مع روسيا.
كما أكد المعارضون الأكثر صراحة، ومنهم النائبان مارغوري تايلور غرين عن ولاية جورجيا ومات غايتز عن فلوريدا، أن المساعدات لأوكرانيا "تضع أمريكا في المرتبة الأخيرة عالميًا".
وتكمن الأزمة أيضًا في أن أوروبا غير قادرة على توفير المزيد من الذخيرة بنفسها. فخلال 30 عاماً من السلام المتنامي مع روسيا، قامت أوروبا بتفكيك قدر كبير من قدراتها الإنتاجية للأسلحة.
وقالت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، في خطاب ألقته مؤخراً: "سنقوم بتسليم أكثر من نصف مليون طلقة من قذائف المدفعية بحلول الشهر المقبل" و"أكثر من مليون بحلول نهاية العام". واعترفت بأن "هذا بالتأكيد ليس كافيًا".
كما أن أوروبا ليس لديها الكثير للمساهمة في تصنيع الطائرات بدون طيار. كما لا تزال ألمانيا غير راغبة في تسليم أقوى صواريخ كروز بعيدة المدى التي تطلق من الجو، وهو صاروخ توروس، خوفًا من استخدامه في عمق الأراضي الروسية. ولا بد أن يكون دور برلين في هذه المسألة محورَ اللقاء بين المستشار أولاف شولتز وبايدن في البيت الأبيض يوم الجمعة.
انضمام أوكرانيا إلى الناتو
في السياق عينه، قال سفير المملكة المتحدة لدى حلف الناتو ديفيد كواري، إنه لا ينبغي لأوكرانيا أن تتوقع إحراز تقدم كبير في محاولتها للحصول على العضوية في قمة الناتو المقبلة في واشنطن العاصمة.
ومن المقرر أن يجتمع أعضاء التحالف العسكري في العاصمة الأمريكية في الفترة من 9 إلى 11 تموز/ يوليو، وبينما من المرجح أن تتم مناقشة مسألة عضوية أوكرانيا في الناتو، قال كواري إن كييف يجب أن تخفض من سقف توقعاتها.
وقال السفير البريطاني: "لا أتوقع قفزة كبيرة إلى الأمام في هذا الصدد، ويرجع ذلك أساسًا إلى الوضع المحتمل على الأرض".
وفي الوقت نفسه، قال كواري، إن المملكة المتحدة "مقتنعة تمامًا بأن المكان الصحيح لأوكرانيا هو في الناتو".
وأضاف: "إنها مسألة متى، وليس ما إذا كان ذلك ممكنًا، ومهمتنا هنا هي مواصلة دعم أوكرانيا وهي تقترب أكثر من أي وقت مضى من التحالف".
ولطالما أعرب حلفاء الناتو عن دعمهم لطلب عضوية أوكرانيا، لكنهم فشلوا حتى الآن في تقديم جدول زمني واضح للانضمام.
وانتهت قمة حلف الأطلسي العام الماضي في فيلنيوس دون إعلان واضح بأن كييف يمكن أن تصبح عضوًا بمجرد انتهاء حربها مع روسيا، وهو قرار أغضب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في ذلك الوقت.