إن الاتجاه السائد في الإنترنت خلال هذه المرحلة هو قيام أشخاص بالتحدث مع غرباء في الشارع وتحميل اللقطات على منصات التواصل عبر الإنترنت. لو ألقيتم نظرة واحدة على "تيك توك" أو "إنستغرام"، سرعان ما ستجدون عدداً من الفيديوهات لشخص مرح يقترب من شخص أقل مرحاً في شارع مكتظّ بالمارة ليطرح عليه سؤالاً شخصياً. وإما أن يردّ الشخص الأقل مرحاً بـ"اغرب عن وجهي" أو يدعوه لكي يجول في منزله أو، وهذا هو الاحتمال المرجّح، أن يجيبه بنوع من القصص التي تغيّر تفكيرك وشعورك تجاه نفسك وربما العالم.
هذه الفيديوهات مزعجة ومقرفة إجمالاً. فهي تجسّد أحد مظاهر ثقافتنا القائمة على اقتحام الخصوصية والهوس بالمشاركة الزائدة مع الآخرين، وليست سوى وسيلة لتمضية الوقت أثناء الجلوس في المرحاض. لكن هناك استثناء واحد. بعد إطلاقه في فبراير (شباط)، حصد حساب "ميت كيوتس نيويورك" (تعارف لطيف) @meetcutesnyc شعبية هائلة على "إنستغرام" ونقل علاقات الحب من عالم الواقع إلى شاشاتنا عبر الفيديوهات القصيرة التي تشارك معنا قصص غرام الغرباء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويشرح آرون فاينبيرغ الخبير في مجال الضيافة البالغ من العمر 28 سنة الذي أسّس ميت كيوتس مع صديق طفولته فيكتور لي، وهو أيضاً في الثامنة والعشرين من عمره، ويعمل في مجال صناعة الملابس (وما زالا يعملان بدوام كامل في وظيفتيهما) "كنا نتحدث عبر الهاتف عن أنه يمكننا صناعة شيء ممتع ولافت للاهتمام على وسائل التواصل الاجتماعي. لطالما أحبّ فيكتور طبيعة محتوى المقابلات في الشارع: من عشوائيتها والحِكَم التي يشاركها غرباء خلال دقيقة أو اثنتين. وتوصّل إلى فكرة سؤال أزواج عشوائيين عن طريقة تعارفهم والطلب منهم أن يشاركوا قصة حبهم".
ما هو العنصر الوحيد الذي كان ينقص الموضوع؟ شخص يقبل بمهمة مقاربة الناس في الشارع، على مشقّتها. "كان لدينا الشخص المثالي للمهمة". وهذا صحيح: جيريمي بيرنستين، 29 سنة، يعمل في بيع مواد الطاقة المتجددة وقد اكتسب بفضل عمله خبرة في التحدث إلى الغرباء في الشارع. ويقول فاينبيرغ، الذي يصوّر الفيديوهات قبل أن يقوم لي بتحريرها "إنه محترف في مجال التحدث إلى الناس في الشارع (أثناء) بيع الطاقة المتجددة. وهو الآن صوت ميت كيوتس".
تبدأ كل الفيديوهات بالطريقة نفسها "عذراً هل أنتما زوجان؟" كما يسأل بيرنستين قبل أن يوجّه الكاميرا إلى وجهي الشخصين ويطلب منهما أن يخبراه بطريقة تعارفهما. نظراً للسياق العام، ربما تعتقدون أن معظم الأشخاص سيبتعدون أو يتظاهرون بأنهم لم يسمعوا السؤال، وأنتم معذورون في اعتقادكم. لكن ما يحدث مختلف كلياً. فالأزواج الذين يشاركون قصصهم مع ميت كيوتس سعيدون بالكلام- لا شك أن الموضوع يبدأ ببعض القهقهة المحرجة لكن غالباً ما يتخطونها بسرعة ويبدؤون بسرد حكاية علاقتهم، ولو أنهم يختلفون أحياناً مع بعضهم البعض حول التفاصيل. ثم لدينا القصص نفسها، وهي تأتي من أزواج من كافة الأعمار والأنواع الاجتماعية والاتجاهات الجنسية وتبدو كأنها لقطات من فيلم ريتشارد كورتيس.
فهناك الزوجان الشابان اللذان التقيا أثناء عملهما في محل لبيع البوظة "وقعت عيناي عليه ووافق شنّ طبقة". ثم معلّمة الروضة التي وقعت في غرام أستاذ لغة الإشارة "طلب مني الخروج لتناول الشاي سوياً". ومشرف سكك الحديد الذي لمح سيدة جميلة تترجّل من قطار ثم أخذ يوجّه القطار نحو تلك السكة نفسها يوماً بعد يوم لكي يعثر عليها مجدداً. وقد تزوجا منذ 20 عاماً. ويضحك المشرف السابق قائلاً "عندما يغيّر أحدهم بوابة الطائرة في المرة المقبلة، اعرفوا أنهم يحاولون الحصول على موعد".
ويتذكر لي الانطلاقة فيقول "كان من المحرج في البداية أن نقترب من الأزواج. خرج آرون وجايمي في يوم أحد وصوّرا طيلة ثماني ساعات في شوارع نيويورك. بعد المحاولة الثالثة، تكلم ثنائي معنا بصراحة كاملة وشعرنا بالحماسة لفرصة مشاركة قصتهما". حرّر فيكتور الفيديوهات الأولى وبدأت المجموعة بالنشر فوراً. "في الفيديو الرابع الذي نشرناه ظهر ثنائي تعارفا عبر لعبة فيديو افتراضية اسمها أوفرووتش Overwatch. انتشر الفيديو كالنار في الهشيم وحصد 3 ملايين مشاهدة على "تيك توك". بعد ذلك، أدركنا الإمكانية في ما لدينا ونزلنا إلى الشوارع لمدة 15 إلى 20 ساعة أسبوعياً كي يتسنّى لنا نشر قصة كل يوم".
كيف يجدون الأزواج؟ "نختار زاوية شارع مزدحمة في المدينة، غالباً بعد ساعات الدوام أو خلال عطل نهاية الأسبوع عندما يخرج الأزواج"، كما يشرح فاينبيرغ "ننتظر كي يمرّ بنا ثنائي ونقترب منه باستخدام كاميرا آيفون، ونرجو أن نحصل على أفضل نتيجة ممكنة. أحياناً نرى زوجين لافتين على بُعد شارع كامل ونركض حرفياً وراءهما. نقوم بكل ما يلزم لكي نحصل على القصة".
لا شك أنهم يواجهون بعض الانتكاسات الحتمية ومن أكثرها شيوعاً الخطأ في تحديد الأزواج. "أحياناً نقترب من ثنائي ويقول أحدنا 'توقّف' لأننا ندرك عند اقترابنا منهما أنهما ليسا معاً، قد يكونان صديقين أحياناً أو أحياناً أخرى- وهو أمر أكثر إحراجاً قليلاً- أحد الوالدين برفقة الابن أو الابنة. لحسن الحظ أننا لو أخطأنا، غالباً ما يتعامل الأشخاص مع الموضوع بالضحك".
لكن عادة ما تكون هناك إشارات واضحة. ويضيف فاينبيرغ "إن الإمساك بالأيدي وخواتم الزواج ولغة الجسد دلائل تكشف العلاقة عادة. لكننا نلتزم بقاعدة، فإن ظنّ أحدنا أنهما قد يكونان زوجين، علينا الاقتراب منهما".
اليوم، يتابع حساب Meet Cutes NYC أكثر من مليوني شخص فيما تحصد فيديوهات الحساب ملايين المشاهدات ومئات آلاف تسجيلات الإعجاب والمشاركة. كما توسعت هذه العلامة إلى ما بعد نيويورك، فبدأت تبحث عن الأزواج في ميامي ولندن. والعامل الذي يجعل المحتوى فريداً من نوعه هو ندرة سماع هذا النوع من القصص: لحظات شرارة وعفوية حقيقية تحدث في عالم الواقع وليس عبر تطبيق مواعدة. وهي تترك أثراً في الناس لأنها قصص يرغب كثيرون منا بأن تحدث معه.
ويقول فاينبيرغ "تلصق نيويورك سمعة بأنها مدينة تصعب فيها المواعدة، مليئة بالمارة المزعجين وغير الودودين. لذلك أعتقد بأن رؤية مواطني نيويورك الذين يتصرفون بلطف في الشارع ويشاركون قصصهم عن الحب، قد تركت أثراً. نرجو أن تقدم فيديوهاتنا شيئاً ممتعاً للجميع، سواء سرد الحكايات أو نصائح متعلقة بالعلاقات الشخصية أو محتوى لطيف يبهج المرء ويلطّف يومه".
كما تقدم لنا شيئاً نحتاج جميعاً قدراً أكبر منه، ولا سيما في إطار عالم المواعدة العصري: الأمل. ويضيف فاينبيرغ "يميل الناس على ما يبدو إلى رسم صورة رومانسية عن لقاءات التعارف بسبب عفويتها واحتمال أن تحصل معهم في أي لحظة. لكننا نؤمن حقاً بأن كل ذلك حب. لا يهم كيف تلتقي بالشريك وأين، فلدى الجميع ما يشاركونه من حكم ونصائح، سواء التقيت بالشريك عبر تطبيق مواعدة أو عبر إلقاء التحية عليه في محطة قطار أنفاق فارغة أو إن كان الأستاذ الذي يعلّمك لغة الإشارة".
إن كان لنا أن نتعلم شيئاً واحداً مما يفعله فاينبيرغ ورفاقه، فهو أننا جميعاً بحاجة إلى الانفتاح على الحب بدرجة أكبر بقليل، مهما كان شكله. ففي ظل الشك والسلبية التي تعمّ أجواء المواعدة، أحياناً العائق الوحيد لنا هو أنفسنا.