عميد الصحافة السودانية الذي زرع الاستنارة ومات لاجئا

منذ 9 أشهر 140

فجع الوسط الصحافي السوداني بوفاة عميد الصحافة السودانية مجحوب محمد صالح، الذي أفنى سبعة عقود من عمره، البالغ 96 سنة، في العطاء الدؤوب داخل المشهدين السياسي والإعلامي، حيث ظل قلمه حاضراً بقوة حتى اندلاع حرب الخرطوم في منتصف أبريل (نيسان) الماضي، مما اضطره للجوء إلى القاهرة، التي سيوارى الثرى فيها اليوم الأربعاء.

يعد صالح، الذي ولد في 1928، من الرعيل الأول للصحافيين السودانيين الذين كرسوا حياتهم في خدمة مهنة الصحافة من خلال التنوير والتبشير بالحياة الكريمة والدفاع عن شروطها، فضلاً عن التنبيه بقضايا الديمقراطية والحكم الراشد في السودان، وظل يرفد الصحافة السودانية بمقالاته عن الأوضاع في البلاد بصورة منتظمة حتى فترة الحرب، ولم تتراجع كتاباته عن المضي في مسار النصح للتوجه نحو طريق السلام المستدام.

لبنات الصحافة الحرة

يرجع لصالح الفضل في وضع لبنات الصحافة الحرة في بلاده، حيث أسس عام 1953 صحيفة "الأيام" برفقة زميليه الراحلين بشير محمد سعيد ومحجوب عثمان، وأسس أيضاً مركز "الأيام" للدراسات الثقافية والتنمية، الذي أسهم بشكل كبير في تدريب وتأهيل عديد من الصحافيين السودانيين، كما أشتهر بعموده "أصوات وأصداء" الذي يتناول فيه تحليل الوضع السياسي في السودان والمشكلات التي تواجه المواطن العادي. وله عديد من المؤلفات أبرزها سفره القيم "تاريخ الصحافة السودانية في نصف قرن"، بجانب "أضواء على قضية الجنوب" وغيرهما. وقد نال عدداً من الجوائز داخل السودان وخارجه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ونعى رئيس وأعضاء مجلس السيادة في السودان عميد الصحافيين السودانيين، قائلاً في بيان إن "البلاد فقدت رمزاً من رموز الصحافة السودانية وقلماً وطنياً نذر حياته في خدمة القضايا الوطنية، مهموماً بالشان العام، مشاركاً في عدد من المنظمات الوطنية والمنابر المعنية بالبلاد داخل الوطن وخارجه".

وتابع البيان، "يعد صالح من الشخصيات الرائدة التي نهضت بمسيرة الصحافة السودانية وعمقت ارتباطها بالرأي العام، مؤسساً للصحف تارة، ورئيساً لتحريرها تارة أخرى، وظل قلمه في كل تلك المحطات ملتزماً ومنحازاً للوطن وهموم المواطن ولم يجف مداده إلا برحيله". مشيراً إلى أنه يمثل أحد المراجع الموثقة لتاريخ الصحافة السودانية، ويعد شاهداً على عصور نهضتها وتطورها منذ فجر الحركة الوطنية.

في ترسيخ الوعي

وقال رئيس حزب "المؤتمر" السوداني عمر الدقير، "رحل محجوب محمد صالح تاركاً فراغاً يصعب أن يجد من يملأه فى المدى المنظور". مضيفاً، "لقد أدرك الفقيد واجبه الوطني والتنويري في مقتبل العمر، وعاش وفياً لهذا الواجب منذ أن كان طالباً في كلية الخرطوم الجامعية التي فُصِل منها بسبب نشاطه السياسي المناهض للاستعمار البريطاني من موقعه ضمن قيادة اتحاد الطلاب".

ولفت إلى أنه ظل مُشهراً قلمه للدفع باتجاه ترسيخ الوعي الديموقراطي والاعتراف بالتنوع وحسن إدارته وتعزيز الشعور الوطني وإشاعة ثقافة التعايش السلمي والاهتمام بقضايا الناس المعيشية.

كما نعاه وزير الإعلام السابق والصحافي فيصل محمد صالح، قائلاً إن "الفقيد ظل ممسكاً بقلمه بصلابة وقوة، مدافعاً عن قيم الحرية والديمقراطية، ومساهماً في الساحة الوطنية بالرأي والعمل في المبادرات الوطنية وممثلاً للحكمة والموضوعية"، معتبراً وفاته فقداً كبيراً جداً للصحافة السودانية وللساحة الوطنية والسياسية.

وأشار إلى أنه كان من المبادرين على رأس أي عمل وطني، ويتمتع بالحكمة والمعرفة والموضوعية، ودائماً مقبول من جميع الأطراف، لذلك لم يتوقف عن بذل جهده الوطني حتى الفترة الأخيرة التي جرى فيها توقيع الاتفاق الإطاري بين الجيش وقوات "الدعم السريع" قبل اندلاع الحرب بينهما بأشهر، حيث بذل جهداً لإقناع الأطراف بالتوافق على مشروع وطني موحد.

من أجل الحقيقة

كما نعته نقابة الصحافيين السودانيين في بيان أشار إلى أنه كان شخصية بارزة في وسائل الإعلام السودانية، حيث أسهم في إعداد أجيال من الصحافيين بنزاهته ومهنيته وتفانيه والتزامه الثابت بالحقيقة.

وكان ابنه الصحافي وائل نعاه في صفحته بموقع "فيسبوك" قائلاً، "إن فقدنا جلل ومصابنا ومصاب الآلاف من قراء وأهل وأصدقاء وأحباب وتلاميذ ومحبي وعارفي فضل أستاذ الأجيال أليم، وإن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقك لمحزونون".

تلقى صالح مراحل تعليمه الأولية والمتوسطة في مدينة الخرطوم بحري، والتحق بكلية الخرطوم الجامعية عام 1947، وكان يشغل منصب سكرتير اتحاد الطلاب وقتها.

بدأت مسيرته العملية بالالتحاق بصحيفة "سودان ستار" الناطقة بالإنجليزية عام 1949، وعمل أيضاً لفترة وجيزة بصحيفة "السودان الجديد"، قبل أن يؤسس مع زميليه بشير محمد سعيد ومحجوب عثمان صحيفة "الأيام" التي صدر أول أعدادها في الثالث من أكتوبر (تشرين الأول) عام 1953.