«علينا أن نفعل شيئاً!»

منذ 1 سنة 152

هل منطقة الساحل بغرب أفريقيا في طريقها لأن تصبح مركزاً جديداً للإرهاب الدولي، مثلما كانت أفغانستان منذ ما يقرب من ثلاثة عقود؟ الأسبوع الماضي، فرض هذا التساؤل نفسه على دوائر صانعي السياسات العالمية، مع حدوث انقلاب عسكري في نيامي، عاصمة النيجر، واحدة من الدول الفقيرة بالمنطقة.

كان قائد الحرس الرئاسي، الجنرال عبد الرحمن تياني، قد ألقى القبض على الرئيس «المنتخب ديمقراطياً» محمد بازوم، ووضعه قيد الإقامة الجبرية، في استمرار لسلسلة من الانقلابات التي وقعت في الفترة الأخيرة، التي تمخضت عن حكم عسكري في غينيا كوناكري وبوركينا فاسو ومالي.

وجاءت أجراس الإنذار التي أثارها الانقلاب لتكسر السبات الصيفي للقيادات الغربية، وسرعان ما رفعت شعار «علينا فعل شيء»، ما أدى بدوره لرد الفعل المتعجل المعتاد.

وانطلق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الجانب الخاص به من مسألة «علينا أن نفعل شيئاً»، من خلال إصدار أوامره لجنوده المتمركزين في النيجر، البالغ عددهم 1500 بالدخول في حالة التأهب القصوى، في الوقت الذي سارعت فيه وزيرة خارجيته كاثرين كولونا لطمأنة الجميع بأن فرنسا لن تستخدم القوة لإعادة الرئيس الموالي لها، بازوم، للسلطة. وخرجت تطمينات مشابهة من ألمانيا وإيطاليا، التي تحتفظ بقوات صغيرة رمزية لها داخل النيجر.

من ناحيتها، لطالما ادعت إدارة بايدن في واشنطن أنها لن تهمل أفريقيا، على خلاف ما فعل دونالد ترمب. وفي الفترة الأخيرة، انطلقت هي الأخرى في النسخة الخاصة بها من «لا بد أن نفعل شيئاً»، من خلال إرسال مساعدة وزير الخارجية، فيكتوريا نولاند، إلى نيامي، من أجل عقد ما وصفته بأن محادثة «قاسية، لكن جادة»، وفي الواقع دونما جدوى، مع بعض القائمين بالانقلاب.

وانطلقت الدول المكونة للمجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا (إيكواس) في نسختها هي الأخرى من عرض «لا بد أن نفعل شيئاً» عبر إرسال وفد رفيع المستوى إلى نيامي؛ لإقناع الجنرالات بأن يحسنوا التصرف والعودة إلى الثكنات.

إلا أن قائد الانقلاب رفض لقاءهم، وجاء رد فعل المجموعة بإصدار إنذار نهائي هددوا فيه باستخدام القوة العسكرية بعد انتهاء المهلة. ومع ذلك، انتهت المهلة، وخرجوا ليعلنوا أنهم يفضلون الخيار الدبلوماسي.

من جانبه، أقدم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، هو الآخر على نسخته الخاصة من عرض «لا بد أن نفعل شيئاً»، من خلال الإيعاز لوكلائه المحليين بتوزيع الأعلام الروسية، وكذلك أموال لاستئجار حشود داعمة للانقلاب العسكري في نيامي. وأعقب ذلك اتصال يفغيني بريغوجين بالجنرالات وعرض دعمهم من خلال مرتزقة «فاغنر» العاملين تحت إمرته، الذين فعلوا الأمر ذاته مع قيادات الانقلاب في موزمبيق وليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى وغيرها، وأخيراً في مالي.

والآن، هل كل هذا الضجيج حول هذا القدر اليسير؟

الحقيقة أن التعبير الغربي عن التأييد «للقيادات المنتخبة ديمقراطياً» نادراً ما تجاوز المواقف الدبلوماسية. ويؤكد الواقع أن مجرد عقد الانتخابات لا يحوّل مجتمعاً ما إلى مجتمع ديمقراطي. وسبق وأن شهد العالم وجود بضع قيادات غير ديمقراطية جرى انتخابها بصورة ديمقراطية.

على امتداد عقود، كان حسين حبري وإدريس ديبي، اثنين من كثير من الحكام الآخرين المشابهين لهم، واللذان جرى انتخابهما ديمقراطياً وكانا مدعومَين من فرنسا، في الحكم من دون أن يجرؤ شخص على وصف أي منهما بأنه نموذج لقائد ديمقراطي.

في الواقع، فإن الفكرة الغربية عن وجود حل يناسب الجميع ليست سوى وهم.

قبل الحقبة الاستعمارية، كانت المجتمعات الأفريقية مَن تقرر مَن يتولى السلطة من خلال حروب قبلية. وكان المنتصر يحظى بالشعبية بفضل انتصاره. أما السلطات الاستعمارية، فمارست السلطة عبر مزيج من القوة، والرشوة، واستمالة النخب المحلية الأكثر طموحاً.

ومع انعقاد مؤتمر برلين عام 1884 وتقسيم أفريقيا، خلقت القوى الاستعمارية دولاً قومية مصطنعة أُقيمت حول وحدات عسكرية جرى تجنيدها محلياً أنشئت لخدمة القوى الاستعمارية.

ولدى نيلها الاستقلال، تضمنت هذه «الدول» قبائل بينها تاريخ طويل من العداء تجاه بعضها بعضاً، ولا تحمل داخلها شعوراً يذكر بالانتماء إلى دولة. واليوم، تعاود مشاعر السخط تجاه هذا الماضي الاستعماري الظهور في عدد من الدول، بما فيها النيجر.

بعد الاستقلال، قاد هذا السخط كثيراً من الدول الأفريقية التي أُنشئت حديثاً للدخول في دائرة النفوذ السوفياتي خلال الحرب الباردة. وتلاشى هذا الخيار مع سقوط الاتحاد السوفياتي، أعقبه ما يزيد على عقد من الغموض الذي اكتنف مستقبل روسيا.

في ظل قيادة بوتين، تحاول روسيا استعادة جزء من نفوذها المفقود، خصوصاً داخل أفريقيا.

والآن، هل ينبغي للغرب الشعور بالقلق إزاء ذلك؟ ليس بالضرورة.

من جهته، لم يجن الاتحاد السوفياتي أي ثمار من وراء الأموال التي أنفقها في أفريقيا، وجهوده لتعزيز مكانة الحكام الأفارقة الذين ما زالوا يتحدثون عن الاشتراكية، في الوقت الذي يكنزون فيه الأموال التي ينهبونها في بنوك غربية.

اليوم، لا يبدو أن روسيا تحت قيادة بوتين ستبلي بلاءً أفضل. وبخلاف القمح والذرة، ليس لدى روسيا ما تبيعه للأفارقة مما يرغبون في شرائه، بينما ليس لدى الأفارقة ما يعرضون على الروس ويرغبون في شرائه. الأسوأ من ذلك لبوتين، أن شركة «فاغنر» تسببت في قلب الرأي العام المحلي الأفريقي ضد روسيا في كثير من الأماكن، بما في ذلك جمهورية أفريقيا الوسطى وليبيا وموزمبيق وغيرها، وفي الفترة الأخيرة مالي.

فيما يخص التهديدات الجهادية المتنامية، فإن ترك بوتين يضطلع بالقتال، نيابة عن الحكومات الأفريقية ربما لا يكون خياراً سلبياً. يذكر أن الفرنسيين حاربوا الجهاديين داخل مالي، ومنعوهم من دخول العاصمة باماكو والاستيلاء على السلطة، لينتهي بهم الأمر إلى التحول لكراهية الحكام نفسهم الذين أنقذوهم من الفناء. (مرت الولايات المتحدة بتجربة مشابهة في أفغانستان، حيث تقود فلول نظام حميد كرزاي وأشرف غاني، الذي صُنع في أميركا، الجوقة المناهضة لأميركا، الآن).

الحقيقة أن بناء الإمبراطورية كان من البداية فكرة رديئة، وقد حذر آدم سميث ضد هذه الفكرة 3 مرات في كتابه «ثروة الأمم»، وأوضح أن عمالة وأسواق السخرة، رغم أنهما تفيدان بعض الرأسماليين، فإنهما سيئتان للرأسمالية ككل؛ لأنهما تزيفان قواعد السوق الحرة.

ويكشف تاريخ أفريقيا بعد الاستعمار أن الانقلاب العسكري تحول إلى الأداة الأكثر استخداماً لتغيير الحكومات في جميع دول القارة السمراء. وقد عايشت جميع دول القارة الـ54 انقلاباً واحداً على الأقل، وجرى إجهاض 151 محاولة انقلاب منذ عام 1960.

تشكّل جنوب أفريقيا الاستثناء الوحيد (مصر شهدت انقلاباً عام 1952).

ولم تفلح محاولة فرض النموذج الديمقراطي الغربي على الدول الأفريقية بالقوة في أكثر من 10 دول على الأقل.

بجانب ذلك، لم تفلح العقوبات هي الأخرى، التي أضرت بالجموع الأشد فقراً، من دون أن تمس النخب الحاكمة. منذ سنوات عدة، زرت «جمهورية» أفريقية تحت وطأة عقوبات دولية قاسية، من أجل مقابلة رئيسها.

وكانت مأدبة العشاء التي أُقيمت لنا من طراز 5 نجوم حقاً، بينما كان مواطنو العاصمة يعيشون بين الأطلال ويتضورون جوعاً.

ومع أن الانقلابات العسكرية تخلق مشكلات بالفعل، فإنه على النقيض من الوهم المسيطر على فرنسا، ليست كل مشكلة لها حل جاهز. وعندما لا يكون هناك حل جاهز، فإنه من الأفضل التحلي بالصبر، والسماح للناس باقتراف الأخطاء والتعلم منها، بدلاً من الإسراع للاستسلام لعرض «لا بد أن نفعل شيئاً».