علاج النيجر قد يكون أسوأ من مرضها نفسه

منذ 1 سنة 167

لقد هزَّ الانقلاب الذي وقع في النيجر، الشهر الماضي، منطقة غرب أفريقيا أكثر من أي انقلاب آخر في السنوات الأخيرة، فعلى عكس الانقلابات وعمليات نقل السلطة بشكل غير دستوري في كل من غينيا ومالي وبوركينا فاسو وتشاد والسودان، التي قوبل معظمها داخل المنطقة وعلى الصعيد الدولي بعدم اهتمام كبير، أدَّى انقلاب النيجر إلى تهديدات حقيقية بالتدخل العسكري لاستعادة الديمقراطية في البلاد.

ومثلما يخوض الجنرالات الحروب، فإنَّ الدبلوماسيين أيضاً في هذه المنطقة دائماً يردون على الانقلابات، ومع اجتماع المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) أمس الخميس، 10 أغسطس (آب)، وإعلانها تعبئة ونشر قوتها العسكرية الاحتياطية لمحاولة إعادة الرئيس محمد بازوم إلى منصبه، فإنه يبدو أننا قد وصلنا إلى مستوى عالٍ بشكل خطير من سياسة حافة الهاوية.

ولكن المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا قد تم تحديها بالفعل، وذلك ليس فقط من قبل النيجر وحلفائها في مالي وبوركينا، الذين تعهدوا بصد أي تدخل، ولكن أيضاً من قبل الدول الأعضاء مثل نيجيريا، وبنين التي حذرت من أي رد عسكري محتمل لإعادة الرئيس بازوم إلى السلطة.

فيما ذهبت الدول المجاورة مثل تشاد والجزائر إلى أبعد من ذلك، قائلة إن غزو النيجر سيمثل تهديداً لمصالح أمنها القومي، ولا يزال يتعيَّن على الاتحاد الأفريقي أن يعلن عن موقفه بشأن هذا الأمر، ولكنه يترك القرار حتى الآن إلى مجموعة «الإيكواس» الإقليمية، وفي ظل وجود اختلافات واضحة في وجهات النظر في القارة حول أفضل السبل للمضي قدماً حيال الأمر، فإنه من المقرر أن يجتمع مجلس السلام والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، الأسبوع المقبل، وقد ينتج عن هذا الاجتماع رفض لجهود المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا للتدخل، كما قد يجد الاتحاد نفسه مجبراً على التوسط بين الدول الأعضاء لإيجاد طريقة للمضي قدماً.

وفي هذه المرحلة، بعد مرور أكثر من أسبوعين على الانقلاب، فإنه يبدو أن جميع الأطراف تتطلع لإيجاد طريقة للمضي قدماً تستطيع من خلالها حفظ ماء وجهها، ومع الانقسام حول استخدام الخيار العسكري، فإنه من المرجح أن تبحث المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا عن بدائل لتبدو صارمة وتواصل الضغط على المجلس العسكري.

وهناك العديد من الاتهامات بأن ردود فعل المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا الضعيفة سابقاً على الانقلابات، هي السبب في انتشار عدوى الإجراءات غير الدستورية هذه، وهو الأمر الذي من المرجح، على ما يبدو، أنه يقود السياسة المتشددة للمجموعة اليوم.

وبالمثل، فإن فكرة عدم وجود إجماع إقليمي تضع واشنطن وباريس أيضاً في موقف صعب، فالآن في هذه الفترة التي تشهد تزايد المشاعر المعادية للغرب في جميع أنحاء المنطقة، فإنه من الواضح أن الولايات المتحدة وفرنسا تفضلان قيادة القارة للاستجابة للتهديدات الأمنية المحلية.

ولكن النيجر هي أيضاً حالة فريدة في ذلك؛ حيث استثمرت كل من فرنسا والولايات المتحدة بشكل كبير ليس في الشراكات الأمنية في البلاد فحسب، ولكن أيضاً في تعزيز الديمقراطية وجهود بناء المؤسسات التي جعلت نيامي مفضلة لدى حشد التنمية الغربي، حتى إن واشنطن قد ذهبت إلى حد جعل الرئيس بازوم يجلس على يمين رئيس الولايات المتحدة جو بايدن في القمة الأميركية - الأفريقية العام الماضي، وهو مكان ذو مكانة رفيعة بين 50 رئيس دولة أفريقية أخرى.

والآن يتعين على كلا البلدين اتخاذ خياراتهما الصعبة المتمثلة إما في التغاضي عن الأمر ومواصلة العمل مع قادة المجلس العسكري لتعزيز مصالحهما الأمنية المتعلقة بمكافحة الإرهاب وجمع المعلومات الاستخبارية، أو فرض عقوبات وقطع المساعدات، وهو الخيار الذي قد يخاطر بالتنازل عن المكاسب التي تم تحقيقها بشق الأنفس لصالح الجماعات الجهادية، وربما دفع المجلس العسكري إلى أحضان روسيا ومجموعة فاغنر التي تقف منتظرة.

وبالمثل، يجب أن يعرف قادة المجلس العسكري أنهم حتى لو تمكنوا من إحباط فكرة التدخل العسكري، فإنَّ لدغة العقوبات الإقليمية والدولية والعزلة الدبلوماسية ستزيد الضغط عليهم بسرعة، وذلك بالنظر إلى أنَّ أسعار السلع الأساسية في أسواق نيامي قد باتت آخذة في الارتفاع بنسبة مضاعفة بالفعل، كما انخفضت واردات الكهرباء من نيجيريا المجاورة بنسبة 70 في المائة، وهو ما سيؤدي إلى زيادة معدلات التضخم والإضرار بالاقتصاد الهزيل بالفعل.

ومع مواجهة جميع الأطراف للحاجة إلى الظهور بمظهر صارم، فقد حان الوقت الآن لإعطاء فرصة للدبلوماسية الحقيقية رفيعة المستوى لإحداث فرق، ومع ذلك، فإننا حتى الآن لم نشهد أي مبادرة دبلوماسية جادة من قبل الولايات المتحدة أو الاتحاد الأفريقي، حتى إن قرار واشنطن في اللحظة الأخيرة إرسال مسؤول كبير من وزارة الخارجية الأميركية في وقت سابق من هذا الأسبوع، قد افتقر للتنسيق الإقليمي، كما أن الزيارة كانت سريعة للغاية لدرجة أن المسؤول لم يتمكن حتى من مقابلة الرجل المسؤول في النيجر في الوقت الحالي الجنرال عبد الرحمن تشياني.

وفي غضون ذلك، لا يجلس قادة المجلس العسكري منتظرين أن يتم إجبارهم على التفاوض، ولكنهم مشغولون بإعداد وضع ليصبح أمراً واقعاً من أجل تقديمه إلى المجتمع الدولي، ومع استخدام الرئيس بازوم كدرع بشري، عيّن قادة المجلس العسكري هذا الأسبوع موظفاً مدنياً يحظى بالاحترام الدولي كان وزيراً للمالية سابقاً لشغل منصب رئيس الوزراء، ما أعطى المجلس العسكري وجهاً مدنياً، كما أنه سيعمل قريباً على تشكيل مجلس وزراء مدني يساعد في القيام بالوظائف المدنية للدولة، ومن المرجح أن يقدم خريطة طريق لإجراء انتخابات ديمقراطية، مع ترك الجيش مسؤولاً عن القتال المستمر ضد الجهاديين.

فهل يكفي ذلك لتلبية المطالب الغربية والإقليمية؟ ربما يجب أن يكون كذلك.

وبعد أسبوعين من التوتر الشديد، في أعقاب الانقلاب، فإن الشيء الإيجابي الوحيد الذي يمكننا قوله عن الوضع الحالي في النيجر، هو أنه يظل خالياً من العنف، ولكن في حال تم تغيير ذلك الوضع، من خلال قادة المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا الذين يسعون إلى إنهاء انتشار الانقلابات في منطقتهم وتعزيز الديمقراطية، فقد تكون العواقب وخيمة، وذلك لأن الحرب الإقليمية لن تؤدي إلى تقسيم المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا والاتحاد الأفريقي لسنوات مقبلة فحسب، بل ستؤدي أيضاً لتبديد الموارد الاقتصادية المطلوبة من ميزانيات البلدان التي تكافح بالفعل لتغطية نفقاتها.

والأهم من ذلك، أن التدخل قد يؤدي لصرف الانتباه وكذلك الموارد الأمنية بعيداً عن القتال المستمر ضد الجهاديين، وقد يتم تركيزهم بدلاً من ذلك، على الدول المجاورة المنخرطة بالفعل في المعركة نفسها ضد التطرف أو تخشى الوقوع فيها، وفي كلتا الحالتين، فإن الجهاديين يستعدون للفوز دون إطلاق رصاصة واحدة.

ولكن في هذه المنطقة التي شهدت العديد من التهديدات للديمقراطية في السنوات الأخيرة، فإن رؤية مثل هذا الدفاع القوي والهادف عن الديمقراطية اليوم تبدو مشجعة، فعلى القادة الإقليميين والدوليين توخي الحذر من ألا يصبح دواؤهم أسوأ من المرض نفسه، فإن تدمير السلام من أجل الدفاع عن الديمقراطية، سيؤدي إلى عواقب غير مقصودة سيتردد صداها عبر مختلف المناطق على مدى سنوات عديدة قادمة.

* زميل بارز في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن وعمل في وزارة الخارجية والبيت الأبيض والشؤون الأفريقية لدى «سي آي إيه»