تصدّرت صحيفة «عكاظ» مواقع الإنترنت الصينية بعد نشرها تقارير عدة حول زيارة الرئيس الصيني شي جينغ بينغ الأخيرة إلى الرياض، إذ ترجمت عدد من مراكز الأبحاث التقارير، ووضعت بعضها على صفحاتها الخاصة على منصات وسائل التواصل الاجتماعي الصينية.
وفي حقيقة الأمر فقد شهدت الفترة الأخيرة اهتماماً كبيراً من الجانب الصيني باللغة العربية وثقافة المجتمعات العربية، وأقبل العديد من الشباب الصينيين على دراسة اللغة العربية، ويبلغ عدد الجامعات الصينية التي تحوي أقسام اللغة العربية 44 جامعة. كما تضم الصين 200 مدرسة إسلامية تُعلِّم اللغة العربية ضمن مناهجها، وتقوم بتخريج نحو 4000 طالب سنوياً، إلى جانب 100 ألف طالب يتعلمون العربية في المساجد.
ولعلّ أكثر ما يميز الثقافة الصينية هي احترامها للآخر وعاداته وتقاليده، وتنسيق التعاون وفقاً للقاعدة المشتركة بين الجانبين بعيداً عن إملاء الأوامر، بل على العكس تماماً يتمّ العمل على خلق مبادرات تنموية، إذ تشكّل مبادرة «الحزام والطريق» التي أطلقها الرئيس الصيني عام 2013 خير دليل على الرغبة الصينية في إقامة تعاون مشترك مع مختلف الدول، ومنها الدول العربية وتحديداً دول الخليج العربي.
وبرز الاهتمام بالجانب العربي، أخيراً، خلال القمم الثلاث التي عُقدت في المملكة العربية السعودية. فوفقاً لعدد من الأبحاث الصينية التي خاضت في مجال التعاون العربي الصيني فإنّ مبادرة «الحزام والطريق» هي ليست مبادرة اقتصادية فقط، وإنما تحمل في جوهرها تعاوناً ثقافياً لنشر مفاهيم جديدة بهدف حل مشكلات يواجهها عالمنا اليوم، مثل الوعي بأهمية الحفاظ على البيئة والوصول إلى الحياد الكربوني، فحتى في مناهج تعليم اللغة الصينية للأجانب فإنه يوجد عدد لا بأس به من النصوص التي تشير إلى أهمية الحفاظ على البيئة وضرورة القيام بتوجهات جديدة نحو هذا الأمر.
وفي الغالب سيكون للمبادرات الأخرى التي أطلقتها الصين أيضاً مثل «مبادرة التنمية العالمية» دور كبير في نشر مفاهيم ومبادئ جديدة، مثل: إبراز التنمية في إطار السياسات الكلية العالمية، تعزيز التنسيق بين الاقتصادات الرئيسية، الحفاظ على الاستقرار والاستدامة، إقامة علاقات الشراكة التنموية العالمية الأكثر مساواة واتزاناً. وقد لفت الرئيس الصيني في كلمته إلى أنه توجد 17 دولة عربية أعلنت دعمها لمبادرة التنمية العالمية، وقال إن الصين أقامت مع الدول العربية مجموعة من علاقات الشراكة الاستراتيجية القائمة على التعاون الشامل والتنمية المشتركة لمستقبل أفضل، طبقاً لمقولته أنّ «لا غنى عن أي دولة أو أمة على طريق تحقيق السعادة للبشرية».
وبالمقابل لا بدّ من ذكر رؤية المملكة العربية السعودية لعام 2030 التي تحمل في طياتها نوعاً من التكامل مع مبادرة الحزام والطريق، لا سيما أن رؤية السعودية 2030 تستهدف إقامة تنمية غير تقليدية لا تعتمد على البترول وحده، كما أنها في الوقت ذاته تستهدف الجانب الثقافي، فمن المشاريع الثقافية القائمة في رؤية المملكة 2030: «مشروع الرياض آرت»، «مشروع محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية»، «مشروع مسار الرياض الرياضي».
باختصار يمكن القول إنّ المشروع العالمي الجديد الصيني - العربي هو مشروع قائم على إحياء الصداقة الصينية - العربية التي يرجع تاريخها إلى أكثر من 2000 عام، إذ شهد ذلك الحين تبادلات تجارية عديدة على طريق الحرير القديم، بعد أن اتجهت صناعة الخزف والورق والطباعة الصينية غرباً، وانتقل علم الفلك والتقويم والطب والصيدلة العربية شرقاً. وها هو اليوم يعود هذا التبادل بصيغة جديدة وعلى طريق الحرير ذاته عبر إحيائه بمبادرات عصرية تستهدف التعاون المشترك بين الجانبين الصيني والعربي، على مبدأ «رابح- رابح»، وعلى ما يبدو فإنّ المملكة العربية السعودية تشكل نقطة انطلاق لهذه الأسس الحديثة التي سترسي مبادئ عالمية جديدة للتعاون بين الأمم. وما الترجمة الصينية لما يرد في الصحف العربية إلا خير دليل على الرغبة المشتركة في التبادل الثقافي والإعلامي بين الجانبين.