عطش وشمس حارقة وموت يتربص بهم.. معاناة المهاجرين العالقين بين تونس وليبيا

منذ 1 سنة 131

يعيش المهاجرون الذين طردتهم تونس مؤخرًا ظروفًا صعبة، حيث يبقى الكثير منهم هائمين على وجههم وتائهين في الصحارى على الحدود الليبية التونسية، لدرجة أن بعضهم يلقى حتفه إثر الحر والعطش.

يستمر مهاجرون من دول أفريقية في جنوب الصحراء بالوصول بالمئات يوميًا إلى ليبيا سيرًا على الأقدام حتى الإنهاك الشديد، بعدما نقلتهم السلطات التونسية إلى الحدود في وسط الصحراء، وفق شهاداتهم وشهادات حرس حدود ليبيين جمعتها وكالة فرانس برس.

في منطقة قاحلة وغير مأهولة، تم يوم الأحد إنقاذ رجال ونساء كانوا تائهين بالقرب من بحيرة سبخة المقطع المالحة على امتداد الحدود بين ليبيا وتونس.

عند الظهيرة، وبينما فاقت درجة الحرارة الأربعين درجة مئوية، عثرت دورية ليبية على رجل مغمى عليه، حاول أفرادها إنعاشه بسكب بضع قطرات من الماء على شفتيه. غير أنه يكاد لا يتنفس.

في الأفق، يمكن تمييز ست نقاط سوداء، تبيّن بعد دقائق أنهم ناجون شرحوا باللغة العربية للحراس أنهم أتوا من تونس.

في الأسبوعين الأخيرين، يقول حرس الحدود الليبيون إنهم انقذوا مئات المهاجرين الذين نقلتهم السلطات التونسية على ما يؤكدون، إلى الحدود عند مستوى بلدة العسة على بعد 150 كيلومترًا جنوب غرب طرابلس.

ففي أعقاب اشتباكات أودت بحياة مواطن تونسي في الثالث من تموز/يوليو، طُرد مئات المهاجرين الأفارقة من صفاقس التي تشكل نقطة الانطلاق الرئيسية للهجرة غير النظامية إلى أوروبا.

ينهارون منهكين

وتفيد منظمة هيومن رايتس ووتش غير الحكومية أن الشرطة التونسية "طردت" ما لا يقل عن 1200 مهاجر إفريقي وتركتهم عند الحدود مع ليبيا من الشرق والجزائر من الغرب.

وقد تولّى الهلال الأحمر التونسي بعد ذلك رعاية أكثر من 600 من هؤلاء في منطقة رأس جدير العازلة بين تونس وليبيا ونحو 200 من الجانب الجزائري.

لكن، قرب العسة على بعد حوالي 40 كيلومترا من رأس جدير، يستمر المهاجرون بالوصول ضمن مجموعات صغيرة من شخصين أو ثلاثة أشخاص أو بالعشرات. يتقدمون منهكين من جرّاءِ الحر والعطش، وتخور قواهم عند أقدام الحراس.

فيعطيهم الحراس بضع قطرات من الماء ويرشونها على رؤوسهم ووجوههم قبل نقلهم إلى نبع مياه مالحة ليبردوا حرارة جسمهم.

في الآونة الأخيرة، يجري حرس الحدود الليبيون وجهاز مكافحة الهجرة غير النظامية وعناصر "الكتيبة 19" دوريات يومية في الصحراء. يقول المتحدث باسم اللواء 19 الليبي علي والي "نحن على الخط الفاصل بين ليبيا وتونس ونشهد وصول المزيد من المهاجرين كل يوم. الوضع مقلق".

ويوضح أنه سمح لوكالة فرانس برس بمرافقة الدورية "لتكذيب من يدعي (في تونس) أننا اختلقنا كل هذا وأننا اقتدنا المهاجرين إلى هنا" عند الحدود. ويؤكد أن الحراس يرصدون يوميا في نطاق عملهم حول العسة "وصول 150 إلى 350 وأحياناً ما يصل إلى 400 أو 500 مهاجر غير شرعي".

وصل في ذلك اليوم 110 أشخاص بينهم امرأتان فيما لم يُعثر على شخصين آخرين بلّغ عنهما مهاجر.

يقوم جندي من حرس الحدود بمسح الأفق بمنظاره على أمل تحديد مكان المهاجرين. وعبر الناجون الحدود من دون علمهم وساروا في الاتجاه الذي أشار إليه الجنود التونسيون، أي ليبيا.

مسيرة ليومين

هيثم يحيى مواطن سوداني عمل في قطاع البناء مدة عام في تونس حيث وصل سرًا عبر النيجر، ثم الجزائر. يروي يحيى قائلًا "كنت في العمل عندما أمسكوا بي واقتادوني إلى هنا، أولاً في سيارة شرطة، ثم في شاحنة عسكرية (تونسية) ثم تركوني وطلبوا مني الذهاب إلى ليبيا".

تحت شمس حارقة، "سار البعض مدة يومين" من دون ماء أو طعام في الصحراء.

هذا ما حصل أيضا للنيجيري ألكسندر أونشي أوكولو. يقول الرجل البالغ 41 عاما "دخلت تونس عبر الدبداب (منفذ بري حدودي) عابرًا الجزائر إلى تونس (...) أمضيت بعض الوقت في تونس قبل أن تقبض عليّ الشرطة التونسية". ويتابع قائلا "ألقوا القبض علي في الشارع ونقلت إلى الصحراء الكبرى". يظهر شاشة هاتفه المحطمة موضحًا "كسروه وضربوني".

ويقول المتحدث الليبي "السبت تم العثور على جثتين وقبل يومين، خمس بينهم امرأة مع طفلها (...) بالإضافة إلى الخمس التي تم العثور عليها قبل أسبوع (...)، وضع مأسوي وغير مقبول". ويتساءل "كيف تتوقعون منهم النجاة من هذا؟ وسط الحر ومن دون ماء مع سيرهم يومين أو ثلاثة".

وتفيد منظمات إنسانية في ليبيا اتصلت بها وكالة فرانس برس، أن الحصيلة تصل إلى ما لا يقل عن 17 قتيلًا قضوا في الصحراء بين ليبيا وتونس في الأسابيع الثلاثة الماضية.

في رأس جدير، لا يزال 350 مهاجرًا يقيمون في مخيم من بينهم 65 طفلا و12 امرأة حاملًا. وقال مسؤول في المجال الإنساني في ليبيا لوكالة فرانس برس "ظروف حياتهم صعبة جدًا". وأوضح أن 180 مهاجرًا آخر من بينهم 20 طفلا يقيمون موقتًا في العسة.

وفي رأس جدير بدأ المهاجرون منذ عشرة أيام تقريبًا في الحصول على المياه والطعام والرعاية الطبية من الهلال الأحمر الليبي. وشدد المصدر الإنساني على أن الوضع يتحسن "لكن لا يمكن أن يستمر على المدى الطويل فلا وجود للصرف الصحي ولا لخزانات المياه ولا مراكز إيواء فعلية".

وقالت الحكومة في طرابلس في الأيام الأخيرة إنها ترفض إقامة المهاجرين الوافدين من تونس على أراضيها. وقد انتقدت تقارير عدة للأمم المتحدة ليبيا بسبب العنف الممارس في حق 600 ألف مهاجر متواجدين على أراضيها وغالبيتهم في مخيمات.