تتنوع صور الشباب في الأردن، إلا أن الرابط المشترك بينهم جميعًا هو ضيق الحال وانعدام الرؤية، مهما حاول بعضهم مقاومة الظروف الاقتصادية الصعبة.
لاحظ زوار الأردن هذا الشهر إضافة جديدة لسلسلة الصور الملكية الموجودة على الطرق السريعة في البلاد، حيث ظهر ولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله البالغ من العمر 28 عامًا وعروسه السعودية رجوى السيف إلى جانب باقي أفراد العائلة الملكية.
ويمثل حفل زفافهما الملكي ذروة جهود النظام في ترسيخ صورة الحسين كوجه للجيل المقبل في الأردن وملك المستقبل الذي يمكنه تحديث البلاد وتقليص الروتين وإطلاق مواهب الشباب.
لكن في الشوارع المتداعية في الأحياء الفقيرة في العاصمة عمان وفي القرى الريفية، هناك أمل ضئيل في التغيير. ما يقرب من نصف الشباب الأردني عاطلون عن العمل، وأولئك الذين يعملون يحلمون بالعيش في الخارج. وإضافة إلى ذلك، يصعب على الفرد انتقاد الوضع، خوفًا من سجنه أو عرضه لمضايقات من الحكومة.
قصة الضغط الاقتصادي والقمع السياسي شائعة في جميع أنحاء الشرق الأوسط. كما هو الحال في مصر والعراق وتونس، أدى القطاع العام في الأردن إلى تخفيض الإنفاق على الصحة والتعليم. وأدت الجهود المبذولة لإبطاء التوظيف العام وخفض الإعانات إلى تآكل العقد الاجتماعي الذي أبقى المواطنين ممتثلين للأوامر الملكية.
في هذا السياق، قال طارق تل ، الأستاذ الأردني في العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية في بيروت: "قاعدة الدعم آخذة في التآكل. الحسين لديه مهمة صعبة في المستقبل".
في حين أن حفل الزفاف الملكي في شهر حزيران/ يونيو قد ولّد إثارة مؤقتة في الأردن، فإن أجواءه الفخمة وضيوفه من كبار الشخصيات سلطوا الضوء أيضًا على الهوة الشاسعة بين حياة الأمير المتميزة والنضالات اليومية لمعظم الأردنيين في عصره.
رائد أعمال رغم التحديات
بالنسبة لجاسر الحراسيس البالغ من العمر 28 عامًا، كانت المدرسة الحكومية مخيبة للآمال. لم يكن هناك عدد كافٍ من المدرسين، وكان الطلاب بلا هدف. وقال إنه كان سيصبح عاطلًا عن العمل ودون حياة لولا منحة دراسية دربته على الذكاء الاصطناعي.
واعتبر الحراسيس أن الأزمة تكمن في نظام التعليم القائم على التلقين والحفظ، ما يقتل حس المبادرة والإبداع عند الأطفال.
وحاليًا، يعمل الشاب الأردني مع بعض الأصدقاء في تطوير برنامج لتعليم علم الروبوتات في المدارس الحكومية في الأردن.
وقام أكثر من اثني عشر موظفًا في شركته بالاستفادة من أجهزة الكمبيوتر لتطوير منهج عالي التقنية سوف يعرضونه قريبًا على وزارة التعليم. وأضاف: "أريد أن تكون الأمور مختلفة لأناس مثلي، وللجيل المقبل".
لكن العقبات تقف في الطريق. ففي بلد لا يوجد فيه قانون للإفلاس، يمكن أن يعني الفشل عقوبة السجن إذا لم يتم سداد الديون. وقال الحراسيس إن سلطات الضرائب الأردنية تعامل المؤسسات الاجتماعية كشركات كبرى، حيث تخسر روبوتنا 36٪ من إيراداتها بسبب الضرائب كل عام.
وفي مواجهة تحديات الابتكار في الأردن، يدرس أقران الحراسيس اللغة الألمانية ويتقدمون إلى الجامعات هناك أو ينتقلون إلى دبي في الإمارات العربية المتحدة.
العاطلون عن العمل
كان الأردني سيف البزعيّة البالغ من العمر 20 عامًا يحلم بالدخول إلى الجامعة، إلا أنه بعد مشاهدة أقاربه وحجم الأموال التي يدفعونها للدراسة قبل أن ينتهي بهم الأمر عاطلين عن العمل، دفعه للبحث عن العمل وترك حلمه الدراسي.
وقال البزعيّة من مسقط رأسه في القطرانة، على بعد 95 كيلومترًا (59 ميلاً) جنوب عمان: "تنظر إلى كل هؤلاء الأشخاص الذين يدرسون ليصبحوا مهندسين وأطباء، لكن في نهاية اليوم، ليس لديهم شيء".
عندما لم يجد عملًا في قريته الصحراوية، جرب حظه في عمان، حيث يعيش 40٪ من الأردنيين، إلا أنه لم يجد إلا دوامات مؤقتة.
وقال البزعيّة: "إن الحلم الأكبر بالنسبة للأردني العادي هو مجرد شراء سيارة والاستقرار والزواج. إنها الطريقة الوحيدة التي يمكن للناس أن يعيشوا بها تحت الضغط".
بعد أسبوع من عرس الأمير الحسين، وصف البزعيّة وآخرون في القطرانة الشعور بأنهم متخلفون عن ركب المواطنين، وأشار إلى أن "في البلاد فئتين، الأولى فاحشة الغناء والأخرى فقيرة جدًا".
وفي غرفة جلوس أحد زعماء القبائل في ضواحي المدينة، كانت صورة للأمير حمزة المثير للجدل، الأخ غير الشقيق للملك عبد الله الثاني، معلقة على الحائط بجانب أفراد العائلة المالكة.
لا يزال حمزة، ولي العهد المخلوع والذي تم وضعه قيد الإقامة الجبرية في عام 2021 بعد زعمه بوجود فساد على مستوى عالٍ، يتمتع بدعم قوي من القبائل الأردنية.
ومنذ أزمة القصر، كثف النظام الملكي جهوده لتلميع صورة الحسين وترسيخ دوره باعتباره الوريث الشرعي.
وقال المحلل السياسي لبيب القمحاوي: "أكثر من أي شيء آخر، التحدي الذي يواجه مستقبل ولي العهد كملك يأتي من داخل الأسرة والقبائل الأردنية".
أزمة قطاع التعليم
من شرفته الأمامية في شمال الأردن، حدق مدرس اللغة العربية البالغ من العمر 27 عامًا عبر الوادي نحو قلعة من الخرسانة والفولاذ، هي سجن هذه المنطقة. هذا المنظر هو تذكير قاتم بالتهديدات الموجهة إليه هو وزملائه، حيث يُسجن بعضهم هناك منذ أشهر.
وقال المعلم، شريطة عدم الكشف عن هويته خوفاً من الانتقام: "كان التدريس في السابق محترم أما اليوم فهو مرعب".
فقد قامت الحكومة الأردنية بقمع احتجاجات المعلمين الحماسية من أجل الحصول على رواتب أفضل، وهو اتجاه يتعارض بشكل متزايد مع صورة النظام الملكي المتمثل في اعتناق القيم الغربية الليبرالية. وفي 2020، حلت السلطات نقابتهم وحكمت على نشطاء بارزين بالسجن. الآن، لا أحد يجرؤ على الشكوى.
من جهة أخرى، وفي المقاهي في حي عبدون الراقي في عمان، تتكئ مريم هديب البالغة من العمر 29 عامًا على جهاز الكمبيوتر المحمول الخاص بها، وتجمع البيانات عن اللاجئين السوريين.
قالت إنها كانت "محظوظة"، متذكّرة كيف أحرزت وظيفة أحلامها في منظمة دولية، فيما يتنافس زملاؤها خريجو الأدب الإنجليزي على وظائف تدريسية ذات أجور زهيدة.
تتنوع صور الشباب في الأردن، إلا أن الرابط المشترك بينهم جميعًا هو ضيق الحال وانعدام الرؤية، مهما حاول بعضهم مقاومة الظروف الاقتصادية الصعبة.