تحتفظ إثيوبيا بذاكرة قوية تجاه معركة عدوة التاريخية باعتبارها مصدراً ملهماً للحس الوطني ضمن تحديات ماثلة ما دفع الحكومة إلى إنشاء متحف خاص باسمها، وهنا تساءل كثيرون "هل احتفالية افتتاح متحف يحمل اسم المعركة إنجازاً لحفظ التراث الإثيوبي أم محاولة للذهاب بأزمات الحاضر إلى ما سطره الماضي من وحدة وتماسك وإنجاز قومي؟".
يتربع متحف عدوة التذكاري في حي بياسا وسط العاصمة أديس أبابا، وجرى افتتاحه الأحد الماضي، فيما سجلت الرئيسة الإثيوبية سهلورق زودي، ورئيس الوزراء آبي أحمد، وعمدة العاصمة أدانيتش أبيبي حضوراً مميزاً إلى جانب وفود دبلوماسية.
ويمثل المتحف تحفة معمارية خصصت له القيادة الإثيوبية موقعاً متقدماً متسع المكان والجمال كموقعه في الذاكرة الإثيوبية.
وقالت عمدة مدينة أديس أبابا، أدانيتش أبيبي، "إن متحف عدوة والنصب التذكاري هو المكان الذي سيتعلم فيه جيل المستقبل الحقيقة الكاملة حول تاريخ وأهمية انتصار عدوة".
وأكدت "أن هذا الانتصار لم يحظ بالتكريم المناسب لعظمته"، مشيرة إلى أن المتحف التذكاري مصمم ليخلد بشكل خاص بطولات الإثيوبيين، الذين لم تحظ قصصهم بالاهتمام الكافي، ويحوي أحداثاً تاريخية جرى تجاهلها.
وقالت "إن انتصار عدوة هو النصر الذي ألهم العرق الأسود مقاومة القمع والنضال من أجل استقلالهم".
8 بوابات
يعتبر المتحف تكريماً لذكرى الجنود والقادة الإثيوبيين، ويحتوي على مجموعة من القطع الأثرية والصور الفوتوغرافية، والمجسدات الفنية تلخص الأحداث التاريخية لمعركة عدوة، إلى جانب توثيق التاريخ الإثيوبي.
يحتوي المتحف على 8 بوابات كل باب يمثل تعبيراً تاريخياً عن إنجازات بعينها، ومكانة القادة العسكريين والوطنيين، وفي مقدمتهم الإمبراطور منليك الثاني وزوجته الإمبراطورة طايتو بيتول، بجانب ما احتواه من وثائق ومرفقات ملكية وبقايا آثار دالة على المعركة التاريخية.
وعن إنجاز المتحف وما تعنية مناسبة عدوة للحاضر، قالت الرئيسة الإثيوبية سهلورق زودي "إنه يجب على الجيل الحالي استخلاص الدروس من انتصار عدوة"، مشددة على أهمية أن يستفيد الإثيوبيون من تجارب الأجداد وضرورة بذل الجهود في الأنشطة التي تعزز الوحدة الوطنية.
وأشارت إلى "أنه حتى في حالة وجود اختلافات في الآراء والرغبات، يجب أن يكون الحوار الخيار الأول وليس اللجوء إلى السلاح".
نظرة تاريخية
وفي نظرة تاريخية كان السبب المباشر لاندلاع حرب عدوة، وثيقة اتفاق كتبت بين إثيوبيا وإيطاليا الاستعمارية وقتها. وجاءت وثيقة "اتفاق أوتشيالي" بعد اعتراف إيطاليا بالإمبراطور منليك الثاني ملكاً للحبشة الموحدة، وعقد اتفاقية صداقة معه وفق علاقات تتيح لها ممارسة بعض الأنشطة في المنطقة، إلا أن الإمبراطور سرعان ما اكتشف نوايا استعمارية في الوثيقة، عندما حوت نسختها الإيطالية معاني تجعل من إثيوبيا تابعة لروما في علاقاتها الخارجية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الاختلاف بين الوثيقتين المكتوبتين باللغتين الأمهرية والإيطالية، دفعت بالإمبراطور منليك إلى نقض الاتفاقية، وسرعان ما نشبت الحرب في "معركة عدوة" بشمال إثيوبيا ليكون النصر حليفاً للبلد الأفريقي على القوات الإيطالية التي ضمت 25 ألف جندي.
دلالات سياسية
يشير افتتاح ومعطيات المتحف والنصب التذكاري لمعركة عدوة في دلالاته السياسية إلى حرص الحكومة القفز على ما تواجهه من مشكلات، وتحديات في قضايا الخلافات السياسية المعقدة مع بعض الحركات القومية المتمردة كميليشيات "الفانو" و"جيش تحرير الأورومو"، مستلهمة نجاحات التاريخ كعبرة وطنية.
وكانت الحكومة الإثيوبية جددت في فبراير (شباط) الجاري تمديد قانون الطوارئ بإقليم أمهرة أحد أكبر الأقاليم الإثيوبية لأربعة أشهر إضافية في مغالبة للظروف التي ظل يواجهها الإقليم منذ أبريل (نيسان) الماضي، حينما رفضت "الفانو" إلقاء أسلحتها وباشرت محاربتها للحكومة.
ودعا رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد من جهته الإثيوبيين إلى "الحفاظ على قيم وحكمة الأجداد لتعزيز الوحدة الوطنية وتحقيق ازدهار البلاد"، محملاً "الجيل الحالي مسؤولية حكمة الأجداد التي طبقوها في التعامل مع الخلافات والحفاظ على الوحدة الوطنية والدفاع عن سيادة الوطن".
وقال "إن الإثيوبيين يتمتعون بميزة فريدة من نوعها، كونهم أبناء وبنات الأبطال والبطلات الذين انتصروا بشجاعة في معركة عدوة"، حاثاً جيل الشباب "على تسخير الروح الحقيقية للمنتصرين في عدوة".
بر الأمان
وعن ما تمثله عدوة من إشارات وطنية واهتمام حكومي، يقول الكاتب والمحلل السياسي موسى شيخو، إن "عدوة هي ملهمة الأجيال، وحدث إثيوبي تاريخي، ويجيء تخليد ذكراها في إنجاز المتحف التذكاري كضرورة قومية في إلهام وتذكير الإثيوبيين بما واجهه الأجداد من تحدٍ في مجابهة الاستعمار، وتقديمهم الغالي والنفيس في الدفاع عن الوطن وحفظ وحدته وسيادته".
وتابع شيخو "احتفاء القيادة بذكرى عدوة هو توحيد للإثيوبيين من الحدود إلى الحدود، بغض النظر عن مختلفات الدين، أو العرق أو حتى اللون والجنس في دلالة مواجهة المستعمر بقلب واحد وصوت واحد، وهو ما كان سبباً للنصر والوحدة الإثيوبية الجامعة".
ومضى شيخو في حديثه "عندما نزور المتاحف الوطنية ومتحف عدوة الذي يمثل إنجازاً ضخماً نرى في الداخل كل ما يعبر عن إثيوبيا قبيلة وشعباً وثقافة وحضارة وتاريخاً وإنجازاً وطنياً".
وأضاف شيخو "إثيوبيا استلهمت ذكرى عدوة في إنجاز المتحف التذكاري باعتبار أنه يجب على الإثيوبيين استخلاص الدروس والعبر والتوحد والتضحية من أجل البلاد مثل ما فعل الأجداد حينما توحدوا وانتصروا على جيوش الاستعمار... فربط الدعوة للسلام والحوار الوطني بذكرى عدوة واستلهام الوحدة الإثيوبية بإنجاز متحف عدوة التذكاري تذكير بالسيادة الوطنية هو ما يتطلبه الحاضر".
وطالب بكتابة أحداث مثل "العدوة" في المناهج الدراسية كأمر مهم للأجيال الجديدة لمواجهة التحديات الماثلة وبما يساعد على الوحدة ومحاربة العنصرية والتطرف السياسي والإرهاب والقبلية المتعصبة. وأضاف "إذا عمدنا كإثيوبيين، سواء الجهات الرسمية أو الشعبية، أو النخبة من العلماء والمفكرين واتخذنا أحداثنا التاريخية كمرجعية للوحدة والتحرك بروح الوطنية كالذي حدث في انتصار عدوة، أعتقد أننا سنتغلب على التحديات التي تواجهها بلادنا سواء كانت أمنية أو سياسية أو اقتصادية".
ذا بعدين
أما رئيس المعهد الإثيوبي للدبلوماسية الشعبية، يس أحمد، فاعتبر "افتتاح متحف عدوة بهذا الحجم الكبير في العاصمة الإثيوبية يحمل بعدين أولهما ما تعنيه من إرادة تحرر ووحدة إثيوبية، خصوصاً عندما احتشد وتوجه المقاتلون الإثيوبيون من كافة الأقاليم والقوميات نحو أرض المعركة في مدينة عدوة بشمال إثيوبيا ليتحقق بهذه الوحدة وحدة الشعور القومي ضد المستعمر الغازي".
وأضاف "أما البعد الثاني لمتحف عدوة التذكاري كونه تاريخاً جامعاً لكل شعوب أفريقيا تمثله أديس أبابا عاصمة الدبلوماسية الأفريقية والمقر الرئيس للاتحاد الأفريقي في توثيق مسيرة تحررها من الاستعمار الأوروبي".
وأشار آبي أحمد إلى أن "من أهم العوامل في انتصار إثيوبيا على المستعمر الإيطالي نجاح القيادة السياسية آنذاك بزعامة الملك منليك الثاني في توحيد الإثيوبيين كأمة واحدة متحدة تجاه المستعمر، وكذلك بناؤه تحالفات استراتيجية مع بعض القوى الدولية الكبرى كبريطانيا".
وقال "تعتبر معركة عدوة فاصلاً حقيقياً في تغيير التاريخ الأفريقي، إذ كانت بمثابة إلهام للشعوب الأفريقية للتحرر ودافعاً قوياً للوحدة الأفريقية والانعتاق من كافة أنواع الاستعمار".
وعما تمثله عدوة كمعلم إثيوبي، أكد "أنها رسالة للأمة، ينبغي على الأجيال الإثيوبية بخاصة الجيل الحالي، الاستفادة منها، إذ كانت عدوة معلماً وطنياً بارزاً، وفرصة لنبذ الفرقة والعصبية الضيقة إلى فضاء الوطن الجامع الذي يزخر بخيرات متعددة في أمم وشعوب وبيئات جغرافية متنوعة، كل ذلك مما يمثل حافزاً مهماً نحو الاستقلال الحقيقي لبناء الأمة بعد نبذ الفرقة والتشتت".
وختم حديثه بقوله، "المطلوب من كافة الإثيوبيين تحقيق سلام شامل ترفرف راياته لتعم كل أرجاء الوطن، وخلق حوار مفتوح الجوانب يستوعب كل القضايا، فرسالة عدوة للأجيال هي أن يتفرغوا لبناء الوطن الذي ضحى الأجداد لتسليمه لهم موحداً تراباً وشعوباً".