"إن لم تستطع قول الحق، فلا تصفق للباطل" قالها محمد متولي الشعراوي قديما. وفي زمن يصعب على الغالبية فيه إلا مسايرة الباطل أملا في اجتناب شره، يوجد من يأبون إلا مناصرة الحق، حتى لو عنى ذلك سيفا على رقابهم.
عبد الرحيم محمد.. أحد هؤلاء، صدق حبه وأخلص لكل ما انتمى إليه في حياته، فكانت مسيرته ونهايته كفيلين لتخليد اسمه، واليوم نتذكره في ذكرى وفاته الخامسة.
في عام 1986 ظهر أبو العلا البشري. رجل من وحي خيال أسامة أنور عكاشة، قرر ترك الريف الذي قضى فيه حياته والسفر إلى أقاربه بالقاهرة مع خروجه على المعاش، ليعيش في خدمة كل من حوله ولا يصمت أبدا على أي خطأ يراه.
ربما أن أحداث قصة المسلسل المتناسقة مع أفكار تلك الحقبة الزمنية لا تتسق تماما مع وقتنا الحالي، لكنها كانت انعكاسا لأنواع من البشر تواجدوا في تلك الفترة، ومنهم عبد الرحيم محمد.
قبل عام واحد من عرض المسلسل، وبعد 10 سنوات من اللعب للفريق الأول مع الزمالك. فاز فيهم بالدوري والكأس، وقبل عام واحد من اعتزاله أحرز دوري أبطال إفريقيا، عبد الرحيم محمد وفي الـ29 من عمره فقط يقرر الاعتزال، والسبب أنه تزوج، والآن يريد أن يكون انتماءه الجديد لزوجته وعائلته لا لكرة القدم فقط بعد أن أدى واجبه تجاه ناديه.
عبد الرحيم محمد خدم نادي الزمالك منذ كان في الـ12 من عمره عام 1976 إلى الاعتزال في 1985. في 1978 وهو في الـ22 فقط من عمره، سجل هدفا في الجولة الأخيرة بشباك الإسماعيلي، هدف كان كفيل بتحويل درع الدوري من الجزيرة إلى مية عقبة للزمالك بفارق هدف عن الأهلي الذي فاز على غزل المحلة بخماسية.
اعتزل عبد الرحيم وتفرغ لعائلته، لكن سرعان ما عاد لكرة القدم كمدرب في الإمارات، ثم العودة إلى الزمالك ضمن الجهاز الفني لمحمود الجوهري، ليستمر داخل النادي لثمان سنوات حتى عام 1999 يحقق فيهم دوري أبطال إفريقيا كمدرب.
لا يخاف المواجهة
ابتعد عبد الرحيم محمد عن الزمالك، قبل أن يعود في 2014 كمدرب عام مرة أخرى في الجهاز الفني لأحمد حسام "ميدو". فترة سنتحدث عنها لاحقا بشكل أكبر.
استقال عبد الرحيم محمد من منصبه في تدريب الزمالك، لكن الأمر لم يعجب مرتضى منصور رئيس النادي، فشن هجوما لازعا عليه.
وفي وقت أثر فيه غالبية نجوم الزمالك القدامى السكوت، كان عبد الرحيم محمد وحده يخرج ويندد بأسلوب إدارة مرتضى للزمالك وما قد يتسبب فيه من مشاكل للنادي العريق، تماما مثلما كان يفعل أبو العلا البشري.
يقول عبد الرحيم محمد "مرتضى قال أن للكرة المصرية قطب واحد هو الأهلي وليس قطبين، وقال على حلمي زامورا رئيس الزمالك التاريخي أنه (خامورجي) وكان يلعب القمار مع اللاعبين وكل ذلك إهانة لنادي الزمالك".
"لا يجب أن يخاف أي شخص من الرد على مرتضى طالما أنه رجل نظيف، وأقول لمرتضى اتق الله في إدارتك لنادي الزمالك وتعاملك مع جمهور الزمالك".
قرر مرتضى منصور شطب عضوية عبد الرحيم محمد –تماما كما يحدث حاليا مع حازم إمام أسطورة الزمالك- لكن عبد الرحيم لم يصمت وقال "لا يجرؤ أحد على شطب عضويتي في الزمالك أو قطع علاقتي بالنادي الذي تربيت فيه. علاقتي بالنادي أكبر من أي شخص، وقانونا لا يمكن شطب عضويتي إلا في حالات لا تنطبق علي لأنني لا أخطيء أو أسب أي شخص أبدا".
ولم يتوقف الأمر عند محاولات شطب عضوية عبد الرحيم محمد، فحاول مرتضى التأثير على الأندية التي يعمل بها لإقالته. يروي عبد الرحيم "مرتضى منصور يتصل بكل ناد أقوده ليهددهم ويطلب إقالتي من منصبي".
وأوضح "حين كنت مدربا لنادي المنصورة، اتصل بمحمد صابر رئيس النادي المؤقت وهددهم بأنه لن يدفع مبلغ 150 ألف جنيه باقي مستحقاتهم عن صفقة انضمام أحمد توفيق للزمالك إلا إذا أقالوني، وأنه في المقابل سيتكفل بجلب مدرب جديد لهم يساهم في راتبه".
عبد الرحيم محمد أضاف "الرجل رفض هذا الكلام بكل تأكيد وقال له أنه لا يريد باقي مستحقات النادي عن توفيق إن كان هذا هو شرطه".
وواصل "حين كنت مدربا لنادي الترسانة اتصل أيضا بأحمد جبر رئيس النادي وطلب إقالتي، لكنهم تمسكوا بي وكنت متصدرا للدوري في هذا التوقيت".
لاعب الزمالك السابق أكمل "والآن قبل التعاقد مع نادي المريخ البورسعيدي أخبرتهم بما سيحدث مسبقا وأكدوا أنهم لن يسمحوا لأحد بالتدخل في شئونهم".
وأتم "أنت لست ربنا يا مرتضى كي تتدخل في أرزاق الناس، أنت تهين نادي الزمالك والجميع حاليا يستهزئون بنا".
_ _ _
لست أكبر من الزمالك
عمل عبد الرحيم محمد مدربا في قطاع ناشئين الزمالك لفترات طويلة. أخرج ميدو وجمال حمزة للفريق الأول، لكنه لم يستكبر على خدمة النادي يوما، حتى لو كان ذلك كمدرب عام في جهاز يقوده ميدو الذي كان لاعبا تحت يديه في قطاع الناشئين.
يقول ميدو بعد وفاة عبد الرحيم محمد "الكابتن عبد الرحيم محمد كان رمزا للإخلاص والرجولة، عمل في جهاز كابتن الجوهري في أول التسعينيات. فاز ببطولة إفريقيا والسوبر الإفريقي وكان محبا مخلصا للزمالك يعمل بدون مقابل في النادي، عبد الرحيم محمد واحد من المخلصين الذين لن يعوضوا أبدا".
"في بداية حياتي التدريبية ورغم أنه كان مدربي وأنا عمري ١٣ عاما طلبت منه أن يكون مساعدي، فوافق على الفور وقال لي سأفعل كل شيء لأساعدك كي تكون مدربا من أجل الزمالك رغم أنه يكبرني بأكثر من ٣٠ عاما إلا أنه لم يبخل علي من خبرته وعلمه حبا في وفِي الزمالك".
الوفاة مخلصا
بعد الإخلاص لزوجته التي اعتزل لأجلها، وللزمالك الذي خاض المعارك من أجله وقبل العمل في كافة مناصبه، كان عبد الرحيم محمد مخلصا لمصر أيضا لأنها فطرته.
توفى عبد الرحيم محمد مساء الـ25 من يونيو لعام 2018. لم يتحمل الرجل مرارة الهدف الثاني للسعودية في مرمى مصر بالوقت القاتل والخروج من نهائيات كأس العالم خاليين الوفاض، فتعرض لأزمة قلبية عقب الهدف الثاني وأثناء استعداده لتحليل اللقاء عبر إذاعة الشباب والرياضة، لينتقل إلى المستشفى وقد فارق الحياة بالفعل.
التكريم الأبدي
هكذا عاش عبد الرحيم محمد خادما لنادي الزمالك طوال حياته، لكن إدارة الزمالك لم تنع نجمها السابق. تجاهلت خبر الوفاة، لم تخرج الجنازة من مقر النادي كحال الرموز، ولم ينشر الموقع الرسمي خبر الوفاة أو حتى يحضر أعضاء مجلس الإدارة لتقديم العزاء.
وفي ظل التجاهل المتعمد، كان الرد القدري أكبر لتخليد اسم أسطورة الزمالك.
أولا.. استجاب النادي أخيرا في ظل الضغوط الجماهيرية، ونشرت الإدارة نعيا للراحل في الصحف القومية بعد يومين كاملين من وفاته.
وثانيا وبسبب أحداث الوفاة الفريدة التي تثبت مدى تعلقه بكرة القدم، فقد أرسل الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" خطابا رسميا إلى الاتحاد المصري، ينعي فيه وفاة عبد الرحيم محمد. أمر لن يحدث مع رموز عديدة، ولن يحدث مع شخصيات أخرى تظن نفسها أكبر من نادي الزمالك.
اليوم تمر الذكرى الخامسة لوفاة عبد الرحيم محمد. توفى عبد الرحيم محمد ولن تبقى إلا ذكراه. ربما أن نادي الزمالك لم ينع ابنه في وقت وفاته، لكن الحق دائما ينتصر في النهاية، وبعد سنوات من الآن ستمحى أسماء وتبقى أسماء أخرى، ووقتها سيكون عبد الرحيم محمد في مقدمتهم "الرجل الذي أخلص انتماءه لناديه وبلده، فمات مدافعا عنهم".