عبء الحاضر والماضي... تركة الاستعمار العمرانية في الجزئر

منذ 1 سنة 231

بات السير في بعض شوارع الجزائر يثير المخاوف في ظل تساقط أجزاء من شرفات عمارات وبنايات تعود إلى فترة الحكم العثماني والاستعمار الفرنسي، لا سيما مع استمرار هطول الأمطار، وفي حين تمنح السلطات واجهات المدن الأولوية في عمليات الترميم تبقى الأزقة الثانوية تعاني الإهمال.

بين 100 و200 سنة

تشتكي فئات واسعة من المواطنين من سقوط أجزاء من جدران وشرفات بنايات قديمة منتشرة في المدن الكبرى بالخصوص، ولا يقتصر الأمر على المارة، بل وأيضاً على القاطنين الذين يتخوفون من انهيار مساكنهم في أية لحظة، ويزداد الوضع خطورة مع تساقط الأمطار لفترات طويلة، واستمرار الإهمال في عمليات الترميم.

لا تخلو مدينة جزائرية من بنايات تعود للحكم العثماني أو الاستعمار الفرنسي، وهي العمارات والمساكن التي يعود تاريخها إلى 100 و200 سنة للوراء، مما يجعل الحظيرة السكنية هشة في المدن الكبرى بخاصة، على رغم عمليات التجديد التي انطلقت فيها السلطات منذ فترة عبر تشييد وإنجاز عمارات وأحياء سكنية ومدن جديدة.

إرث متهالك

وتشكل البنايات التي تعود إلى الحقبة الفرنسية نواة أغلب المدن الجزائرية الكبرى، ويتجاوز عددها مليوني وحدة سكنية ضمن أكثر من 15 ألف عمارة قديمة تتوزع على المدن الساحلية بشكل خاص وبعض المناطق الداخلية والجنوبية، إذ لا تزال تحتفظ بهويتها الأوروبية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بالمقابل، تختلف الأرقام حول عدد البنايات الموروثة عن الحقبة العثمانية على رغم أنها تمركزت في مدن صغيرة تعرف بـ"القصبة" ولم تنتشر في كل البلاد، وهي حال قصبة العاصمة التي تعيش أوضاعاً صعبة ومقلقة، وفق ما ذكرت مؤسسة "حماية القصبة"، التي أشارت إلى أنه "على السلطات اتخاذ مسؤولياتها لإنقاذ ما تبقى من المراكز التاريخية والمباني، بعد أن أكدت الأمم المتحدة على أن عدد المنازل العثمانية تراجع من 1700 منزل فأكثر بعد الاستقلال إلى نحو 400 فقط.

يقول المهندس المعماري أيمن جولاح، لـ"اندبندنت عربية"، إنه "بات من الضروري الالتفات إلى البنايات المهترئة التي تهدد حياة المواطنين، لا سيما مع الاضطرابات الجوية التي ترافق فصل الشتاء، وهي من بين الأسباب التي تضاعف خطر الانهيارات والتصدعات"، مبرزاً أن "عمليات التهيئة والترميم باتت ضرورية، وهي التي تسير بخطى السلحفاة على مستوى الطرقات والشوارع الرئيسة، وتنعدم مع عمارات الأزقة الثانوية".

IMG-20230129-WA0043.jpg

ويتابع جولاح أن السلطات صادقت على قانون التهيئة والتعمير، وباشرت عمليات مراقبة السكنات والبنايات القديمة، وقد أحصيت أكثر من 15 ألف بناية قديمة، من بينها 220 تتطلب الترميم بطريقة عاجلة أو الهدم بسبب وضعها الخطير، في سبع بلديات من محافظة العاصمة وحدها.

وختم بأنه "لا يجب تركيز الأشغال على إعادة بريق الواجهات فقط، وإنما الاهتمام بالبنية التحتية لأن المنازل هي تراث إنساني أيضاً".

لا تستطيع الصمود

من جانبها، ترى المهندسة المعمارية زكية علوان أن ما يحدث هو إعادة ترميم للموروث الاستعماري وما سبقه من موروث عثماني بأغلفة مالية ثقيلة وبدراسات غير جادة في أغلبها، والدليل أن أغلب الانهيارات سجلت في بنايات خضعت للترميم مرات ومرات واستنزفت ميزانيات ضخمة حتى تفاقم الأمر واستفحل، مضيفة أن مسألة حماية البنايات القديمة والحفاظ عليها تنطلق من الحفاظ على الهوية المعمارية أو الأثر التاريخي.

وقالت إن الجزائر اتبعت نهج الترميم بالمحافظة على الشكل المعماري ذي السمة الأوروبية أو التاريخية ما قبل الاستعمار على حساب هيكل البناء نفسه، وبمرور السنوات أصبح عبثاً ترميم أجزاء انتهت صلاحيتها، وأصبحت تتهاوى بعد تجاوزها العمر الافتراضي بسنوات مما يستحيل معه الترميم ويستدعي الإزالة وإعادة الإعمار.

وتابعت علوان أن "من مساوئ سياسة ترميم البنايات القديمة في الجزائر إبقاءها على المباني وهياكلها المتآكلة بالبنى التحتية نفسها مثل قنوات صرف المياه وغيرها، ومع مرور الوقت وتوسع المدن أصبحت هذه البنى عاجزة عن الاستيعاب، إضافة إلى عدم تكيفها مع مستجدات العصر، موضحة أن هناك تراخياً في تطبيق القانون، وتعطيلاً لمهمات شرطة العمران، وتغليباً للجانب السياسي، وضعفاً في التنسيق بين المصالح، مما يؤدي غالباً إلى الفوضى.

واقترحت اتخاذ تدابير وقرارات جادة بخصوص النسيج العمراني القديم، وتوظيف كل الإمكانات والإطارات من أجل حصر المباني الضعيفة، وإجراء خبرات جادة، والعمل على إزالة المباني المعمرة التي لم تعد تستطيع الصمود، وتقديم برامج دعم مشروطة بالتنفيذ والعقود مع المؤسسات المعنية، وفتح المجال للاستثمار والتنوع المعماري.