مر عام كامل على الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة بدولة فلسطين الشقيقة، عام من عمليات الخراب والتدمير والقتل وجرائم الحرب والإبادة الجماعية التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني الأعزل في غزة؛ وسط صمت مريب وتخاذل وتواطؤ من المجتمع الدولي، فمنذ طوفان الأقصى في 7 أكتوبر من العام الماضي وإسرائيل لم تتوقف عن تجريف قطاع غزة وتجويع الفلسطينيين حتى أصبح غير مؤهل للحياة.
ورغم مرور عام كامل على الحرب الإسرائيلية على غزة، إلا أن مصر لا زالت تواصل كل جهودها الممكنة لدعم القضية الفلسطينية والتصدي لمخطط تصفيتها ودفع المفاوضات من أجل وقف إطلاق النار، وإدخال المساعدات الإنسانية والإغاثية للأشقاء، فموقف مصر راسخ وثابت من دعم ومناصرة القضية الفلسطينية على مدار عقود طويلة، حيث ضحت كثيراً وقدمت شهداء في سبيل دعم القضية، لتظل القضية الفلسطينية هى القضية الأم والأولى والأهم لدى الدولة المصرية والوطن العربي بشكل عام.
إن الدولة المصرية بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي بذلت جهودا ضخمة لوقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة والتي اندلعت في السابع من أكتوبر الماضي، حيث تحركت الدولة المصرية على عدة مستويات، فقد تحركت سياسيا ودبلوماسيا للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في القطاع، وإنسانيا لإنفاذ المساعدات الإنسانية إلى جميع أنحاء القطاع بالكميات التي تسمح بالوفاء باحتياجات أهالي غزة الذين يواجهون مجاعة بسبب جرائم الاحتلال وحصارهم، فضلا عن اتباع المسارات القانونية من أجل معاقبة إسرائيل على ما تقوم به من جرائم ضد الإنسانية.
ويعد الموقف المصري الأكثر شرفًا واتساقًا في التعامل مع القضية الفلسطينية كقضية مركزية للأمة العربية، بدءًا من دعم حقوق الشعب الفلسطيني التاريخية على مدار عقود وحتى اليوم؛ لتؤكد بذلك القيادة السياسية الثوابت التاريخية المصرية في أنها الحارس الأول لهذه القضية، كما أنها لن تسمح بتصفيتها بدون حل عادل يحفظ لهذا الشعب حقوقه التاريخية.
ولا تزال مصر في صدارة الجهود الإقليمية والدولية الدافعة نحو تنفيذ وقف فوري ودائم لإطلاق النار، وصد كافة المحاولات الإسرائيلية الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية، فتمثل الجهود المصرية الراهنة المستمرة من 7 أكتوبر الماضي، امتدادًا لدورها التاريخي إزاء قضية العرب الأولى، حيث ظلت القضية على رأس أولويات اهتمام القيادة المصرية، وتقوم بتذكير العالم بأن دماء الفلسطينيين لا تزال تنزف مع دخول الحرب الإسرائيلية ضد قطاع غزة عامها الأول، فمصر على مدار عام كامل من الحرب، لم تدخر جهداً أو طريقاً إلا وسلكته لوقف العدوان الإسرائيلي الذي أسفر عن سقوط عشرات الآلاف من الشهداء والمصابين المدنيين الفلسطينيين، معظمهم من النساء والأطفال، في تحدٍ واضح للمجتمع الدولي وانتهاك صارخ لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني والمواثيق والاتفاقيات الدولية.
إن مصر وقفت سداً منيعاً وحائط صد قوي ضد مخطط تهجير الفلسطينيين من غزة إلى سيناء وتصفية القضية الفلسطينية، وخاضت جهود وساطة ومفاوضات لوقف إطلاق النار، وقدمت مساعدات إنسانية وإغاثية لأهالي غزة، والقاهرة قدمت نحو 80% من المساعدات الإغاثية التي نفذت إلى القطاع، وفتحت مستشفياتها للمصابين والمرضى من أهلنا في القطاع، ونظمت زيارات إلى الحدود مع غزة لمئات المسئولين الدوليين للوقوف بأنفسهم على الأوضاع الكارثية التي يعيشها سكان غزة وما تقوم به إسرائيل من جرائم إبادة جماعية وتجويع لأهالي غزة، وفضحت الانتهاكات والجرائم الإسرائيلية أمام العالم.
كما أن مصر انضمت إلى دعوى دولة جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية لإدانة إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية، وقدمت مذكرة توثق تاريخ إسرائيل الدموي وجرائم الاحتلال في غزة من قتل وتجويع وتعطيش للمدنيين وقتل الأطفال والنساء والشيوخ من أهالي غزة، وأيضاً نظمت مصر مؤتمر القاهرة الدولي للسلام وجمعت فيه القوى العربية والدولية لحشد الرأي العام العالمي للتضامن مع القضية الفلسطينية ودعمها، وكذلك شاركت مصر في كافة الفعاليات المتعلقة بجهود وقف الحرب، وساعدت مختلف دول العالم على إجلاء مواطنيها عبر معبر رفح، ولا تزال تقف بالمرصاد أمام محاولات احتلال القطاع برفضها القاطع لتواجد الجيش الإسرائيلي في محور فيلادلفيا ومعبر رفح من الجانب الفلسطيني تأكيداً على أن تلك الحدود هى حدود مصرية فلسطينية خالصة.
ومصر تقوم بدور مهم وتدفع الجهود نحو الاعتراف المباشر بالدولة الفلسطينية المستقلة، فاضطلعت بمسئوليتها التاريخية والجغرافية والإنسانية والأخلاقية تجاه أهل قطاع غزة، كما حملت ولا تزال تحمل القضية الفلسطينية في كافة المحافل الدولية وتضعها على رأس قائمة قضاياها وأولوياتها، ونجحت بالتعاون والتنسيق مع الدول العربية والإسلامية وعدد من البلدان الأخرى في فضح الانتهاكات وجرائم الحرب والإبادة الجماعية التي ارتكبتها دولة الاحتلال الإسرائيلي خلال عدوانها على القطاع، ما أثمر عن تغيير مواقف العديد من بلدان العالم إلى المطالبة بوقف فوري لإطلاق النار والتأكيد على حل الدولتين.
تلك الجهود تكللت أيضاً باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً يطالب بأن تنهي إسرائيل وجودها غير القانوني في الأرض الفلسطينية المحتلة خلال 12 شهرًا، بأغلبية 124 عضوًا، بناء على فتوى طلبتها الجمعية العامة من محكمة العدل الدولية بشأن الآثار القانونية لسياسات إسرائيل وممارستها في فلسطين، وكذلك تأييد غالبية أعضاء الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار في غزة، ودائما يكون لجهود مصر الدبلوماسية والقانونية والسياسية دوراً كبيراً في دعم القضية الفلسطينية على المستوى الدولي بالتعاون مع الدول الأخرى.
إن مصر وقفت مع أهل غزة منذ بدء العدوان الإسرائيلي، وما زالت تتصدى لمخطط التهجير القسري للفلسطينيين الهادف إلى ترحيل وطرد السكان من أرضهم التاريخية لإنهاء حقهم في المطالبة بدولتهم المستقلة، كما لعبت دوراً محورياً في جهود الوساطة بين حماس وإسرائيل من أجل وقف إطلاق النار، كما أن مصر تتحدث بكافة المحافل الدولية عن الحاجة الملحة لإنهاء الحرب وفتح الطريق أمام المساعدات الإنسانية، كما تطالب بحق شعب فلسطين في إقامة دولته المستقلة ذات الحدود الجغرافية المتصلة في الضفة الغربية وغزة والقدس وعاصمتها القدس الشرقية، وأن يتم حل القضية على أساس حل الدولتين، فضلاً عن إدانتها لتخاذل المجتمع الدولي واتباعه لسياسة ازدواجية المعايير.
وبعد مرور عام كامل على الحرب واستمرار نزيف دماء الفلسطينيين، فإن مصر لم ولن تدخر جهداً لدعم ومناصرة القضية الفلسطينية، وتسعى إلى حقن الدماء ووقف إطلاق النار حتى لا تتفاقم الأوضاع واتساع رقعة الصراع في المنطقة، ولا زالت دولة الاحتلال الإسرائيلي تواصل جرائمها ضد الإنسانية وتعرقل دخول المساعدات وتعطل جهود مفاوضات وقف إطلاق النار بل تريد اشتعال المنطقة التي أصبحت ملتهبة مع اتساع رقعة الصراع وتصاعد الأحداث في لبنان بسبب العدوان الإسرائيلي.
إن الدولة المصرية ستستمر في جهودها ومساعيها السياسية والدبلوماسية، بالتعاون مع كل الأطراف المعنية، سواء الدول العربية أو الدول الأوروبية الداعمة لحل الدولتين، حتى يتم وقف الحرب وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ليعم السلام منطقتنا، ولن تسمح بتصفية القضية الفلسطينية.