يؤكد ميلتون بيريرا أن "الحياة أصعب مما كانت عليه العام الماضي" عندما كان السريلانكيون يحتفلون بإطاحة رئيسهم، متسائلًا حتى اليوم ما إذا كانت عائلته ستتمكن من تناول طعام في اليوم التالي.
وقبل فراره على عجل العام الماضي، حمل السريلانكيون غوتابايا راجاباكسا مسؤولية أسوأ أزمة اقتصادية تشهدها الجزيرة الواقعة في جنوب آسيا منذ استقلالها عام 1948.
وبعد ذلك، واجه السكان نقصًا حادًا في المواد الغذائية والوقود وانقطاعا في التيار الكهربائي وتضخمًا جامحًا. لكن بعد مرور عام، يكافح ميلتون بيريرا (75 عاما) المحاسب المتقاعد والملايين من مواطنيه لتأمين لقمة العيش.
وقال لوكالة فرانس برس "العام الماضي، كنا نملك النقود لكن لم تكن لدينا ممتلكات. اليوم لدينا ممتلكات لكن ليس لدينا أموال". وكان الرجل يتحدث في مسكنه الشعبي المتداعي القريب من الشاطئ الذي انطلق منه المتظاهرون قبل عام في مسيرة إلى القصر الرئاسي ما أفضى إلى سقوط راجاباكسا ونفيه.
وألحقت المياه أضرارًا بمنزله في حي سلايف آيلاند (حي العبيد) الشعبي حيث كان البرتغاليون يودعون العبيد الأفارقة في هذا الحي خلال الفترة الاستعمارية. ولا تأتي السلطات البلدية إلى الحي بسبب نقص صيانة الممتلكات.
ويتنقل بيريرا بخديه الغائرين وأوردته المنتفخة على أطرافه الهزيلة، ببطء وهو يتنفس بصعوبة بسبب الربو المزمن الذي يعانيه.
وقبل الأزمة، كانت المستشفيات العامة توفر له الأدوية الأساسية مجانًا. لكن قبل شهرين، ألغيت المساعدات الاجتماعية التي كانت تقدم له ولم يعد قادرًا على تحمل كلفة جهاز الاستنشاق لمعالجة أعراض مرضه.
وقالت زوجته بوشبالاثا إن "جهاز الاستنشاق يكلف 2500 روبية (28 يورو)" وبات يتعين "شراء" الأدوية من الصيدلية.
وتضاعفت فواتير المياه والكهرباء أيضًا مع إلغاء الدعم الحكومي للخدمات العامة.
وقبل عام وخلال زيارة أولى لوكالة فرانس برس إلى المنزل، كان الزوجان وطفلاهما والعائلة الأوسع يفوّتون وجبات طعام بانتظام. وبعد عام، امتلأت المتاجر الكبرى مجددًا بالسلع الأساسية لكن عائلة بيريرا لا تستطيع شراءها.
وبينما يتشارك الزوجان طبقًا من الأرز والعدس، قالت بوشبالاثا (69 عامًا) بحزن "لا يمكننا شراء اللحوم والأسماك والبيض. إنها باهظة الثمن".
"لن تموت جوعا"
وأمام محطات الوقود تصطف سيارات على امتداد أميال ويمضي سائقو السيارات أيامًا بانتظار ملء خزاناتهم -- وقد مات كثر منهم.
كما لم يكن لدى العائلات غاز لطهو طعامها والزراعة متوقفة بسبب نقص الأسمدة.
وبلغت أشهر من التظاهرات الغاضبة ذروتها في التاسع من تموز/ يوليو باقتحام القصر الرئاسي ونفي راجاباكسا.
وتفاوض خلفه رانيل ويكريميسينغي على حزمة إنقاذ بقيمة 2,9 مليار دولار مع صندوق النقد الدولي في آذار/ مارس مقابل نظام تقشف قاسٍ لتغطية الديون.
واعترف في شباط/ فبراير بأن "عددًا" من قراراته كانت "غير شعبية". لكنه قال متوجهًا إلى الشعب إنه بفضل هذه القرارات "لن يموت أي مواطن في هذا البلد من الجفاف في طوابير البنزين. ولن تجوع بدون غاز أو سماد".
سبعة ملايين تحت خط الفقر
لكن أربعة ملايين سريلانكي إضافي أصبحوا تحت خط الفقر منذ بدء الأزمة، بحسب داناناث فرناندو مدير معهد أدفوكاتا.
وقال لوكالة فرانس برس إن "هذا يعني ان حوالي سبعة ملايين من سكان البلاد البالغ عددهم 22 مليونًا يكسبون أقل من 14 ألف روبية (42 يورو) في الشهر". وبين هؤلاء حوالي أربعة ملايين لا يملكون وسائل الحصول على غذاء مناسب كما ورد في تقرير للأمم المتحدة في حزيران/يونيو.
إذا لم تثمر تدابير التقشف حاليًا، فإن الجزيرة قد تشهد عودة إلى الاضطرابات الاجتماعية.
ورأى الخبير نفسه أنه "إذا فشلنا في إعادة سريلانكا إلى طريق النمو، فأنا لا أستبعد ذلك إطلاقًا".