طيور البوم تنقذ محاصيل المزارعين في المنطقة العازلة بين شطرَي قبرص

منذ 1 سنة 125

تتميز هذه الطيور الجارحة التي يبلغ حجمها نحو 30 سنتيمترا بحجاب وجهها الذي يشبه القلب وريشها الأبيض الحليبي وشهيتها الكبيرة التي تجعلها تلتهم سنوياً ما يصل إلى خمسة آلاف من الجرذان والفئران.

لم يعد للقوارض أثر بين سنابل القمح في المنطقة العازلة بين شطرَي قبرص، مع أنها كانت قبل عشر سنوات تفتك بالمحاصيل هناك، على ما يلاحظ كريستودولوس كريستودولو في حقله.

يعود الفضل في القضاء على هذه الحيوانات إلى بومة الحظيرة التي باتت أفضل صديق للمزارعين في هذا الجزء من الجزيرة المتوسطية.

ويروي المزارع أن بلدته دينيا في غرب قبرص "كانت تعجّ بالجرذان والفئران التي كانت تأكل المحاصيل وتقضم إطارات" المركبات، قبل أن يضع المزارعون "هذه الصناديق للبوم".

ففي دينيا، وهي من البلدات القليلة التي لا تزال مأهولة في المنطقة المنزوعة السلاح بين شطري قبرص المقسّمة منذ عام 1974، نُشر فوق جذوع الأشجار، على ارتفاع نحو ثلاثة أمتار عن الأرض، خمسون صندوقاً من الخشب الفاتح اللون، لكل واحد منها فتحة دائرية صغيرة.

ويندرج نشر هذا الصناديق ضمن مشروع نموذجي لمبادرة تنفذها منذ عشر سنوات منظمة "بيردلايف سايبروس" والحكومة القبرصية اليونانية، وباتت بلدة دينيا بنتيجته تضمّ ما بين 20 و50 من بوم الحظائر وفراخها.

وتتميز هذه الطيور الجارحة التي يبلغ حجمها نحو 30 سنتيمترا بحجاب وجهها الذي يشبه القلب وريشها الأبيض الحليبي وشهيتها الكبيرة التي تجعلها تلتهم سنوياً ما يصل إلى خمسة آلاف من الجرذان والفئران.

وتكثّر هذه القوارض في المنطقة الفاصلة بين شطري قبرص نظراً لغياب النشاط البشري فيها، فتفتك بمحاصيل المزارعين الذين كانوا لمدة طويلة يكافحونها بواسطة مواد مسمِمة تقتلها لكنها تتسبب بضرر كبير للبيئة والصحة.

ويشرح مسؤول حكومي، أن البعض كانوا يستخدمون منتجات محظورة في الاتحاد الأوروبي يحصلون عليها مهرّبة من الشطر الشمالي من قبرص الذي تحتله تركيا.

وبالتالي، ثمة هدفان لمشروع إعادة نشر بوم الحظائر، على ما يوضح مدير "بيردلايف سايبروس" مارتن هيليكار، أولهما تشجيع المزارعين على الامتناع عن استخدام الأدوية المسمِمة للفئران، والثاني إحياء أعداد بوم الحظائر في قبرص في وقت تشهد تناقصاً في كل أنحاء أوروبا.

ويصف كريستودولوس طيور البوم بأنها "معجزة!"، مؤكداً أن لها تأثيراً "شديداً" على القوارض.

وبات في إمكان كريستودولوس وسواه من مزارعي دينيا، أن يعتمدوا الزراعة العضوية بعدما كانوا يرشون مزروعاتهم بالأدوية المسممة للفئران.

ويلخّص رئيس البلدية كريستاكيس بانايوتو واقع الحال بقوله إن العثور على قوارض في القرية "بات اليوم يحتاج إلى بحث يستغرق أسبوعاً"، بفضل اليوم.

أما هيليكار الذي تمتلك منظمته غير الحكومية 1300 صندوق في قبرص، فيعزو النجاح إلى كون "المزارعين أصبحوا متعلقين ببوم الحظائر وأعادوا تعزيز ارتباطهم بالطبيعة".

تَسمُم ودهس

وفي نقاط أخرى من المنطقة المنزوعة السلاح تقع أكثر إلى الغرب، نُشرت صناديق أخرى بالتعاون مع الأمم المتحدة، ولكن في قرى ليس فيها أي وجود بشري، إذ هجرها سكانها منذ أن احتلت تركيا شمالها عام 1974 ردًا على انقلاب لقبارصة يونانيين قوميين أرادوا إلحاق الجزيرة باليونان.

وعلى مقربة من أبراج المراقبة، وأمام أنظار عناصر الأمم المتحدة، يُخرج حارس الغابات نيكوس كاسينيس بقفازاته فرخي بومتين من الصندوق، ويضع لكل منهما حلقة تعريف.

ففي كل عام، تنفق أكثر من 20 بومة، يتبين من تشريح جيفها أنها قضت بطريقة غير مباشرة بفعل تسممها من أدوية مكافحة الفئران.

ويشرح كاسينيس أن هذه المواد المسمِمة "تضعف قدرة البوم على الطيران فتدهسها السيارات"، وهذا ما لا يمكن أن يحصل في المنطقة العازلة المهجورة.

"لا مثيل لها"

يشدد هيليكار على أن "الأنواع تزدهر في هذه المنطقة بعيداً عن البشر". ويرى أن "هذا المكان يجب أن يُحوّل محمية طبيعية عند التوصل إلى حل للنزاع" القبرصي.

وتلاحظ العالمة إيريس خارالامبيدو، أن المنطقة العازلة بيئة "استثنائية". فهي "مساحة كبيرة جداً غير مجزأة" و"لا مثيل لها" في الجزيرة الذي تشهد نشاطاً محموماً في قطاع التطوير العقاري.

وبإذن من الأمم المتحدة، تأتي المرأة القبرصية اليونانية أحياناً إلى المنطقة برفقة زميلها القبرصي التركي صالح غوجل.

وترى أن "التمكّن من العمل معاً" ومراقبة بوم الحظائر في المنطقة العازلة التي تفصل بين الشطرين "أمر ثمين".

ففي رأيها أن "أي طائر لن يحترم يوماً الحدود التي رسمها الإنسان".