برّرت إيران قصفها للجماعات الكردية الإيرانية المعارضة في كردستان العراق بالتشديد في رسالة إلى مجلس الأمن الدولي على عدم وجود "خيار آخر" لديها لحماية نفسها من "جماعات إرهابية".
وشنّ الحرس الثوري الإيراني ضربات صاروخية وهجمات بمسيّرات مفخّخة على مواقع تابعة للمعارضة الإيرانية الكردية، المتمركزة منذ عقود في كردستان العراق، الإقليم المتمتع بحكم ذاتي في شمال البلاد.
وجاء في رسالة للبعثة الدبلوماسية الإيرانية الدائمة لدى الأمم المتحدة في نيويورك أوردتها وكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء "إرنا" أن إيران "قامت مؤخرا بعمليات عسكرية وضرورية ضد الزمر الارهابية المتمركزة في إقليم كردستان العراق حيث استهدفت بتخطيط دقيق مواقع الإرهابيين".
"تأجيج الاحتجاجات"
وتابعت "في هذا الوضع لم يبق أمام إيران خيار سوى استخدام حقها المبدئي في الدفاع عن نفسها في إطار القانون الدولي من أجل حماية أمنها القومي والدفاع عن شعبها".
وتتّهم إيران هذه المجموعات بشن هجمات على أراضيها بالتسلل انطلاقا من العراق، وكذلك بتأجيج الاحتجاجات، التي تشهدها الجمهورية الإسلامية منذ وفاة الشابة مهسا أميني في الـ 16 أيلول/سبتمبر.
وتابعت البعثة الإيرانية في رسالتها "كثفت هذه الجماعات مؤخرا من أنشطتها ونقلت بشكل غير قانوني كميات كبيرة من الأسلحة إلى إيران لتسليح الجماعات التابعة لها التي تنوي القيام بعمليات إرهابية". وشدّدت البعثة على أن هذه الجماعات "تستغل أراضي العراق لتخطيط ودعم وتنظيم وتنفيذ أعمال تخريبية وإرهابية ضد إيران".
وأشارت الرسالة إلى أن إيران طلبت "تسليم الأشخاص الذين ارتكبوا جرائم إرهابية لمحاكمتهم في المحاكم الإيرانية"، كما طلبت "إغلاق مقار هذه الجماعات الإرهابية ومعسكراتها التدريبية ونزع سلاح عناصرها".
إلى ذلك أكدت البعثة "ضرورة وجود القوات العسكرية العراقية على الحدود الدولية للبلدين"، وشدّدت على أن طهران "تحترم بالكامل أمن العراق واستقراره وتؤكد مرة أخرى التزامها بسلامة أراضي جمهورية العراق ووحدتها وسيادتها".
والأربعاء أعلنت بغداد قرارها "وضع خطة لإعادة نشر قوات الحدود العراقية لمسك الخط الصفري على طول الحدود مع إيران وتركيا" التي قصفت بدورها مجموعات تركية معارضة في كردستان العراق وسوريا.
من جهته قرّر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتّحدة الخميس فتح تحقيق دولي حول القمع الدامي للاحتجاجات التي تشهدها إيران والتي أشعلتها وفاة الشابة مهسا أميني في إيران، وذلك بهدف جمع أدلّة حول الانتهاكات التي ارتكبت تمهيداً لملاحقة محتملة للمسؤولين عنها.
وبينما كان أعضاء المجلس مجتمعين في جنيف في اجتماع طارئ لبحث الملف الإيراني، أعلنت وكالة "فارس" الإيرانية للأنباء أنّ السلطات في الجمهورية الإسلامية أوقفت لاعب كرة القدم الشهير فوريا غفوري بتهمة "إهانة وتشويه سمعة المنتخب الوطني والانخراط في الدعاية" ضدّ الدولة.
ومشروع قرار إرسال لجنة تحقيق إلى إيران للنظر في كلّ الانتهاكات المرتبطة بقمع الاحتجاجات في هذا البلد قدّمته ألمانيا وإيسلندا وقد أقرّ بتأييد 25 دولة عضواً واعتراض ستّ دول (أرمينيا والصين وكوبا وإريتريا وباكستان وفنزويلا) وامتناع 16 دولة عن التصويت من بينها خصوصاً قطر.
"لا يُحتمل"
وخلال مناقشة مشروع القرار التي استغرقت النهار بطوله، أطلق المفوّض السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك الذي لم يلقَ بعد ردّاً من طهران على طلبه زيارتها، نداء إلى الجمهورية الإسلامية ناشدها فيه "وقف الاستخدام غير المفيد وغير المتكافئ للقوة" ضدّ المتظاهرين وقال تورك "الوضع الراهن لا يحتمل"، قبل أن يشدّد على مسامع الصحفيين على "ضرورة أن تستمع الحكومة إلى الشعب وأن تنصت إلى ما يقول وتنخرط في عملية إصلاحية لأن التغيير حتمي".
بدورهم ندّد العديد من الدبلوماسيين الغربيين بالقمع الدامي للاحتجاجات في إيران حيث أدّى قمع التظاهرات إلى مقتل ما لا يقلّ عن 416 شخصاً، بينهم 51 طفلاً، وفقاً لمنظمة حقوق الإنسان في إيران التي تتّخذ في أوسلو مقراً.
وعقدت الجلسة على وقع الاحتجاجات التي أشعلتها وفاة الشابة مهسا أميني البالغة 22 عاماً بعد أيام من توقيفها لانتهاكها قواعد اللباس في البلاد. وسرعان ما تحولت التظاهرات مع الوقت احتجاجات ضدّ السلطة، غير مسبوقة بحجمها وطبيعتها منذ الثورة الإسلامية عام 1979. وقال تورك إنّ نحو 14 ألف متظاهر سلمي اوقفوا، مما يشكّل "رقماً صادماً". وأصدر القضاء الايراني حتى الآن ستة أحكام بالإعدام على صلة بالتظاهرات.
وخلال الجلسة قالت السفيرة الأميركية ميشيل تيلور إنّ "الشعب الإيراني يطالب بشيء بسيط للغاية، وهو أمر يعتبره معظمنا مفروغاً منه: القدرة على التحدّث وعلى أن يُسمع"، وذلك فيما كان أعضاء في الوفد الأميركي يلوّحون بصور وأسماء لضحايا القمع.
"مرأة، حياة، حرية"
أما السفيرة الفرنسية إيمانويل لاشوسيه فقالت "مرأة، حياة، حرية. بهذا الشعار البسيط والقويّ تذكّر الإيرانيات، ويذكّر الإيرانيون منذ أكثر من شهرين بالقيم التي يدافعون عنها".
وإثر التصويت قالت البعثة الفرنسية في المجلس في تغريدة على تويتر إنّ "شجاعة المتظاهرين وتصميمهم يلزماننا" التصويت لمصلحة قرار تشكيل لجنة التحقيق، مرحّبة بنتيجة التصويت.
بدورها، رحّبت منظمة العفو الدولية بـ "قرار تاريخي"، معتبرة أنّه يمثّل "خطوة مهمّة نحو إنهاء الإفلات من العقاب!"، فيما قالت لوسي مكيرنان المسؤولة في منظمة "هيومن رايتس ووتش" إنّ قرار المجلس "خطوة مرحّب بها".
وقبيل صدور القرار قالت وزير الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك للصحفيين إنّ "هذا القرار، إذا تمّ إمراره، يعني الكثير. لا نعرف ما إذا كان... يمكن أن ينقذ الأرواح غداً. لكن ما نعرفه على وجه اليقين هو أنه سيعني العدالة، العدالة للشعب".
والهدف من تشكيل بعثة التحقيق الدولية المستقلة هذه هو جمع أدلة على الانتهاكات والحفاظ عليها بهدف استخدامها في ملاحقات محتملة. لكن من رابع المستحيلات أن تسمح الجمهورية الإسلامية لهذه البعثة بدخول أراضيها.
في المقابل، انتقدت معاونة نائبة الرئيس الإيراني لشؤون المرأة والأسرة خديجة كريمي أمام المجلس في جنيف، الدول الغربية، معتبرة أنها تفتقر إلى "الصدقية الأخلاقية". ونددت بالعقوبات الأميركية والأوروبية على بلدها.
وتقول طهران إنّ هذه الاحتجاجات لا تعدو كونها "أعمال شغب"، متّهمة الدول الغربية خصوصاً بالوقوف خلف هذه الحركة لزعزعة استقرار الجمهورية الإسلامية.
وأكّدت السفيرة الإيرانية في فنلندا فوروزانده فادياتي التي شاركت في الجلسة أنّ "مستوى العنف الشديد" من قبل "مشاغبين ضدّ المواطنين ورجال إنفاذ القانون لا يوصف".
وكما كان متوقعاً، أعلنت الصين وفنزويلا وكوبا دعمها لإيران، اذ دعا السفير الصيني شين شو خلال الجلسة إلى "الحوار والتعاون... لتعزيز وحماية حقوق الإنسان".