♦ الملخص:
امرأة متزوجة للمرة الثانية، أصابتها الغيرة من طليقة زوجها؛ لأنها تريد أن تعود إلى زوجها، فأصبحت تكرهه، وتسأل: ما الحل؟
♦ التفاصيل:
أنا سيدة متزوجة منذ سنة، زواجي للمرة الثانية بعد طلاقي من زوجي الذي عشت معه ثمانيَ سنوات، واكتشفت كذبه، إضافة إلى العقم التام، فتزوجت من رجل مطلق امرأة روسية، ولديه بنتان منها، بعد الزواج كان زوجي لا مثيل له، ولكن طليقته عكرت صفو حياتنا؛ إذ لم تستوعب فكرة زواجه، تحاول بكل الطرق التفريق بيننا، وزرع الشكِّ في قلبي، كانت على تواصل دائم معه، وبعد مدة قامت الخلافات بيني وبينه بسببها، وأجهضت طفلي الأول بعد مدة، وَعَدَني ألَّا يكلمها إلا بخصوص أطفاله، هي تعيش في بلد آخر، ولكن عند زيارتنا لبلدها لرؤية الأطفال، قامت بشتمي، والتهجم عليَّ، فقام زوجي برفع دعوة للمحكمة وحظرها، فحرمته من أطفاله، وأصرت أن يكون التواصل إجباريًّا؛ حتى يتمكن من التحدث إلى الأولاد، وهذا ما نفعله، فقام زوجي بإحضار هاتف وضعه في المنزل، وهو يتحدث مع أطفاله مرتين في الأسبوع، المشكلة أنها ما تزال ترسل له رسائل، وتطلب منه محادثتها، وتطلب منه العودة، وقد دخل الشك إلى قلبي، فأنا دائمة التفكير بها، وأصبحت لا أثق في زوجي، وأكرهه، أنا حامل في شهري الثالث، بعد أن وصفتني بالعقيم، لكن الله عوَّضني خيرًا، أتعمد قهرها، فأقوم بوضع الصور الخاصة لها على الواتس، أنا متعبة جدًّا، ولا أشعر بالأمان، ولا أخرج من البيت إذا كان زوجي موجودًا فيه؛ شكًّا به، فماذا أفعل؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:
فملخص مشكلتكِ هو:
١- يبدو أن عندكِ غيرةً شديدة من اتصالات زوجكِ بزوجته السابقة، وهذه الاتصالات لها أسباب وجيهة؛ وهي متابعته لأمور أطفاله، واطمئنانه عليهم.
٢- وهذه الغيرة الشديدة ولَّدت عندكِ شكوكًا في احتمال عودة زوجكِ لزوجته السابقة، خاصة مع مطالبتها له بعودته لها.
٣- وذكرتِ أنها تكرهكِ وشتمتكِ، وهذا متوقع منها، لكن السؤال: لماذا قابلتِها؟ كان ينبغي ألا تقابليها.
٤- ذكرتِ أنها سبَّبت مشاكل بينكِ وبين زوجكِ، وقامت خلافات بينكما بسببها.
٥- تقولين أنكِ أصبحت لا تثقين بزوجكِ، وتكرهينه؛ لأنه كان زوجًا لها!
٦- وتعمدتِ أذيَّتها بوضع الصور الخاصة لها على الواتس.
٧- وتقولين أنكِ متعبة، ولا تشعرين بالأمان مع زوجكِ، وتشكين فيه.
فأقول مستعينًا بالله سبحانه:
أولًا: يبدو واضحًا جدًّا أن مشكلتكِ الأساسية هي غيرتكِ الشديدة من تواصل زوجكِ مع طليقته؛ للاطمئنان على أطفاله، وزاد من حدة هذه الغيرة مطالبة طليقته له بالعودة لها؛ ولذا أقول لكِ صراحة: ما أنتِ عليه من غيرة شديدة وما تبعها من تصرفات غير سليمة منكِ، ومن كُرْهٍ لزوجكِ، وشكِّك فيه - كلها ما كان لها أي داعٍ أبدًا، ولن تثمر إلا علقمًا ونكدًا لكِ، ولزوجكِ، وربما بسبب تصرفاتكِ الطائشة حنَّ فعلًا لطليقته، ورآها أفضل منكِ؛ فاحذري، ثم احذري الاستمرار في سلوكياتكِ الخاطئة، والاستمرار عليها سيدمر حياتكِ، ولن تظفري إلا بخفَّي حُنين.
ثانيًا: المرأة العاقلة تجتهد في احتواء زوجها، وفي إدخال السرور والسعادة إلى قلبه؛ حتى يراها ملكة جمالًا وخلقًا، ويجد معها السكن والمودة والاستعفاف، وبهذا كله تكسب قلبه، فلا يبقى فيه مكان لأي امرأة، مهما كانت؛ قال سبحانه: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21].
ثالثًا: كرهكِ لزوجكِ وشكوككِ فيه ما هي إلا حيل شيطانية لزرع الشقاق والتفريق بينكما؛ فاستعيذي بالله من شر هذه الوساوس، وتأملي كثيرًا الحديث الآتي: عن جابر رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم))؛ [صحيح، رواه مسلم].
وهذه مهمة أصلية للشيطان؛ وهي التحريش بين المؤمنين، وخاصة الأزواج.
رابعًا: اعلمي - وفقكِ الله - أن مسألة احتمال عودته لطليقته تبدو ضعيفة جدًّا، ولكن الشيطان بوسوسته لكِ يقويها حتى تبدو حقًّا؛ وهنا قوله سبحانه:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحجرات: 12].
خامسًا: مشكلتكِ في أساسها مبنية على سوء الظن، وهو أمر منهي عنه شرعًا، والاستمرار عليه يدمر الحياة الزوجية؛ وتأملي الحديث الآتي: عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث...))؛ [متفق عليه].
سادسًا: الظنون والشكوك لا تصلح أبدًا لبناء قرارات مصيرية عليها، ومصير مَن يعتمد عليها هو دمار حياته الزوجية.
سابعًا: لا يجوز لكِ مقابلة إساءتها بإساءة مثلها، أو أشد منها، إذًا ماذا تفعلين؟
تفعلين الآتي:
١- أن تعفي وتصفحي وتنسي أذاها، وتدعي الله بصرف أذاها عنكِ؛ فالله سبحانه مدح من يعفون؛ فقال عز وجل: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴾ [آل عمران: 133 - 136].
٢- أن تكثري من الاستغفار؛ فقد تكون تسلطت عليكِ بسبب معاصٍ ارتكبتِها، ولم تأبهي لها؛ قال سبحانه: ﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آل عمران: 165].
٣- أن تكثري من الاسترجاع، تأملي في قصة أم سلمة رضي الله عنها لما توفي زوجها، واسترجعت، أخلف لها خيرًا منه؛ رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها.
ثامنًا: بدلًا من الاستسلام للظنون الشيطانية، أحسني الظن بالله سبحانه، ثم بزوجكِ، وتذكري أنه إن كان مكتوبًا له أن يرجع لزوجته الأولى، فسيرجع لها، ولن يمنعه أحد مهما كان، ولكن قد تكونين أنتِ السبب في ذلك بسوء ظنكِ وبتصرفاتكِ الطائشة المنفرة لزوجكِ منكِ.
تاسعًا: احذري بجدٍّ من صويحبات يوسف المفسدات المحرضات، فهنَّ سمٌّ سعاف، وخطرهن عظيم، وظنونهن خناجر مسمومة، وإن طُلقتِ سَيَنْسِينَكِ إلا من الهمز واللمز لكِ.
عاشرًا: من أعظم ما يسليكِ ويدخل السرور على قلبكِ، ويبعد عنكِ ظنون السوء ذكرُ الله سبحانه بالصلاة والتلاوة، وأذكار الصباح والمساء؛ فهي تحصين ومنع وطمأنينة؛ قال سبحانه: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28].
حفظكِ الله، وأعاذكِ من سوء الظن، ومن مكائد شياطين الإنس والجن، وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.