يستعد العالم لتوديع عام واستقبال عام جديد مليء بالتطلعات والأماني في أجواء احتفالية يغلب عليها الفرح. قد تختلف العادات والتقاليد المرتبطة بهذه المناسبة بين بلاد وأخرى على اختلاف الثقافات، حتى إن تاريخ الاحتفال برأس السنة قد يختلف أيضاً، إذ إن الأول من يناير (كانون الثاني) ليس تاريخاً موحداً لدى كل الشعوب للاحتفال بعيد رأس السنة. وهو يختلف أيضاً بين التقويمين الميلادي والهجري، كما يعلم الكل، حتى إن المسيحيين أنفسهم قد يختلفون حول تاريخ رأس السنة الميلادية، إذ يحتفل كل شعب بهذه المناسبة على طريقته الخاصة. إنما أياً كانت الاحتفالات المرافقة لهذه المناسبة، وعلى رغم أن الجائحة أدت إلى تجميد موقت لها، فإنها عادت بعدها بمزيد من الزخم وتمسكت بها الشعوب أكثر من أي وقت مضى، أملاً في غد أفضل.
في تاريخ احتفالات رأس السنة
يعود تاريخ الاحتفال بعيد رأس السنة إلى قرابة الـ4 آلاف عام. لكن في العصور القديمة كانت بداية العام تتخذ منحى مختلفاً كمناسبة فلكية أو لها علاقة بالزراعة. ويحكى أن أقدم الاحتفالات برأس السنة قد يرتبط بمدينة بابل، وأطلقت عليه تسمية "أكيتو" البابلية الأصل التي ترتبط بموسم حصاد الشعير. وكانت السنة تبدأ لدى البابليين مع اكتمال القمر في نهاية شهر مارس (آذار). أما الاحتفالات التي أقاموها في بداية السنة فكانت تمتد طوال 100 يوم ويقيمون خلالها المهرجانات وفق طقوس معينة.
في الحضارة المصرية القديمة ارتبط رأس السنة والاحتفالات المرافقة له بفيضان نهر النيل، وكان يترافق مع ظهور النجم الأكثر لمعاناً في السماء. واختلف أيضاً توقيت الاحتفال بعيد رأس السنة في الحضارة الصينية، إذ ارتبط باكتمال القمر الجديد بعد فترة الانقلاب الشتوي.
لكن حصل تغيير في توقيت رأس السنة الميلادية في عام 1582، عندما وحد البابا غريغوريوس الثالث هذا التقويم في عديد من الدول الأوروبية بعد تفاوت كبير كان يُسجل في هذا المجال. منذ ذاك الوقت أصبح الاحتفال بعيد رأس السنة في معظم الدول في اليوم الأخير من العام بالتقويم الميلادي أي في منتصف ليل الـ31 من ديسمبر (كانون الأول) ومع بداية الأول من يناير (كانون الثاني). لذلك ارتبطت السنة الميلادية بالتقويم الغريغوري الذي يتألف فيه العام من 12 شهراً أو 365 يوماً. لكن بقي هذا العيد محصوراً بالديانة المسيحية، لا سيما بوجود ديانات وطوائف عديدة أخرى لا تشارك المسيحيين هذا العيد، كالإسلام والهندوسية واليهودية. لذلك تحتفل شعوب كثيرة بعيد رأس السنة في مواعيد مختلفة، وإن كان القسم الأكبر منها يعتمد التقويم الغريغوري.
احتفالات في مواعيد مختلفة
أما بالنسبة إلى بقية الشعوب التي تعتمد تقويمات ومواعيد مختلفة للاحتفال بعيد رأس السنة فنجد الصين، وهي من الدول التي لا تحتفل ببداية عام جديد في الأول من يناير، إذ يحتفل الصينيون بالسنة القمرية الجديدة في أواخر يناير وتعتبر من أهم المناسبات الصينية. لكن التاريخ المحدد لهذه المناسبة قد يختلف من عام إلى آخر، وإن كان يتراوح ما بين أواخر يناير ومنتصف فبراير (شباط). هذا وتعرف السنة الصينية الجديدة بـ"عيد الربيع" أيضاً كونها تشهد على بداية حصاد الربيع. لذلك تظهر في الاحتفالات التنانين الملونة والفوانيس والأنشطة الترفيهية والعروض. ويطلق على كل عام في الروزنامة الصينية اسم حيوان من الحيوانات الـ12 التي تشكل مجموع الأبراج الصينية.
أما الهند فتحتفل في بعض ولاياتها بالعام الجديد وفق التقويم الهندوسي في شهر أبريل (نيسان). وفي هذه الاحتفالات جرت العادة أن يبنى تمثال مسن يرمز إلى العام الفائت، ثم يحرق عند منتصف الليل لاستقبال العام الجديد بفرح أثناء الغناء والرقص، وهي من الطقوس الشهيرة وإن كانت تختلف بين المناطق.
في سيريلانكا يبدأ العام الجديد في الـ13 من أبريل، وتتبع البلاد بذلك حركة الشمس مع نهاية موسم الحصاد هناك. وفي هذه المناسبة تطلق الألعاب النارية، وتتميز الاحتفالات بشكل خاص بالطعام الذي يقدم فيها من أطباق محلية شهية، وحلويات تقليدية مثل الكعك بالزيت وأطباق الموز. وتعد كوريا الجنوبية أيضاً من الدول التي تتبع التقويم القمري للاحتفال بالسنة الجديدة. وتمتد الاحتفالات في كوريا الجنوبية خلال ثلاثة أيام بهذه المناسبة، ويرتدي السكان المحليون الزي التقليدي الخاص بهم الذي يعرف باسم الهانبوك احتفالاً بهذه المناسبة.
في المقابل، تتأخر احتفالات الكنيسة القبطية عن التقويم الميلادي بسبع سنوات. وتعتبر إثيوبيا من الدول التي اتخذت قرار اعتماد تقويمها القديم مجدداً منذ سنوات عدة، وهو يختلف تماماً عن التقويم الميلادي. واحتفل الشعب الإثيوبي برأس السنة في 2016 مع انتهاء فصل الصيف الماضي بالأغاني والرقص والثياب المزركشة. ويعتبر الأصفر لون العام الجديد في البلاد، ويرمز إلى شروق الشمس بعد الأمطار.
وفي الدول التي تعتمد التقويم الإسلامي لرأس السنة الهجرية تحيي الشعوب رأس السنة في اليوم الأول من شهر المحرم. أما أصل الاحتفال فيعود إلى يوم هجرة النبي محمد من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة في ما يعرف بالهجرة النبوية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
غرابة ومعان في الطقوس الاحتفالية
سنوياً تحتفل الدول التي تتبع التقويم الميلادي برأس السنة الجديدة في مثل هذا الوقت، لكن لكل من الدول عادات وطقوس خاصة ترتبط بهذه الاحتفال، ومنها ما قد يبدو غريباً أحياناً. ففي الدنمارك مثلاً تجمع الأطباق القديمة أمام المنازل، وترمى أمام أبواب الجيران على رأس السنة كرمز للصداقة. ويكون التحدي هنا في وضع أكوام أكبر للتكسير مما يدل على الحظ الوافر للعام المقبل. في الإكوادور ثمة طقوس خاصة أيضاً لاستقبال العام الجديد، حيث يدون كل شخص على ورقة الأحداث السيئة التي حصلت في العام الذي سبق، وتمزق الورقة وتحرق في إناء فخاري، في محاولة لإبعاد الحظ السيئ عن العام الجديد.
أما البرازيليون فيستقبلون السنة الميلادية الجديدة على طريقتهم الخاصة أيضاً، إذ جرت العادة أن يقدموا أطباق العدس وحساء الأرز للاحتفال بها، ظناً منهم أنه يمكن جلب الثروات من خلال البقوليات. يضاف إلى ذلك أنهم يدفعون قارباً يحتوي على المجوهرات والشموع والأزهار البيضاء من شاطئ ريو دي جانيرو إلى المحيط لجلب الحظ والسعادة. ويتوجه البرازيليون عامة إلى شاطئ البحر للاحتفال بعيد رأس السنة، بما أنه يصادف في مناخ صيفي. حتى إنه من عاداتهم أن يقفز الأفراد فوق سبعة أمواج أثناء القيام بسبعة تمنيات فيما يرتدون ملابس بيضاء رمز النقاء والتفاؤل. وتعود جذور هذه العادة التي يتمسك بها البرازيليون إلى الاحتفالات قديماً لتكريم إلهة البحر إيمانجا.
وفي بعض مناطق تركيا يضع البعض الطحين على أبواب المنازل قبل أربعة أو خمسة أيام من رأس السنة، عل ذلك يجلب لهم الحظ. أما في إسبانيا فمن أبرز الطقوس للاحتفال برأس السنة تناول 12 حبة من العنب، إذ يتجمع الناس في الساحة الرئيسة في مدريد للمشاركة في هذا التحدي. ويبدأ العد العكسي وصولاً حتى لحظة حلول منتصف الليل لاستقبال العام الجديد قبل 12 ثانية، ومعه يبدأ تناول حبات العنب. ويعتبر الإسبان أن من ينتهي من تناول حبات العنب الـ12 مع حلول العام الجديد سيتمتع بحظ جيد في العام المقبل. ويعود طقس "لاس دوتشي دي لا سويرتي" (Las Doce Uvas De La Suerte) إلى القرن الـ19 بهدف طرد الأرواح الشريرة وجلب وفرة الحظ للعام المقبل والرخاء.
من جهتهم، يستقبل اليابانيون العام الجديد أثناء تناول طبق "نودلز صوبا"، في عادة تعود جذورها إلى حقبة "كاماكورا" وترتبط بمعبد بوذا حيث كانت النودلز توزع على الفقراء.
وفي هايتي يصادف عيد رأس السنة مع عيد استقلال البلاد مما يزيد من أهميته. وجرت العادة في هذه المناسبة بتناول حساء اليقطين الذي يعرف بحساء "جومو" لاعتباره من الأطباق المميزة التي لم يكن يحق للسود تناولها. وينتقل الناس بين المنازل مع أطباق الحساء التي حضروها لتقديمها في المنازل وتناول تلك التي حضرها لهم الآخرون.
في الفيليبين ثمة طقوس خاصة متبعة ضمن الاحتفالات بالعام الجديد، إذ تقدم العائلات 12 حبة من الفاكهة الدائرية الشكل كالتفاح والعنب، التي ترمز إلى الرخاء بالنسبة إليهم بشكلها الدائري الأقرب إلى شكل النقود المعدنية، وترمز كل حبة منها إلى أحد أشهر السنة.
وفي اليونان يعتمد البصل ضمن احتفالات العام الجديد، فيعلق أمام المنازل لجلب الحظ للعام الجديد. ومن العادات في اليونان أيضاً هرس الرمان على أبواب المنازل عند منتصف الليل، وبحسب عدد حبوب الرمان التي تسقط أرضاً يمكن توقع معدل الحظ الجيد للعام المقبل.
أما في كولومبيا فتوضع ثلاث حبات من البطاطا تحت الأسرة إحداها مقشرة والثانية من دون تقشير والثالثة مقشرة بشكل جزئي. وعند منتصف الليل يتناول الشخص إحداها، وبحسب حبة البطاطا التي يختارها يرافقه الحظ في العام المقبل، أو يواجه تحديات على المستوى المالي، أو يكون في العام المقبل مزيجاً منهما.
أياً كانت الطقوس المعتمدة للاحتفال بالعام الجديد تسيطر أجواء الفرح في مختلف أنحاء العالم عند توديع عام واستقبال آخر جديد، إذ يتطلع الكل في هذه المناسبة إلى أن يجلب العام الجديد معه كثيراً من الحظ والسعادة، وألا تتكرر الأحداث السيئة التي تخللها العام الذي سبق.