كانت الأسابيع الماضية مليئة بقصص مأساوية عن غرق مهاجرين وتحطم القوارب والسفن التي كانت تقلهم في عرض البحر أثناء عبورهم المحيط الأطلسي من الساحل الشمالي الغربي من قارة أفريقيا إلى جزر الكناري الأسبانية، وهو أحد أكثر الطرق إزهاقا للأرواح في العالم.
في ميناء مدينة مبورالصاخب، انتشر الخبر انتشار النار في الهشيم، وتناقلت الألسن خبر 300 سنغالي أبحروا الشهر الماضي إلى جزر الكناري الإسبانية، وباتوا في عداد المفقودين. لكن لا يبدو أن هذا الخبر المرعب يردع الشباب اليائسين من الرغبة في الوصول إلى أوروبا.
يقول عثمان وهو صياد يبلغ من العمر 29 عاماً: "لا أشعر بأي شيء. أشارك الألم مع العائلات التي فقدت عزيزاً، لكن حين تكون صياداً فإنك لا تعرف الخوف، بل وتعتاد على حوادث البحر. قد يشكّل خبر كهذا صدمة بالنسبة لشخص لا يعرف البحر، لكننا نحن الصيادين الذين اعتدنا هذا المكان منذ نعومة أظافرنا لسنا خائفين".
وفي مأوى صغير صنع من الصفائح المعدنية على شاطئ البحر، في هذه المدينة الساحلية المزدحمة الواقعة على بعد 80 كيلومتراً جنوب داكار، أكّد الآخرون كلامه، وقال عبده وهو كذلك في العشرينات من عمره: "إسبانيا.. كلنا نريد الذهاب إلى هناك. إذا غادر قارب الآن ، سأقفز فيه مباشرة".
وأردف بحّار آخر: "العيش هنا مرادف للموت، لا يوجد عمل ولا مال. إسبانيا هي الحل الوحيد".
وأصبحت جزر الكناري، التي تقع قبالة سواحل غرب أفريقيا، الوجهة الرئيسية للمهاجرين الذين يحاولون الوصول إلى إسبانيا، بعد أن شددت النيجر على الهجرة عبر الصحراء وصعدت أوروبا دورياتها على ساحلها الجنوبي.
وعادة ما يسلك المهاجرون من أفريقيا جنوب الصحراء طريق الهجرة عبر المحيط الأطلسي، وهو أحد أكثر الطرق إزهاقا للأرواح في العالم، إذ يستلزم أياماً من الإبحار عبر التيارات الغادرة في قوارب متهالكة، عادة ما تكون غير صالحة للإبحار، ومحملة بعدد يفوق طاقتها.
لكن أحلام الشباب تتغذى على حكايات أولئك الذين وصلوا إلى أوروبا ووجدوا عملاً وباتوا يرسلون الأموال لأهاليهم وبننون بيوتاً تشبه القصور في السنغال.
قال عثمان، وهو متزوج ولديه طفل إنه حاول الوصول إلى جزر الكناري في عام 2020 لكن خفر السواحل الإسباني أوقفه، وأكّد أن هذا لن يثنيه عن إعادة الكرة في أقرب وقت ممكن، وأضاف: "ليس لدي أي خيارات أخرى".
وبحسب السلطات الإسبانية ، هبط 7213 شخصاً على متن 150 قارباً في جزر الكناري في النصف الأول من العام الجاري، مقارنة بـ8853 شخصاً خلال الفترة نفسها من عام 2022.
وقدرت منظمة غير حكومية إسبانية "كاميناندو فرونتيراس" الأسبوع الماضي أن 951 مهاجراً، أي خمسة في المتوسط يومياً، لقوا حتفهم أثناء محاولتهم الوصول إلى إسبانيا في النصف الأول من عام 2023.
قال مصطفى ندياي، رئيس جمعية الصيادين في مبور، إن محاولات العبور عادة ما ترتفع بين شهري يونيو وستبمبر، عندما تكون الرياح مواتية أكثر. وقدّر أن 10 قوارب أبحرت هذا الشهر وحده، ولم تسمع عائلاتهم أخباراً عنهم منذ مغادرتهم.
وأشار ندياي بأصابع الاتهام إلى الفقر والملل الذين لا يتركان خياراً أمام الشباب الذين يملكون قوارب صيد صغيرة، تكافح في ظل المنافسة. وقال إن"الدولة وقعت اتفاقيات مع سفن أوروبية وآسيوية لصيد الأسماك على نطاق صناعي، ولم يتبق سوى القليل من الأسماك للصيادين، لذلك يغادرون"
وقال محمدو بارو رئيس لجنة الهجرة في منطقة مبور: "شبابنا بحاجة إلى عمل، لن تستطيع الشرطة وخفر السواحل فعل أي شيء لوقف الهجرة السرية".