طبيب الأسنان يحقنني بالبوتوكس وأنا أثق به

منذ 1 سنة 225

عندما تحتاج ليلي*، 29 سنة، أن تجدد حقن البوتوكس في وجهها، تقصد طبيب الأسنان. وتهز بكتفيها بلا مبالاة قائلة "أعلم أن عمله يتطلب استخدام الحقن، ولهذا لا يزعجني الموضوع. ارتفعت أسعار البوتوكس، لذلك فالمكسب المادي الذي يجنيه منه لا بأس به وهو يقوم بهذا العمل إلى جانب مهنته الأساسية سعياً إلى جني بعض المال الإضافي. بعض أصدقائي لا يتعاملون سوى مع أشخاص لديهم المؤهلات المناسبة، لكنني أثق به، وهو متخصص بتقويم الأسنان الشفاف (Invisalign)".

هذا لا ينطبق على ليلي وحدها. بل هي في الواقع واحدة من بين عدد متزايد من الأشخاص في المملكة المتحدة يحصلون على حقن جراحية تجميلية -مثل بوتوكس- من أطباء وخبراء تجميل ليسوا مؤهلين. وتضيف ماي* ذات الـ27 سنة "كنت أتلقى الحقن من صديق العائلة، وهو طبيب متخصص بالجراحة التجميلية. كان يأتي إلى المنزل ويحضر بقايا الحقن ويعطينا إياها".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفقاً لأبحاث كلية لندن الجامعية، فإن 32 في المئة فقط من الأشخاص الذين يقدمون علاجات تجميلية عبر المواد القابلة للحقن هم أطباء. وجد هذا البحث، بعد الاطلاع على ثلاثة آلاف موقع إلكتروني في سبيل التحقق من مؤهلات الأفراد الذين يقدمون هذه العلاجات، ونوع التدريب الذي حصلوا عليه كما خبرتهم، أن 13 في المئة من بينهم ممرضون و24 في المئة أطباء أسنان. وتمكن البحث من تحديد 1163 طبيباً، كان أقل من نصفهم (41 في المئة) مدرجين على سجل المتخصصين المعتمدين وخمسهم (19 في المئة) مدرجين على سجل الأطباء العامين المعتمدين. وفي مقالتها المنشورة في مجلة الجراحة التجميلية والترميمية (Journal of Plastic, Reconstructive & Aesthetic Surgery)، قالت الكاتبة المشاركة في البحث البروفيسورة جولي ديفيس "يفترض أن تشكل النتائج التي توصلنا إليها تنبيهاً للمشرعين من أجل تطبيق قوانين فعالة وفرض معايير مهنية تحمي المرضى من أي تعقيدات صحية".

حتى اللحظة، لم تعان ليلي من أي مضاعفات بسبب البوتوكس، لكن طبيب أسنانها قد يكون من بين أشخاص كثر يقومون بهذه العملية من دون مؤهلات مناسبة. يتخوف الأطباء المحترفون من روايات الأشخاص غير المؤهلين الذين يقدمون هذه الحقن، ولا سيما عندما نأخذ في الاعتبار أخطار البوتوكس. وجدت دراسة من عام 2021 أن شخصاً من بين كل ستة أشخاص حقن هذه المادة في وجهه عانى مضاعفات تتراوح بين ظهور الكدمات والشعور بالغثيان إلى المعاناة من الصداع والملامح "الجامدة". وخلصت الدراسة إلى وجود نسبة 16 في المئة من المضاعفات المرتبطة بالعملية، وهو رقم مرشح للارتفاع بلا شك نظراً إلى الانفجار في عدد العاملين في هذا المجال غير المنظمين.

وتقول شيللي وودز، خبيرة التجميل المتمرسة ومؤسسة عيادة Skin Techniques "أصبح بوتوكس أحد أشهر العلاجات التجميلية المتوفرة، لكن عندما يستخدمه الأشخاص غير المناسبين، قد يخلف عواقب كارثية. تطور الحال كثيراً منذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي حين استخدمه الأطباء الأميركيون للمرة الأولى لعلاج اضطرابات عضلة العين لدى مرضاهم. ها نحن اليوم في عصر تزدهر فيه صيحة البوتوكس. حلت الحقنة اليوم محل العمل الجراحي".

يستخدم البوتوكس على نطاق واسع اليوم لإرخاء عضلات الوجه ومحو خطوط الجلد والتجاعيد. أثره غير دائم وعادة ما يستمر لثلاثة أو أربعة أشهر. وقد يتراوح سعر حقنة البوتوكس الواحدة في المملكة المتحدة بين 100 و350 جنيهاً استرلينياً، بحسب المنطقة المراد حقنها في الوجه.

ازدادت شعبية هذا العلاج خلال السنوات القليلة الماضية، ووجدت عملية التدقيق التي قامت بها الجمعية البريطانية لجراحي التجميل في عام 2022 أن أعضاءها أجروا 6639 علاجاً بالبوتوكس، أي بزيادة تعادل 124 في المئة على العام السابق. واليوم، تقدر قيمة العلاجات التجميلية غير الجراحية مثل البوتوكس والفيلر في المملكة المتحدة بنحو 2.75 مليار جنيه استرليني.

وتقول طبيبة التجميل الدكتورة شيرين لاخاني التي لاحظت ارتفاعاً في عدد الأشخاص الذين يقبلون على استخدام البوتوكس، ولا سيما في أوساط السيدات تحت الثلاثين من العمر "أحد الأسباب برأيي هي وسائل التواصل الاجتماعي. وتزداد العلاجات كذلك بسبب صور السيلفي. يحتاج الشباب إلى الدعم لمساعدتهم على التمييز بين التواصل الاجتماعي والواقع".

تلي هذه الملاحظات تصريحات أخرى أدلى بها الدكتور مايكل برايجر، الذي يشتهر بلقب "ملك البوتوكس" في ديسمبر (كانون الأول) 2022، إذ زعم أن الشباب "أضاعوا البوصلة" في مقاربتهم لهذه العلاجات و"يبالغون في حقن" البوتوكس والفيلر.

طبعاً، فيما يحقن مزيد من الأشخاص أنفسهم بالبوتوكس، تزداد المخاوف في شأن سوء مزاولة المهنة. دفعت هذه المخاوف الحكومة أخيراً إلى فرض شرط جديد يجعل تقديم أي علاج من هذا النوع من دون رخصة فعلاً غير قانوني، وحظرت تقديم البوتوكس لمن هم دون سن الثامنة عشرة -بحسب تقديرات وزارة الصحة، بلغ عدد علاجات البوتوكس للفئة العمرية دون الثامنة عشرة 41 ألفاً في عام 2020.  

وفي عام 2021، أوصى النواب بإلزام الراغبين بالحصول على البوتوكس والفيلر إجراء تقييم نفسي قبل الخضوع للعلاج، محذرين من مغبة "الغياب التام" للقوانين التي تحكم العلاجات التجميلية غير الجراحية، وضرورة وضع حد له، لكن لماذا ينشد هذا العدد الكبير من الشباب هذا النوع من العلاجات أساساً؟

تشرح الدكتورة لاخاني أن "تنامي أهمية منصات التواصل الاجتماعي وضع ضغطاً كبيراً على الشباب لكي يبدوا أصغر سناً وهذا ما غذى الطلب"، كما تلفت إلى "جو برنامج جزيرة الحب المزعوم" إذ يرغب الأفراد بتقليد شكل نجوم الواقع والمؤثرين. وتضيف أن "البوتوكس متاح بسعر معقول نسبياً، على عكس العلاجات الجراحية. ولا يتطلب منك أن تأخذ عطلة من وظيفتك لأنه لا يتطلب وقتاً للراحة. وآثاره موقتة بحيث يمكنك وقف العلاجات متى شئت، بينما في المقابل، نتائج الجراحة دائمة ويصعب عكسها". 

لكن السبب الأهم الذي يدفع أعداداً كبيرة من الشباب إلى تلقي العلاج بالبوتوكس هو الاعتقاد أن ذلك سيحول دون ظهور التجاعيد على وجههم في المستقبل. وتقول ليلي التي تحصل على حقن البوتوكس منذ عمر الخامسة والعشرين "لهذا أتلقى الحقن. كثير من النساء يحصلن على البوتوكس بعد فوات الأوان وبعد ظهور الخطوط الدقيقة على وجوههن. والمنطقي هو الحصول عليها الآن".

لكن المختصين يعارضون هذه النظرية بقوة إذ يشيرون إلى ندرة الأبحاث المتعلقة باستخدام البوتوكس على المدى البعيد. وتقول الدكتورة لاخاني "بعض الشابات يقصدنني لأنهن يعتقدن بأن البوتوكس خطوة استباقية، لكنني لا أنصح بالحصول على هذا العلاج قبل منتصف الثلاثينيات من العمر في الأقل، وهذا يعتمد على كل حالة بعينها. يظهر لدى البعض خطوط أكبر في العشرينيات من العمر… لكن من المهم أيضاً أن نثقف المريضات ولا سيما أولئك في الثلاثينيات والعشرينيات من العمر. في شأن طرق الاهتمام ببشرتهن، وأهمية الوقاية من الشمس في منع شيخوخة البشرة".  

لكن الجاذب الوهمي لمنع عملية شيخوخة الجلد هو ما دفع آيمي نيكل، 33 سنة، إلى البدء بتلقي حقن البوتوكس منذ عمر الثالثة والعشرين. وتقول "أعتقد بأنني لطالما ظننت أن البوتوكس سيمحو كل شيء ويجعل بشرتي ناعمة جداً. في إحدى المرات، تلقيت العلاج من خبيرة تجميل كانت تعلن عن خدماتها عبر فيسبوك. تسببت برفع طرفي حاجبي جداً وبدوت كالمجنونة وشعرت بخجل شديد من مظهري، إلى أن انتهى مفعول (الحقنة)".

فيما عانت نيكل من هذا الأثر الجانبي، يمكن أن يسفر البوتوكس عن نتائج أسوأ بكثير في حال حقنه بشكل خاطئ. وتقول ليزلي بلير، الحائزة رتبة الإمبراطورية البريطانية والمديرة التنفيذية ورئيسة الجمعية البريطانية لعلاجات التجميل "أقل العوارض التي قد تصيبك هي الألم المعتدل والكدمات والتورم. يأتي بعدها شلل العضلات وعدم التناسق في الوجه ورفع الحاجب بشكل مبالغ به وتشوش الرؤية أو تهدل الجفون وعسر الابتلاع، لكن أكثر ما يثير القلق بين التعقيدات المحتملة هو التحسس أو الحساسية المفرطة إنما لحسن الحظ أن هذه العوارض هي الأقل شيوعاً".    

هذا ما يؤكد أهمية إجراء العملية بشكل سليم. صحيح أن زيارة طبيب الأسنان للحصول على حقنة البوتوكس قد تبدو أمراً غريباً، لكنها أصبحت ظاهرة متنامية في المملكة المتحدة إذ تعرض الآن سبعة من أكبر عيادات الأسنان المنتشرة في البلاد خدمات تجميلية من بينها بوتوكس.

وتضيف بلير "تلقى أطباء الأسنان فعلياً تدريباً مكثفاً على تشريح الوجه لذلك قد يكونون من أكثر الخيارات أماناً. وبصفتهم أطباء يمكنهم أن يتعاملوا مع التعقيدات الخطرة في حال ظهورها. من يثير القلق أكثر هو الشخص الذي لم يتلق أي تدريب طبي متعلق بتشريح وتكوين الوجه ولا يمكنه أن يتعامل مع التعقيدات بل جل ما فعله هو إتمام دورة قصيرة وغير منظمة حول المواد القابلة للحقن".

وتنبه الدكتورة إيملين هارلي، الممرضة المتمرسة، التي تقول إنها غالباً ما تجد نفسها تصحح أخطاء الآخرين في حقن البوتوكس "أنصح الجميع بإجراء بحث والتأكد من المؤهلات الطبية (للممارسين) من خلال هيئات حكومية مثل المجلس الطبي العام ومجلس التمريض والقبالة والمجلس العام لطب الأسنان. من المهم جداً أن تتأكدوا من خبرة الفني وتتأكدوا من حصوله على شهادة تدريب معتمدة من قطاع صناعة الأدوية".

وقد يبدو ذلك بديهياً، لكن إن شعرتم بأن العلاج المعروض زهيد الثمن جداً مقارنة بالوضع الطبيعي، من الضروري أن تحذروا. وتشرح الدكتورة هارلي بأنه "في هذه الحالات، يرجح أن سبب تدني الكلفة هو استخدام منتجات ذات نوعية متدنية أو دون المستوى المطلوب، تشترى عبر الإنترنت، أو وجود فنيين لا يملكون خبرة كافية. فالمختصون الذين يملكون مؤهلات طبية ليسوا في حاجة إلى طرح أسعار منافسة كثيراً- لأن خبرتهم مطلوبة في كل الأوقات".

لكن حتى حقن البوتوكس بشكل آمن يجب أن يصاحبها تحذير، برأي بلير. فهي تقول إن "سن العملاء لا ينفك يصغر، وهذا يصبح أمراً طبيعياً لدى ممارسي المهنة. إنها حلقة مفرغة- عندما يبدأ عميل بالحصول على مادة قابلة للحقن، من غير المرجح أن يتوقف عن ذلك".

*تغيرت أسماء الأشخاص