♦ الملخص:
رجل يريد أن يجلسَ مع زوجته جلسات علمية يتلوان القرآن، ويتعلمان العلم، لكنها كانت تستحيي، وتخشى أن يكون الأمر رياءً، ولَما كلَّمها انشرَح صدرُها للأمر، لكنه يريد تفصيل ذلك الأمر؛ حتى يقنعها بالأدلة الشرعية.
♦ التفاصيل:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تزوجت حديثًا بزوجة طيبة والحمد لله، واتفقت معها على التعاون على الطاعة والتدين بقدر الإمكان، ولكن حين طلبت منها قراءة القرآن والجلوس معي لتتعلم، أو القيام ببعض الطاعات، كانت تقول: إن شاء الله، وتستحي وتتهرب، وحين صارحتها وناقشتها، اعترفت لي بأنها تريد أن تعمل هذه الأعمال بطيبِ نفسٍ منها، حتى تقتنع، ولا يكون فعلها رياء، وحتى لا يكون هذا العمل من أجلي، وحدثتها أن هذا ليس رياء، طالما نريد طاعة الله، والتعاون على القرب منه، وأن طاعتها لي طاعة لله، شعرت أنها فهمت، وانشرح صدرها قليلًا، ولكن أريد منكم تفصيل هذا، وأن يكون هذه الفتوى من مصدر ثقة، والتنبيه على متابعة المفيد على الإنترنت، وترك المحرمات، وبعض البرامج التي فيها معاصٍ، حتى وإن كانت مقاطع مضحكة تحتوي على صور للرجال والنساء، والتنبيه على إتيان بعض النوافل؛ كقيام الليل، وجزاكم الله خيرًا، أتمنى الاستجابة لذلك، وتنبيهي عند الرد، وجزاكم الله خيرًا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:
فملخص رسالتك هو:
1- تزوجت حديثًا، وتريد أن تجلس مع زوجتك جلسات علمية للتلاوة والتعلم، ولكنها تتهرب بداعي الحياء، ولأنها تريد أن يكون عملها عن قناعة وإخلاص لله، لا من أجلك.
2- ثم أفهمتها أن تعاونكما على الخير ليس رياء، فانشرحت لذلك قليلًا.
3- وتريد تذكيرها بأن طاعتها لك في عمل الطاعات، وفعل الواجبات والمستحبات، وترك المنكرات ليس رياء.
4- وتريد التذكير بأنه لا يليق بالمؤمن إضاعة وقته على الإنترنت في الأمور التي تحتوي على معاصٍ، أو صور رجال ونساء، ومقاطع مضحكة، وغيرها.
فأقول مستعينًا بالله سبحانه:
أولًا: تشكر كثيرًا على حرصك على دين زوجتك، وعلى التعاون معها على البر والتقوى.
ثانيًا: أنصحك بتوخي الحكمة والموعظة الحسنة، وعدم استعجال النتائج؛ قال سبحانه: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ [النحل: 125].
ثالثًا: أوصيك ألَّا تكثر عليها الأوامر والنواهي، ما دامت لم تقع في معصية ظاهرة؛ وذلك حتى لا تمل منك، وتسأم من نصائحك.
رابعًا: أوصيك بالبدء أولًا بالعناية في نفسك، ومع زوجتك بأهم شيء، وهو تعلم التوحيد الصحيح والعمل به (توحيد الألوهية، والربوبية، والأسماء والصفات، وأركان الإيمان الستة)؛ لأن القلب إذا امتلأ من توحيد الله ومحبته، امتلأ إخلاصًا له سبحانه، وتلذذَ بطاعته عز وجل، وبترك المعاصي.
وأما إذا ضعف التوحيد في القلب، ضعف الإقبال على الطاعات، وضعف الإخلاص، وهان على النفس ارتكاب المعاصي؛ قال الله عز وجل: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ ﴾ [محمد: 19].
بوَّب الإمام البخاري على هذه الآية: (باب العلم قبل القول والعمل)؛ أي: العلم بالتوحيد.
خامسًا: يبدو أنك متحمس جدًّا، والحماسة للخير محمودة بشكل عام، ولكن لا بد من ضبط لها من مغبة الاندفاع الزائد الذي قد ينتج عنه استعجال للنتائج، وإصابة بالإحباط، أو انتكاسة، أو كراهية للخير في الشخص المقابل.
سادسًا: لا تنسَ أنك عبد ضعيف تحتاج لإعانة الله سبحانه لك وتوفيقه وتسديده؛ ولذا فأكْثِر من الاستعانة بالله عز وجل، وسؤاله التوفيق لك، ولزوجتك في أمور الدين والدنيا.
سابعًا: تذكر أن أي إنسان إذا أحب الآخر تقبل نصحه؛ ولذا تودَّد لزوجتك، وأحسن التعامل معها بلطف؛ وطبِّق قوله سبحانه: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21].
ولا تجعل حياتك معها كلها أوامر ونواهٍ؛ فتضجر منك.
ثامنًا: تحمَّل بعض القصور منها، خاصة في البداية، ولا تطلب الكمال لا في الأمور الدينية، ولا في الأمور الدنيوية، ولا تقارنها بغيرها أبدًا؛ واعمل بالحديث الآتي: عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: ((انْظُرُوا إِلَى مَنْ هو أَسفَل مِنْكُمْ، وَلا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوقَكُم؛ فهُوَ أَجْدَرُ أَلَّا تَزْدَرُوا نعمةَ اللَّه عَلَيْكُمْ))؛ [متفقٌ عَلَيْهِ]، وهذا لفظ مسلمٍ، وفي رواية البخاري: ((إِذا نَظَر أَحَدُكُمْ إِلَى مَنْ فُضِّلَ عليهِ في المالِ وَالخَلْقِ، فلْيَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلُ مِنْهُ)).
تاسعًا: خذ بمبدأ التدرج في الأمور، تسلم من مغبة السقوط.
عاشرًا: أما خوفها من عدم الإخلاص، فقد يكون حقيقيًّا، وقد يكون اعتذارها بسبب الحياء، وعمومًا لعل من المستحسن أن تعطيها فرصة لأداء بعض العبادات وحدها؛ لأن أي إنسان يرتاح أكثر إذا مارس عبادته بنفسه بعيدًا عن الناس، وحتى لا يكون التزامها بأداء العبادات مجاملة لك تحت الضغط؛ فتفقد الإخلاص، وربما لا تستطيع الصبر على ذلك، فتنتكس، والعياذ بالله.
حادي عشر: اقتصد في جلسات الوعظ والتذكير، ولتكن تخولًا؛ حتى لا تمل؛ قال الصحابة رضوان الله عليهم: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة...)).
حفظكما الله، وثبتكما، ورزقكما الحكمة والإخلاص.
وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.