ضحايا الابتزاز الإلكتروني يزدادون بلا حلول

منذ 8 أشهر 122

ما زالت الأخبار تتوالى عن واقعة «موت» أو «انتحار» طالبة مصرية، في جامعة العريش، اسمها نيّرة صلاح؛ وفي تلك الأخبار، التي احتلت قوائم الاهتمام في الإعلامين «التقليدي» و«الجديد»، تسود روايات عن «انتحارها جراء تعرضها لعملية ابتزاز إلكتروني، عقب تهديدها بنشر صور خاصة التُقطت لها خلسة من إحدى زميلاتها».

وبموازاة تلك الأخبار التي شغلت الناس داخل مصر وخارجها، خلال الأسبوع الماضي، نشرت «الشرق الأوسط» تحقيقاً مميزاً عن الابتزاز الإلكتروني، وضمن هذا العمل الذي تقصى وقائع ابتزاز و«بلطجة إلكترونية» جرت في نحو 5 دول، كان لافتاً أن التحقيق توصل إلى هشاشة البنية القانونية والاجتماعية، وقابليتها الكبيرة لتسهيل عمل المُبتزين، وتكثيف الضغوط على الخاضعين للابتزاز.

وربما يسود اعتقاد لدى البعض مفاده أن النسق الاجتماعي المحافظ في البلدان العربية والإسلامية يُعد سبباً رئيسياً في تعظيم مخاطر الابتزاز الإلكتروني، لكن نتائج بحوث موثوق بها، ووقائع ابتزاز خطيرة، حدثت في بلدان غربية مختلفة، تشير بوضوح إلى أن ذلك الإشكال لا يستثنى أياً من البيئات العالمية، وأنه أضحى إسهاماً واضحاً لبيئة الاتصال الراهنة، وإحدى أخطر مثالبها.

ففي صيف عام 2016، اهتز المجتمع البريطاني بسبب الأنباء عن انتحار المراهقة «فيبي كونوب» شنقاً، بعد نشر صورة لها على موقع «إنستغرام»، كانت قد التقطتها لنفسها، بعدما أجرت تغييرات على لون بشرتها، ليصبح مائلاً إلى الصفرة، في محاكاة ذات طابع عنصري لأصدقائها من الجنس الآسيوي.

لم تتحمل «كونوب» الإهانات التي تعرضت لها من مستخدمي الموقع، بعدما تسربت الصورة إليه، وتم التفاعل معها على نطاق واسع، ووجَّه إليها كثيرون العبارات المُحرجة والمُسيئة.

قبل هذا التاريخ بنحو عقد كامل، حدثت واقعة مشابهة لمراهقة أميركية تُدعى «ميغين ميير»، حيث كانت «تتواصل اجتماعياً» على أحد المواقع مع شخص قدم نفسه لها بوصفه شاباً، قبل أن تعرف أن هذا الشاب لم يكن سوى جارتها التي تضمر لها مشاعر عدوانية، وقد استغلت تلك الأخيرة حصاد «التواصل» السابق في التشهير بـ «ميغين» وإهانتها وإذلالها، بشكل فاق قدرتها على التحمل، ودفعها إلى التخلص من حياتها.

وفي أبريل (نيسان) من عام 2015، أقدمت مراهقة فرنسية على اتخاذ القرار نفسه، عبر إلقاء نفسها من الطابق الرابع، في البناية التي تسكن فيها، بحي «لورسا»، في ضواحي باريس، بعدما وجدت أن مقاطع فيديو مُسربة للقاء جنسي جمعها بصديق قد غزت «يوتيوب»، ومعها تعليقات مُهينة ومُذلة وموجة عارمة من السخرية.

ويتفق باحثون متخصصون في مجال الطب النفسي على أن كلمة السر في ذلك الارتفاع المطرد ليست سوى «التنمر السيبراني» (Cyber Bullying)، الذي يستهدف خصوصاً الشباب في تلك الشرائح، والذين لا يمتلكون القدرة والحماية اللازمة لمواجهة الضغوط المتولدة عنه.

وثمة عديد الإيجابيات لاستخدام شبكات التواصل الاجتماعي لليافعين والشباب؛ ومنها التفاعل، وبناء العلاقات الجديدة، وتوسيع المدارك، والتبادل الثقافي، والحصول على المعلومات، واستيفاء المتطلبات الدراسية، لكن في المقابل هناك سلبيات ومخاطر بدأت تُقلق مراكز البحوث والحكومات، بعدما بات مستقراً في النسق البحثي والمعرفي المتعلق بتلك الشبكات، أنها «قادرة على أن تتحول إلى منصة للتنمر»، وأن «التنمر مرتبط بالسلوك الانتحاري» لدى شرائح اليافعين والشباب، كما يؤكد «المركز الأميركي للوقاية من الإصابة».

ويُعرّف «التنمر السيبراني» باليافعين والشباب، بأنه محاولة لاستغلال تقنية الاتصالات والمعلومات للوصول إلى أهداف إجرامية، عن طريق الرسائل العدوانية، والإفصاح عن المعلومات ذات الطبيعة الحساسة، وتعمد الإهانة، والسخرية، والمضايقة، والإحراج.

ويصف بعض الباحثين «التنمر السيبراني» بأنه نوع من «البلطجة الإلكترونية»، التي تتضمن وسائل شتى؛ منها التسخيف، وإرسال الصور الإباحية، واختلاس الصور الخاصة أو اصطناعها، وغيرها من الممارسات، التي تؤكد دراسات أن 42 في المائة من اليافعين الناشطين على مواقع «التواصل الاجتماعي»، في الولايات المتحدة، يتعرضون لها.

بموازاة المزايا الفريدة التي منحتها وسائط «التواصل الاجتماعي» للعالم، ظهرت مخاطر كبيرة ناجمة عن إساءة استخدامها، وهي مخاطر تفرض ضرورة البحث عن وسائل فعالة للحد منها، من دون الجور على حرية الرأي والتعبير، أو انتهاك حقوق المستخدمين.

إن ترشيد استخدام تلك الوسائط بات تحدياً كبيراً للنظم الإعلامية والسياسية والاجتماعية في شتى أنحاء العالم، وقد ظهرت مبادرات ومقاربات غربية متنوعة تستهدف تحسين استخدام تلك الوسائط أو حوكمة مجالها، لكنها مع ذلك ظلت قاصرة عن الوصول إلى صيغة يمكن عَدُّها فعالةً وآمنةً بما يكفي لتحجيم بعض أنماط الاستخدام الحادة والمُسيئة.