"وداعاً متحف التاريخ الطبيعي"، بهذه العبارة عنونت مديرة متحف التاريخ الطبيعي الأستاذ المساعد في كلية العلوم بجامعة الخرطوم سارة عبدالله، مناشدتها التي أطلقتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لحماية مقتنيات المتحف التي تضم حيوانات ونباتات نادرة، انقطع عنها الغذاء والماء منذ اليوم الأول لحرب الـ15 من أبريل (نيسان) بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
يقع المتحف في شارع الجامعة، وسط الخرطوم، الذي أصبح بين عشية وضحاها الساحة الأولى للحرب بين الطرفين، وخلا، وهو أحد الشوارع الرئيسة في المدينة، من دبيب الحياة وسكنته زخات الرصاص وأقدام الجنود.
تصف سارة الحال في مناشدتها قائلة، "الحيوانات البرية الحية نفقت نفوقاً بطيئاً، جوعاً وعطشاً، وآخر إمداد وعناية بها كان في بداية الحرب".
حاولت مديرة المتحف الاتصال بكل من يمكن أن يصل إلى المتحف، ليساعد في إجلاء الحيوانات ومقتنيات المتحف أو إمدادها بالغذاء، لكن لم يستطع أحد الوصول إلى المتحف خشية على حياته من نيران الحرب.
تضيف سارة "تواصل معي عدد مقدر من الأشخاص من مختلف الفئات وأفراد من الجيش، وطلبت منهم مد الحيوانات بالماء والغذاء المحفوظ في المخزن والثلاجات أو كسر إقفال الأقفاص والسماح بخروج الطيور والقرود على الأقل، لكن لم يستطع أحد الوصول إليها". وتقول "خسرنا حيوانات المتحف الحية، ومنها بعض الحيوانات التي يندر أن تجدها الآن في بيئتها الطبيعية، خسرنا التمساح الذي أحضرناه بيضة وفقس في المتحف في تجربة علمية مهمة". وتشير إلى أن في عداد الخسارات عدداً كبيراً من الثعابين والعقارب السامة التي تم جمعها بصعوبة بالغة في مشروع مشترك مع مركز أبحاث الكائنات السامة، لتوطين إنتاج الأمصال بالسودان.
وتقول "خسرنا حيوانات وزواحف كانت مهمة جداً للأبحاث في كلية العلوم وللتعليم عموماً لمختلف الفئات". وعلى رغم أن المناشدة وجدت استجابة من منظمة الرفق بالحيوان في شكل دعم مادي، لكن لم يستطع أحد تسلمه حتى الآن من إدارة حماية الحياة البرية.
انقراض بسبب الحرب
تقول مديرة المتحف لـ"اندبندنت عربية"، إن متحف السودان للتاريخ الطبيعي من أهم المتاحف في السودان، ويهتم بحفظ التراث الطبيعي للبيئات السودانية المتنوعة، ويحوي عدداً ضخماً من أنواع من الكائنات الحية تم جمعها منذ القرن الـ19 من السودان وجنوب السودان، وبعضها حيوانات قد تكون انقرضت أو اختفت من مواطنها الطبيعية نسبة لتدمير بيئتها، بسبب تغير المناخ أو الصيد الجائر أو غيرها من الأسباب.
ويحتوي المتحف على صالات عرض تضم العينات المحنطة والمجسمات، ومنها نماذج للبيئات السودانية، إضافة إلى نباتات طبية واقتصادية. وتوجد صالة لعرض عينات جيولوجية، من الأقسام ذات الأهمية القصوى مثل قسم العينات المرجعية المؤهلة للدراسات المتخصصة وهي غير متاحة للزوار العاديين، ولكن للباحثين وطلاب الدراسات العليا، وذلك لقدم تلك العينات، بحيث تحوي الأقدم والأندر من العينات الحيوانية، ويتم الحفاظ عليها بصورة مشددة خوفاً من تلفها.
وتوضح سارة أن المتحف يحتوي على حيوانات حية بغرض الاستفادة منها علمياً ولإجراء الأبحاث المتعلقة بسلوكها، إضافة إلى حيوانات سامة لأنواع من العقارب والثعابين، وذلك بغرض إجراء الأبحاث المختلفة لتوطين صناعة الأمصال المضادة لسمومها بالشراكة مع مركز أبحاث الكائنات السامة في كلية العلوم جامعة الخرطوم.
الوضع الآن
يعود تاريخ تأسيس المتحف إلى العشرينيات من القرن الـ20، وتم ضمه إلى كلية العلوم- جامعة الخرطوم، للاستفادة من العينات النادرة. وافتتح في مقره الحالي في العام 1958، ويعتبر قسماً من أقسام كلية العلوم، بعد أن كان جزءاً من المتحف القومي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تقول سارة، إنه منذ اندلاع الحرب لم يستطع العاملون في المتحف الوصول إليه لتوفير الإمداد المائي والغذاء للحيوانات الحية، وكانت آخر رعاية لتلك الحيوانات الجمعة 14 أبريل. وتضيف: "حاولنا التواصل مع جهات عدة ولكن لم تصل إلينا أي إفادة إيجابية. وعلمت بمحاولات الفرقة السابعة- مشاة، للقوات المسلحة توفير المياه، لكن ليس لدي معلومات عن وضع الحيوانات الآن، وعما إذا حدث تخريب في المتحف". وتضيف "على خلاف الحيوانات الحية تنبع أهمية المتحف من العدد الضخم والمتنوع للحيوانات المحنطة، التي كما سبق وأشرت إلى أن بعضها شديد الندرة أو انقرض".
وتفيض سارة في شرحها لمحتويات المتحف: "يحوي المئات من أنواع الطيور المختلفة والعشرات من أنواع الثدييات والزواحف واللافقاريات والأسماك النيلية والبحرية، وصالة الطيور تعتبر أكبر صالة عرض في المتحف وتضم أنواعاً مختلفة متنوعة من الطيور المستوطنة والمهاجرة".
أما عن العينات البحرية فتقول "يحوي المتحف مختلف أنواع الكائنات البحرية الموجودة في بيئة البحر الأحمر مثل أسماك القرش وأسماك الراي".
سجل إلكتروني
وعن الحلول المقترحة للمحافظة على مقتنيات المتحف، والحيوانات والنباتات الموجودة فيه، وكيف يمكن استعادة ما ضاع منها، تقول سارة إن لديهم سجلاً إلكترونياً حفظت فيه كل معلومات المتحف وبيانات العينات، وقد صورت كل عينة وسجلت بياناتها، وحتى لو تعرضت المكاتب للتلف والتخريب فالسجلات محفوظة إلكترونياً. وعن استعادة أو تعويض محتويات المتحف تقول "التعويض يتم بمحاولة استبدال أو إحلال العينات التي فقدت، على رغم من أنني أتمنى أن يقتصر الفقدان فقط على الحيوانات الحية ولا يصل التدمير أو الفقدان للعينات المحنطة".
وتقول سارة، إنه بفقدان محتويات المتحف سيخسر السودان نحو قرنين من تاريخه الطبيعي، فكل المجموعات الموجودة في المتحف، تعتبر ذات أهمية قصوى للمهتمين بالبيئة والتراث الطبيعي والتنوع الحيوي عموماً، ويصعب حصرها. وتضيف: "بعض الأنواع من تلك الحيوانات أصبح من الصعب مشاهدتها في بيئتها الطبيعية، إذ يحكي المتحف التاريخ الطبيعي للسودان لفترة قرنين من تاريخه. أما الحفريات فما زالت قيد الدراسة والبحث، وتوجد عينة من نوع منقرض من الزرافات، إضافة إلى حفريات لنباتات وحيوانات لم تصنف بعد أو يحدد تاريخها الأحفوري بدقة".