♦ الملخص:
شاب يشكو معاملةَ صديق عمره الذي دامت صداقته عشر سنوات؛ ذلك أنه يجد من صديقه هذا جفوةً وقسوة وازورارًا، وكلما نصَحه بتغيير أسلوبه، ازداد سوءًا، ويسأل: ما الحل؟
♦ التفاصيل:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أعرف صديقًا منذ عشر سنوات، أعتبره كأخي، أخاف عليه وأحبه وأهتم لأمره بصورة غير طبيعية، إذا غاب عني، أخشى أن يكون قد حدث له مكروه، وأتمنى مشاركته في كل شيء، وأن أعرف عنه كل شيء، وتعلقت به، ولا أريد أن أتركه، لكن أفعاله ترهقني نفسيًّا، كأن أرسل له على برامج التواصل الاجتماعي، ولا يرد عليها إلا بعد عدة أيام، أو يفتحها ولا يرد، وأيضًا لا يرد على اتصالاتي، ويرد على اتصالات غيري، مع أنني لا أريد إلا أن أطمئن عليه، لنكون معًا كالإخوة، وكلما عتبتُ عليه ونصحته بأن يغيِّرَ من طبعه، لا أجد منه إلا ردًّا يزيد من جرح مشاعري وألمي، وأجد منه زيادة في الجفاء وقسوة القلب، وإذا ما وجد صديقًا جديدًا، فإنه يتركني كأنه لم يعرفني يومًا، وأنا دائمًا الذي أعود إليه وأداري الأمر، وأبادر بالصلح، كل أصحابنا بعدوا عنه؛ بسبب سوء معاملته، ولا يتذكرون له إلا الأفعال المنفرة، ومع ذلك كله لا أريد أن أتركه وحيدًا في الدنيا، لا أدري ما أفعل، ما نصيحتكم؟ وجزاكم الله خيرًا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:
فملخص مشكلتك:
١- هو أنك صادقت شابًّا تعلقت به، وتهتم به جدًّا، وهو غير مبالٍ باهتمامك.
٢- ثم بعد ذلك تقول: إنك لا تقدر على تركه.
٣- ويبدو أنك عاطفي جدًّا، بل قد تعديت الخطوط الحمراء في العاطفة.
وأخيرًا تسأل: ماذا تعمل معه؟
فأقول مستعينًا بالله سبحانه:
أولًا: يبدو أن صاحبك فيه طباع غير سوية بدليل ما ذكرته من تصرفاته معك، وأيضًا ما ذكرته من نفرة أصدقائه منه.
ثانيًا: وأقول لك بملء الفم: مثله لا يستحق المصادقة ولا التعلق به؛ ففي التعلق به مع هذه المواقف المزعجة إهانة لك.
ثالثًا: ومستقبلًا صادِقِ التقيَّ النقيَّ الوفيَّ، واترك أصدقاء المصالح وأصدقاء النفاق.
رابعًا: إذا صادقت إنسانًا، فلتكن صداقتك وأخوتك له في الله وبإخلاص وباعتدال؛ فلا تبالغ في محبة إنسان ما، ولا في الشفقة عليه بطريقة غير سوية تعرضك للإهانة.
خامسًا: لتكن محبتك القوية التي لا يزاحمها شيء أبدًا لله سبحانه ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللقرآن؛ كما قال سبحانه: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ﴾ [البقرة: 165].
وكما قال عز وجل: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [آل عمران: 31].
سادسًا: اعلم - وفقك الله - أن أي محبة لأي مخلوق تتجاوز الحدود المعقولة لا بد أن تضر وتفتن وتشغل المُحِب بمحبوبه وبرضاه عن محبة الله سبحانه وعن رضاه، كما يحصل تمامًا للعشاق الفساق بمعشوقيهم؛ فاحذر ذلك أشد الحذر.
سابعًا: يبدو أنك تفتقد الحنان والعطف ممن حولك، أو أنك تعرضت لتربية مسرفة في العطف والحنان فتطبعت بها.
ثامنًا: كل شيء يتجاوز حده ينقلب إلى ضده، بل إن بعض الناس يمجون المبالغة في محبتهم والاهتمام بهم، ويرونها خللًا في شخصية المُتعامل معهم، ويوجد من يُثمنونها ويشكرون عليها إذا كانت بحدود منضبطة؛ فالناس ليسوا سواء.
حفظك الله، ورزقك صديقًا وفيًّا خلوقًا مؤدبًا.
وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.