صانع الدمى يحرك معلباته راويا قصة "العصفور المبتور" لأطفال غزة

منذ 5 أشهر 84

ملخص

في المأوى الذي يعيش فيه مهدي خصص زاوية صغيرة لصناعة ألعاب "الماريونيت"، وهو يقطن حالياً في بيت مهجور.

فما قصة صانع الدمى في غزة؟

بين خيام النازحين يبحث مهدي عن عبوات المعلبات المعدنية الفارغة، يحني ظهره إلى الأرض ويلتقط علبة حمص مطبوعاً عليها شعار الأمم المتحدة، يمعن النظر فيها، ويقول "هذه وصلت إلى غزة على صورة مساعدات إنسانية سأحولها إلى دمية متحركة، تحكي قصة نزوح الناس من دون مساعدة المنظمات الدولية".

عن أي علبة معدنية فارغة يبحث مهدي، ويحرص على أن يجمعها كلها ليروي منها قصص الأحداث المأسوية التي أصابت سكان غزة بسبب الحرب الإسرائيلية، ويحاول أن يوجه حكاياته إلى الأطفال ليسليهم ويخفف من أعبائهم النفسية.

عز 2.jpg

من بقايا المعلبات يصنع مهدي الألعاب (اندبندنت عربية - مريم أبو دقة)

بيت مهجور

في المأوى الذي يعيش فيه مهدي خصص زاوية صغيرة لصناعة ألعاب "الماريونيت"، وعلى رغم أنه يقطن حالياً في بيت مهجور، فإنه حريص على أن يبث الحياة فيه، يقول مهدي "استجبت لأوامر الجيش الإسرائيلي وهربت من شمال غزة إلى جنوب القطاع، ولم أجد مكاناً أعيش فيه سوى هذا المكان المهجور".

في مكان يشبه الشقة السكنية غير الجاهزة، يعيش مهدي ويقول إن الأمر دليل على أن سكان القطاع يستطيعون التأقلم مع أصعب الظروف والعيش وسط اللاحياة.

تنتشر العبوات المعدنية الفارغة في مختلف أرجاء بيته، وتتناثر كأنها قطع فنية، وفي المكان نفسه تنتشر الخيوط المتينة وكثير من شباك صيد السمك، وبعض علب الألوان اللامعة، وأوراق تبدو أنها قصص كتبها مهدي بيده لأحداث عاشها في الحرب.

عز 1.jpg

عن أي علبة معدنية فارغة يبحث مهدي ويحرص على أن يجمعها ليروي منها قصص الأحداث المأساوية التي أصابت سكان غزة (اندبندنت عربية - مريم أبو دقة)

صناعة ممتعة

وخلف طاولة صغيرة يجلس مهدي متفقداً المعادن ويسرح في تفكيره كأنه يتخيل دمية ما، وبسرعة يبدأ في رسم خطوط على علبة شكلت في نهاية المطاف دمية جميلة من وحيه، والتقط مقصاً وأخذ ينحت في وجه اللعبة.

بعد دقائق، كان مهدي قد حول علبة الحمص إلى هيكل دمية، وبواسطة حبل أتى به من شباك الصيد ربط ذراعاً للدمية، وفعل الأمر نفسه عندما صنع رجل اللعبة، ويتابع مهدي "دخل غزة آلاف الأطنان من المعلبات ووصلت على صورة مساعدات إنسانية، العلب الفارغة إذا تركت في الشارع ستتحول إلى نفايات وتصبح عبئاً إضافياً على البيئة".

عز 4.jpg

في المأوى الذي يعيش فيه مهدي خصص زاوية صغيرة لصناعة ألعاب "الماريونيت" (اندبندنت عربية - مريم أبو دقة)

وجمع مهدي المعلبات المعدنية الفارغة لأكثر من سبب، فهو يحاول تنظيف مجتمعه من النفايات، ويسهم في الوقت نفسه في صناعة دمى لإحياء جلسات ترفيهية للأطفال، وأيضاً يحاول أن يشغل نفسه بدل الفراغ الطويل وأجواء الحرب المرعبة.

وحسب دور الشخصية في حكاية مهدي التي يحاول أن يصنع لها شخصيات من الدمى المتحركة، لون الفنان معلباته على أن يرتب لاحقاً جميع أدوار الحكاية، ومن ثم يتدرب على تحريك قصة "العصفور المبتور".

قصة "العصفور المبتور"

ومن بين الألعاب التي صنعها مهدي كانت هناك دمية على صورة عصفور ليست له قدم، وملامحه مرهقة للغاية، وفي هذه اللعبة يحاول صانع الدمى تجسيد شخصية نازح لكنه حوله لعصفور قد بترت قدمه نتيجة غارة إسرائيلية استهدفت محافظة رفح أقصى جنوب قطاع غزة.

ويوضح مهدي أنه يكرس وقته لصناعة دمى الخيوط، ويحاول على رغم الحرب إنشاء مسرح متنقل لفن "الماريونيت"، وهدفه الرئيس توفير جانب من الدعم النفسي للأطفال وترفيههم، ويقوم بذلك بمفرده من دون تدريب مسبق على هذا الفن.

و"الماريونيت" هو فن صناعة وتحريك المجسمات، وعادة ما تكون دمى مصنوعة يدوياً ويتم تحريكها باليد أو بخيوط، وتتقمص هذه الألعاب أدواراً في مسرحيات تعرف باسم "عروض العرائس".

تعلم مهدي صناعة الدمى بواسطة الإنترنت، وبعد أن أتقن هذا الفن بدأ يكتب الروايات والحوارات، ثم يعمل على تسجيل حوار الحكاية في الاستوديو، مع إضافة موسيقى تصويرية خاصة.

وانتهى مهدي من تجهيز قصة "العصفور المبتور"، إذ صنع الدمى المتحركة وكتب الحكاية وسجلها، على الفور قرر الانتقال إلى مركز إيواء للنازحين في منطقة دير البلح وسط قطاع غزة ليقدم العرض للأطفال.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تسلية الأطفال

وبمجرد وصول مهدي إلى مركز الإيواء، نصب صندوقاً خشبياً حيث يقف خلفه محرك الدمى، وعلى الفور تجمع الأطفال لمشاهدة العرض الفني، ويؤكد الفنان "هذه الدمى تجعل الأشياء من حولنا جميلة".

ويدرك مهدي الحالة النفسية الصعبة التي يعيشها أطفال غزة، ويستغرب عدم وجود برامج لتخفيف الصدمات عنهم، ولعلاجهم يقدم عروضاً مستمرة في مراكز الإيواء، ويحكي لهم قصص النازحين والأطفال.

ووفقاً للمتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف" جيمس إلدر فإن أطفال غزة يعانون أزمات واضطرابات نفسية، وهذه المشكلة بدأت تتحول أعراضاً مرضية إذ بدأت تظهر على الصغار علامات خطرة مثل التشنجات والتبول اللاإرادي والخوف والسلوك العدواني والعصبية وعدم الرغبة في الابتعاد عن أهلهم.

صدمات

ويعرف مهدي أن مبادرته لن تنقذ الأطفال لأنها محدودة فضلاً عن أن الحرب لم تتوقف، مما يعني أن سبب الخوف ما زال قائماً.

وأمام الأطفال يحرك مهدي العصفور الذي يسير في حديقة خضراء، ويقول للأطفال "كان هناك عصفور يحب الطيران، لكن بسبب القصف الإسرائيلي الذي استهدف الحديقة طارت شظية وبترت قدمه، والآن هو عاجز عن مواصلة حياته".

وفي وقت كان يحكي مهدي حكايته كان يحرك الشخصيات التي صنعها من المعلبات المعدنية الفارغة ويحاول أن يقدم نوعاً من التسلية للأطفال الصغار، ويسعى إلى جعلهم يضحكون على رغم عذاباتهم النفسية.