تسعى الدول إلى وضع حلول مستدامة قادرة على مواجهة تحديات البيئة بسن الأنظمة وإطلاق المبادرات والحملات التوعوية، والتي لم تقف عند حد الحكومات فقط، ففعلتها شركات ومؤسسات وجمعيات لنشر الوعي كل بطريقته الخاصة.
وتسهم ريشة الفنان وأعماله التشكيلية في نشر الوعي نحو الحفاظ على البيئة، وترجمة أخطارها عبر إيحاءات تنبثق من الأعمال الفنية إذ قدم 18 فناناً محلياً وعالمياً أعمالاً متنوعة تصب جميعها في ذاكرة فنية مستلهمة من السلوك البشري والظواهر الطبيعية، في معرض "صافي الصفر" الذي يقيمه مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي (إثراء) في مدينة الظهران شرق السعودية، والذي أولى أهمية بالغة لزيادة مستوى الوعي والاهتمام بكل ما يتعلق بشؤون البيئة، بهدف تعزيز جوانب الحوار الثقافي وتحفيز التفكير الإبداعي، وصولاً إلى حلول مستدامة قادرة على مواجهة تحديات البيئة.
وتبدو التصاميم الفنية الموجودة داخل المعرض الذي افتتح مطلع سبتمبر (أيلول) الماضي ويستمر لمدة تسعة أشهر، فيما بينها ارتباطاً فهناك من يتعمق بعناصر البيئة الطبيعية بما فيها المناخ والثروة الحيوانية والثروة المائية، وتنادي أعمال أخرى بوقف التصحر، وتقلص الغطاء النباتي والعمل على زراعة الأشجار والحفاظ على مكنونات البحار، إذ جاء التعبير بأسلوب تجريدي قادر على محاكاة من يشاهده، فتنوعت الأدوات المستخدمة بين الأصباغ والأحجار ومخلفات البلاستيك لتقود إلى ما هو أكثر أمناً على البيئة واستغلال مواردها بإعادة تدوير بعضها.
وتهدف مشاركة الفنانين إلى صناعة فكر ثقافي نابع من رواد الحركة التشكيلية في العالم عبر المعرض، لقدرتهم على التأثير بأدواتهم وحصيلة إبداعهم المستلهم من الواقع وصولاً إلى التخاطب البصري، فلكل فنان التقاطه معينة تدور حول الوعي البيئي وما تتطلبه المرحلتان الحالية والمستقبلية بأطر فنية ذات أشكال عدة وتعابير مختزلة.
الأرض الميتة
قدمت الفنانة زهرة الغامدي خلال المعرض مشاركتها بعنوان "الأرض الميتة" والتي تنادي من خلاله بضرورة التمسك بما تبقى من عناصر طبيعية ومكونات تعيش على سطح الأرض، وقالت الغامدي إن عمل "الأرض الميتة" يُعد ترجمة لصورة خيالية لموضوع الاحتباس الحراري الذي أدى إلى التغير المناخي وما يصاحبه من أحداث، كما يحكي واقعاً حقيقياً تعيشه الأرض، إذ يعلم الجميع أننا نراها كوكب يجمع الأحياء والأموات والغابات والأشجار والبحار والمحيطات والصحاري والحيوانات بكل أنواعها.
وتساءلت زهرة كيف نعيش نحن على هذه الأرض؟ وأين نحن من قطع الأشجار وحرقها والإسراف في المياه ورمي المخلفات في الغابات، وكذلك قتل المخلوقات البحرية في البحار بالنفايات وتلوث الهواء من دخان المصانع والصيد وقتل الحيوانات والتصحر والبلاستيك؟ وماذا لو تغيرت ملامح الأرض وتحولت المباني والطرقات والأشجار وكل ما تحتويه إلى أرض جافة وقاسية وكئيبة وشوكية؟
وبينت الفنانة أنها سلطت الضوء على واقع حقيقي تعيشه الأرض مع البشر ولكن بصورة شاعرية حزينة، ومن خلاله تناجي البشر للالتفات لها، إذ تتحول الأرض إلى كتلة تتسم بالقسوة والجفاف، وتحمل في داخلها مخلفات البشر التي تنعكس على محيطها، ويعبر عن تعامل البشر معها.
وحاولت الغامدي أن تعبر عن التغيرات المناخية التي تحدث للأرض باستخدام خامات طبيعية وخامات مستهلكة من قبل البشر في أن تلائم بين الطبيعة والإنسان والعوامل المؤثرة، بحيث يظهر شكل الأرض متأثرة بالتغيير المناخي باستخدام خامات طبيعية محلية لتعبر بصدق وانسجام عن ما تعانيه الأرض.
وزادت الغامدي، "هذا العمل ليس صورة طبق الأصل للواقع وإنما يعبر عن موضوع حقيقي وهو الاحتباس الحراري بلغة شجية موازية لأحاسيس ومشاعر ما تعانيه الأرض، وتطارد أية محاولة لمحوها أو نسيانها تماماً، فهذه المطاردة تأخذ احتمالات أكثر مما يشير إلى قراءتها بكل ما يتعلق بتدمير البيئة في أي مكان آخر."
وترى الفنانة التشكيلية أنه يجب أن يكون لدينا التوجه والاهتمام القوي نحو حماية البيئة بصفة عامة للحفاظ على صحتنا وصحة الكوكب، والعمل سوياً سواء الحكومات والمجتمعات المحلية والشركات والأفراد لتبني سلوكيات صديقة للبيئة وتطبيق السياسات والتدابير البيئية المستدامة.
وعن مشاركتها في معرض "صافي الصفر" قالت الغامدي "عندما نحمي البيئة فإننا نستثمر في مستقبل أفضل لأنفسنا وللأجيال المقبلة"، مشيرة إلى أن التوجه والاهتمام بالبيئة ضرورة حتمية للمحافظة على كوكب الأرض وضمان استدامة الحياة عليه، ويجب العمل المتعاون لتبني سلوكيات بيئية وتنمية مستدامة في جميع جوانب الحياة،
وأضافت، "مشاركتي في المعرض الذي يعتبر انتعاشه لمرحلة جديدة للقطاع الفني تتداخل بها النظم البيئية مع كيفية الاستهلاك البشري ما هي إلا تأكيد على دور الفن وعلاقته بالوعي البيئي".
واعتبرت الغامدي أعمالها الفنية أدوات قوية للتوعية والتغيير الاجتماعي، فهي تحاول تطوير قدراتها على التعبير الفني وتوجيه الرسائل المهمة لحماية الأرض، واستخدم الفن لنشر الوعي حول قضايا البيئة وتحفيز البشر على اتخاذ إجراءات، مضيفة أن "كل إنسان عليه أن يختار الوسيلة التي يعتقد أنها ستكون الأكثر فعالية في التواصل إلى الجمهور ونشر رسالته حول حماية الأرض والاهتمام بها، والفن له القدرة على لمس القلوب وإلهام الناس، لذا أستخدم أعمالي الفنية لإحداث التأثير الإيجابي وتعزيز الوعي بأهمية حماية البيئة".
وكانت الغامدي قد بحثت عن فكرة لطالما استوقفتها وهي الأغصان الميتة التي عكفت على تجميعها منذ أعوام، فبدأت بالعمل مستخدمة 200 غصن من أجل الحفاظ على ديمومة الأشجار وحماية الغطاء النباتي من التصحر.
أحافير المعرفة
وعمل الفنان والكاتب محمد الفرج على إيصال مفاهيم لواقع البيئة حالياً وتصورها مستقبلياً من داخل العمل الفني "أحافير المعرفة"، الذي شارك به في معرض "صافي الصفر"، موضحاً أن العمل جزء من سلسلة أعمال فنية مركبة من المخلفات الزراعية منها السعف والنخيل المهمل والميت بهدف إعادة إحيائه من جديد ووضعه ضمن سياق مختلف.
ووصف الفنان التشكيلي "أحافير المعرفة" بقوله إن "الشكل الظاهري للعمل قريب جداً من شكل العظام والأحافير التي يعثر عليها، فالعمل يتساءل عن أهمية المعرفة الزراعية والثقافية والاجتماعية المرتبطة بالنخلة وما حولها في المستقبل، وعما إذا كان كل ذلك في وجه النسيان، إذ يتساءل العمل أكثر مما يجيب، وهو محاولة لتخليد واحترام تلك المعرفة والتذكير بها."
وبين الفرج أن المواضيع التي تعنى بالأرض والإنسان وعلاقتهما ببعضهما بعضاً يجب طرحها والحديث عنها كونها العلاقة الأهم في هذا الوجود، مضيفاً "المواضيع التي أعمل عليها تتطرق للبيئة والأرض والأثر الذي نتركه عليها، ومن المشجع جداً أن يكون هناك توجه من قبل الدولة وأجهزتها في الحفاظ على أرضنا وثرواتها الطبيعية".
تحديات بيئة
وتلعب السعودية دوراً رائداً في تقليل آثار التغير المناخي والانبعاثات الكربونية، وبالنظر إلى مواردها وخبراتها الغنية في إدارة استقرار الطاقة عالمياً تعد السعودية مؤهلة لقيادة حقبة جديدة من العمل المناخي، والإسهام بصورة كبيرة في الجهود العالمية لتقليل الانبعاثات الكربونية، وانضمت مع التحالف العالمي للمحيطات في أكتوبر (تشرين الأول) 2021، وهي منظمة دولية مكرسة للحفاظ على الحياة البحرية في المحيطات، ويتمثل الهدف الرئيس للتحالف في حماية 30 في المئة في الأقل من محيطات العالم بحلول عام 2030 عبر التوسع في المناطق البحرية المحمية، كما أُعلن عن تأسيس مؤسسة استكشاف المحيط التي ستتولى مسؤولية إجراء الأبحاث واستكشاف محيطات العالم.
وتلتزم السعودية بالإسهام في خفض انبعاثات الميثان العالمية بنسبة 30 في المئة بحلول عام 2030 كجزء من طموحها لبناء مستقبل أنظف وأكثر استدامة، وتقدم الرياض نفسها على أنها جزء من التعهد العالمي في شأن الميثان، والذي يمثل خطوة مهمة لخفض الغازات المسببة للاحتباس الحراري.
وانضمت السعودية إلى مبادرة الأمم المتحدة للرياضة من أجل العمل المناخي، وعملت على مبادرة السعودية الخضراء ومبادرة الشرق الأوسط الأخضر لتوسيع نطاق العمل المناخي في المنطقة عبر التعاون والاستثمار، وتوحيد الجهود الإقليمية لتحقيق الأهداف المناخية العالمية.
وأطلقت السعودية حملات ومشاريع محلية لصون البيئة كمشروع الرياض الخضراء وأسبوع البيئة، كما دشنت المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر للتغلب على التحديات البيئية التي تؤثر في الغطاء النباتي واستعادة التنوع الأحيائي والاستفادة من الفرص المتاحة وعملت أيضاً على الحد من تلوث التربة وتلوث المياه وتلوث الهواء.
محميات فطرية
وتتوزع المحميات في السعودية وهي مساحات جغرافية ذات ملكية عامة حددت بأوامر ملكية عام 2018، إذ تضم مناطق ذات تنوع أحيائي وجيولوجي ومناخي خصصت لحفظ الموارد الفطرية وإعادة توطينها في البلاد، وتنشيط السياحة البيئية والاستمتاع بها وفق أنظمة وتعليمات محددة.
ويهدف تحويل تلك المناطق إلى محميات ملكية لتنظيمها بحيث لا تتضرر أملاك المواطنين وقراهم وهجرهم التي تقع ضمن نطاقها وللحد من الصيد والرعي الجائر ومنع الاحتطاب، من أجل زيادة الغطاء النباتي وحمايته، وكذلك إنماء البيئة الطبيعية للحيوانات والنباتات والمحافظة عليها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي أغسطس (آب) من العام الحالي أعلن اعتماد المستهدفات الاستراتيجية لعام 2030 للمحميات الملكية، والتي تركز على حماية الحياة الفطرية وأنشطة التشجير وتعزيز السياحة البيئية وتوفير فرص العمل.
وتقدر حجم المحميات الثمانية في السعودية بنحو 13.5 في المئة من إجمال مساحة البلاد، إضافة إلى الإسهام في مستهدفات زراعة الأشجار في المملكة بما يزيد على 80 مليون شجرة بحلول 2030. ووفق هذه المستهدفات فستقوم المحميات الملكية بحماية وإعادة توطين أكثر من 30 نوعاً من الحيوانات المحلية المعرضة للخطر والمهددة بالانقراض، وستسهم في توفير كثير من فرص العمل المباشرة وغير المباشرة للمجتمعات المحلية في المحميات الملكية.
قوانين صارمة
وسنت السعودية عقوبات لمخالفي أنظمة المراعي والغابات والقاضي بمنع قطع الأشجار والتعليمات التي تنص على منع بيع الحطب المحلي أو نقله، فتتراوح الغرامة المالية للمخالفين ما بين 10 و 50 ألف ريال عن كل طن (2666 و13300 دولار)، محذرة من الاحتطاب لما يشكله من أضرار بالغطاء النباتي والموارد الطبيعية وأراضي المراعي والغابات والمتنزهات، وكذلك انقراض الأشجار وزيادة رقعة التصحر.
وتصل عقوبة إشعال النار بالمناطق المحمية إلى 20 ألف ريال (5300 دولار)، وفي أراضي الغطاء النباتي إلى 3 آلاف ريال (800 دولار)، فيما تصل عقوبة التخلص من النفايات الخطرة في الأوساط البيئية إلى 30 مليون ريال (8 ملايين دولار) وعقوبة سجن تصل إلى 10 أعوام، فيما يطبق على مرتكبي مخالفات الرعي غرامة مالية تصل إلى 500 ريال (133 ألف دولار).