شيطنة مانشيني... ماذا بعد؟

منذ 1 شهر 44

لم يكن الهجوم المتتالي الذي يواجهه روبرتو مانشيني (17 مباراة) الأول ولن يكون الأخير، فالتاريخ يشهد أن بيرت فان مارفيك (20 مباراة)، وهيرفي رينارد (41 مباراة)، وأنطونيو بيتزي (22 مباراة)، كانوا جميعاً في مرمى الانتقادات والتهميش والتقليل والتشكيك والحرب الإعلامية المتواصلة طوال فترة تدريبهم المنتخب السعودي، والقائمة تطول قبل هؤلاء المدربين.

كانت نسبة انتصارات الأخضر مع مارفيك بحدود 65 في المائة من مجموع المباريات التي تولى فيها التدريب، فيما كانت النسبة لبيتزي 31 في المائة، مقابل 48 في المائة لرينارد، و41 في المائة لمانشيني الذي أكمل عامه الأول الشهر الماضي، لكن هؤلاء جميعاً كانوا في سلة واحدة من الشخصنة والهجوم غير المبرر.

في تقديري، إن الشيطنة الإعلامية التي يقودها كثير من البرامج التلفزيونية الرياضية للإيطالي مانشيني ليست طبيعية على الإطلاق، فالفكرة في الأساس ليست ضد المدرب، بقدر ما هي تصفية حسابات مع قائمة طويلة من مسؤولي اتحاد الكرة السعودي طوال عقود مضت.

لتصل إلى تحليل منطقي لوضع المنتخب السعودي الفني، عليك قراءة الحال بشكل جذري لتصل إلى ما تريده.

الجدل الإعلامي الذي يعيشه المنتخب السعودي منذ ستة عقود ليس جديداً على المتابعين الحاذقين، وأصحاب النظرة البعيدة، فنجاح أي مدرب بتحقيق بطولة مثل كأس أمم آسيا، لن يمنحك الهدوء والسلام والإشادات، فالتاريخ يقول إن الأخضر الذي توج باللقب عام 1996 عاد من الإمارات وسط صراعات إعلامية حول من يفترض أن يتسلم الكأس أولاً: يوسف الثنيان أم فؤاد أنور؟! والأخضر الذي خسر في نهائي كأس آسيا عام 1992 عاد بطرح الخلافات بين اللاعبين والمجاملات في التشكيلة الدولية، لا بالإشادة ببلوغ مرحلة بعد حقبة انتقالية عظيمة.

والأخضر الذي خسر نهائي كأس آسيا عام 2000 عاد من بيروت بخلافات إعلامية ضيقة الحدود لم تتجاوز استفهاماتها تقدم حمزة إدريس لسداد الضربة الجزائية دون غيره، متجاهلين التركيز على كفاءة الأخضر في حضوره 5 نهائيات متتالية في هذه البطولة منذ 1984.

الفكرة فيما سبق، هي أن ذهابك إلى النهائي وخسارته أو الفوز به هو ذاته عندما تخرج من دور المجموعات أو ثمن النهائي بالنسبة لشريحة كبيرة من الإعلام الذي يتعين عليه أن يكون أكثر شمولاً وموضوعية ومنطقية في طرحه.

حتى نكون واقعيين ومنطقيين مع المنتخب السعودي، علينا أن نؤكد أنك لست الوحيد الذي يعمل... لست الوحيد الذي يخطط... ولست الوحيد الذي يريد اللقب... بل لست الوحيد الذي يسعى للتأهل لنهائيات كأس العالم.

كرة القدم لا تخضع لمعايير القوة والاستراتيجيات والخطط دائماً... ولو كان ذلك صحيحاً لماذا فشلت اليابان في إحراز كأس آسيا منذ 2011 وهي الحاضرة دائماً في كل كأس عالم؟ والحال ذاتها لكوريا الجنوبية التي لم تشنق منتخبها لأنه لم يفز بكأس آسيا منذ عام 1960، والحال ذاتها لإيران الغائبة عن منصة التتويج الآسيوية منذ عام 1976، والقائمة تطول بمنتخبات أخرى أوروبية ولاتينية وأفريقية في بطولاتها القارية.

مانشيني الذي انتقد غياب اللاعبين السعوديين في الدوري السعودي، هو ذاته عام 2018 الذي انتقد غياب اللاعبين الإيطاليين في الدوري الإيطالي.

مانشيني بشخصيته القوية التي تضع اللاعبين في دائرة المحاسبة، هو نفسه الذي قال عن المثير بالوتيلي لو كان لاعباً بجوار المهاجم الأسمر لوجه له اللكمات في المران كل يوم في معرض رده على تصرفاته السلوكية السيئة، ورغم ذلك حينما درب إيطاليا اختاره! وقال تصريحه الشهير: «لا إيطاليا من دون بالوتيلي...»، هذه هي تصريحات المدربين غالباً، فكيف يتم التعاطي معها؟

مانشيني الذي قاد إيطاليا لتكون أول منتخب في العالم لا يخسر في 37 مباراة رسمية في تاريخ المنتخبات العالمية، هو نفسه الذي يواجه «التقليل» من كفاءته الفنية من «أنصاف المحللين واللاعبين والنقاد».

مانشيني الذي قاد مانشستر سيتي للفوز بالدوري الإنجليزي للمرة الأولى بعد انتظار 44 عاماً، هو ذاته الذي يواجه «حملات التسفيه والتشويه» بتاريخه التدريبي بـ«إصدار أحكام قطعية» على مسيرته مع الأخضر، فقط لأنه تولى التدريب لمباراتين أو خمس أو حتى 17 مباراة.

«عقلانية مانشيني» في تصريحاته الإعلامية عن حال المنتخب السعودي، وأهمية وجود اللاعبين المقاتلين، وأهمية الخبرة، هي نفسها التي قالها عن مانشستر سيتي عام 2013، حينما قال إن «الفريق لا يزال خلف الأندية الكبار في دوري أبطال أوروبا، وعليه الانتظار طويلاً حتى ينافس على اللقب».

لكي تعرف حقيقة قادة الانتقادات... اسأل من المقصود؟ ولماذا يفعلون ذلك؟ ولماذا هذا الضغط السلبي يزداد؟