♦ الملخص:
شاب لديه مشاكل نفسية وصحية؛ فقد حمَّل جسده عملًا بدنيًّا شاقًّا، أُصيب على إثره بمشاكل مزمنة في العمود الفقري، ثم أُصيب بدوالٍ في الخصية، ودهون على الكبد، وضعف في البصر، فهو يلوم نفسه على ما فعله بجسده، ويرى نفسه شيخًا كبيرًا لا شابًّا صغيرًا، ويسأل: ما النصيحة؟
♦ التفاصيل:
أنا شابٌّ في السابعة والعشرين من عمري، عندما كنت في سن الثامنة عشرة، كنت بصحة جيدة، أُدمن العادة السرية، والآن لديَّ مشاكل صحية ونفسية كثيرة، تفسد عليَّ تفكيري، عملت عملًا يتطلب مجهودًا بدنيًّا كبيرًا؛ لأنني في حاجة للمال، فأُصبت بمشاكل مزمنة في العمود الفقري، وتركت العمل، وبعد أربع سنوات أُصبت بدوالٍ في الخصية، ودهون على الكبد، وضعُف بصري، ألوم نفسي كثيرًا لأنني حمَّلت جسدي فوق ما يحتمل، وأراني شيخًا كبيرًا لا شابًّا صغيرًا، ولم أعُدْ أفكر في الزواج، ما النصيحة؟ وجزاكم الله خيرًا.
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين؛ سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:
فنشكرك على تواصلك معنا، وثقتك بنا، ونسأل الله أن يعافيك ويشفيك.
لا يخفى على أحد مدى تأثر حالتنا النفسية بحالتنا الجسدية والعكس، فلا تجد مريضًا سعيدًا، وهذا أمر طبيعي؛ لأن المرض يعوقه عن ممارسة حياته بشكل طبيعي، كما أن الحالة النفسية تؤثر في صحتك الجسدية؛ فقد أجرى مختصُّون على مرضى سرطان تجربة؛ إذ أحضروا مجموعتين من مرضى السرطان، متشابهتين في العدد والعمر، والجنس ودرجة المرض... وقدموا لكل مجموعة نفس العلاج بتغيير بسيط للمجموعة الثانية التي أضافوا لها الدعم النفسي، واهتموا بصحتهم النفسية، وبعد مضيِّ بضعة أشهر، وُجد أن أجساد المجموعة الثانية أكثر تفاعلًا وتقبلًا للعلاج مقارنة بالمجموعة الأولى، وهذا يدل على أهمية العناية بصحتنا النفسية حتى في مواجهة مرض مميت؛ لأن الأمل لا يُقطَع من الله سبحانه وتعالى.
إن لومك لذاتك ومعاتبتك لها عن شيء مضى لا يزيد إلا الطين بِلَّة، فكأنك تبكي على لبن قد سُكِب على الأرض، فلا تكون قادرًا على شربه، ولا على ملء كأس جديدة، فالماضي قد مضى ولن يعود، يجب أن نتعلم منه الدرس، ونستمر بالعيش في الحاضر الذي سيتحول غدًا إلى ماضٍ؛ لذا من الحكمة جعل حاضرنا ذكرى طيبة.
إن تراكم العلل يُنهِك النفس والبدن، والتركيز عليها يُضعِف العزيمة، ويُوقِعنا في شباك الحزن والهم، الذي استعاذ منهما سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، الذي علمنا أيضًا أن نستغفر الله إن أخطأنا، ونسأله التوبة عن زلَّاتنا؛ فقد ذكر في كتابه الشريف: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الأنفال: 33]، فالاستغفار منجٍّ لنا من البلاء بإذن الله، وما أنت فيه – أخي - امتحان قد مرَّ به الصالحون من قبلك، وعلى رأس القائمة سيدنا أيوب عليه السلام، فاطمئن واعلم أن الله معك، وكل هذا بأجره إن شاء الله.
وحتى لا تعلق في شباك الحزن والهم؛ عليك بالعمل، ونقصد هنا القيام بعمل يناسب حالتك الصحية، فالإنسان يستشعر قيمته بما صنعت يداه، فتفريج كرب شخص آخر، ولو بكلمة أو جبر خاطر يعتبر صنيعًا يزيدك عزيمة ورغبة في المواصلة، ابدأ الآن واكسِر قيود الهمِّ، وادعُ الله عز وجل أن يشفيك وجميع مرضى المسلمين.