ملخص
موضة أشرطة تعليق الهواتف المحمولة بين النساء وعلى رغم كونها عملية فإنها تسلط الضوء أيضاً على التفاوت بين الجنسين في عالم الموضة، وبخاصة الافتقار إلى الجيوب الوظيفية في ملابس النساء
عندما وصلت صديقتي إلى منزلي لتناول العشاء خلال الأسبوع الماضي بدت طبيعية جداً، بصرف النظر عن شيء واحد وهو الحبل الملون المعلق على جسمها والمربوط بهاتفها الجوال. نظرت عن قرب، هل هذا عقد طويل جداً؟ حقيبة يد رفيعة للغاية؟ لا. على ما يبدو أنه شريط للهاتف [فون ستراب]
واتضح أن الفكرة بسيطة جداً. تخيل قلادة طويلة يمكن ارتداؤها مثل حقيبة الكروس بودي، لكن لحمل هاتفك الجوال فحسب. وهذه موضة منتشرة خلال الوقت الحالي، فغالباً ما نرى عارضتي الأزياء الأميركيتين الشهيرتين جيجي حديد وكيندال جينر وهما ترتديان أساور الهاتف المرصعة بالخرز. وقد شقت هذه الأكسسوارات طريقها حتى إلى الصفوف الأمامية، فقد ارتدت نائبة رئيس الوزراء البريطانية أنجيلا راينر شريطاً للهاتف - وإن كان أكثر بساطة ومهنية - خلال اجتماع عقد في مقر الحكومة الشهر الماضي.
من الناحية العملية، قد يكون شريط الهاتف منطقياً جداً نظراً إلى أن متوسط وقت يقضيه الشخص العادي في المملكة المتحدة على هاتفه يتجاوز ثلاث ساعات ونصف الساعة يومياً، فلماذا لا نجعله جزءاً من ملابسنا؟ ولكن في الحقيقة لم تكن هذه الصيحة على الإطلاق مستوحاة من تعلقنا الشديد بأجهزتنا، لكنها مجرد وسيلة لتشتيت النساء ومنعهن من الانتباه لعدم وجود جيوب في ملابسهن.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
نادراً ما يتم تصميم ملابس النساء لأغراض عملية مما أزعجني معظم حياتي، ولهذا السبب أشعر بفرح كبير عندما أجد فستاناً أو تنورة تحوي جيوباً (أو أشعر بالغيرة عندما أرى رجلاً يتجول من دون حقيبة). وفي الواقع، معظم ملابسي ليس لها جيوب على الإطلاق. أحياناً، للوهلة الأولى قد تبدو قطعة ملابس وكأنها تحوي جيباً ليتضح أنه مجرد "جيب مزيف" لا فائدة منه على الإطلاق. أما بالنسبة لسراويل الجينز فإن جيوبها تتسع فقط لعلبة من العلكة. حتى وأنا أكتب هذه السطور فإن ملابسي بها جيب واحد عملي ولكنه غير كاف لحمل هاتفي. وإذا ما قارنا فإنه ليس هناك أي نقص في جيوب ملابس الرجال. على العكس تتم خياطة أكياس من القماش [الجيوب] بدقة في الجزءين الداخلي والخارجي من سترات البدلات. وعندما يتعلق الأمر بجيوب السراويل، فهي أكبر بكثير من جيوب السراويل النسائية.
إذا نظرنا إلى تاريخ الموضة سنجد من الواضح أن موضوع الجيوب سياسي. وقصة تطورهم - أو عدم وجودهم - في الملابس النسائية مرتبطة بالتمييز على أساس الجنس وعدم المساواة الاقتصادية، إذ كان من المتوقع عادة أن ترتدي النساء الملابس لأغراض متعلقة بالجمال بدلاً من الأسباب العملية.
لكن بالطبع كان على النساء أن يحملن بعض الحاجات حتى خلال القرن الـ17. لذلك ارتدت النساء أكياس جيب سرية قابلة للإزالة أسفل تنانيرهن. وبعض النساء استخدمتها لحفظ أو إخفاء بعض الأشياء ذات القيمة العاطفية مثل الرسائل أو الصور أو غيرهما من تذكارات الأحباء، وفقاً لمتحف فيكتوريا وألبرت. في حين أن أرشيف المتحف لا يحوي أدلة تذكر الأغراض التي حملتها النساء في هذه الحقائب، إلا أن سجلات الشرطة عن عمليات النشل تظهر أن النساء كن يحملن أغراضاً مفيدة مثل السكاكين الصغيرة أو القفازات أو أدوات الخياطة.
بحلول القرن الـ20، عندما أصبحت الفساتين متطابقة أكثر مع شكل الجسم فقدت أكياس الجيب شعبيتها تماماً. وفي حديث مع صحيفة "نيويورك تايمز" خلال العام الماضي أوضحت المحاضرة في تاريخ الموضة ومؤلفة كتاب "الجيوب: تاريخ حميم لكيفية إبقاء الأشياء قريبة"Pockets: An Intimate History of How We Keep Things Close هانا كارلسون أن عدداً من صانعي الملابس لم يرغبوا في خياطة جيوب في ملابس النساء لأنها تتداخل مع شكل الملابس، وبخاصة إذا كانت الجيوب ممتلئة. وذكرت كارلسون أن "الناشطة إليزابيث كادي ستانتون اضطرت إلى التوسل إلى خياطتها لصنع جيب لفستانها. وردت خياطتها بأن الجيوب ’ستجعلك منتفخة بصورة فظيعة!‘"، لكن القصة مختلفة عندما يتعلق الأمر بملابس الرجال. أصبحت الجيوب تقليدية عندما أصبح إنتاج البدلة آلياً خلال خمسينيات القرن الـ19. وأوضحت كارلسون أن الجيوب كانت مجرد "جزء بديهي من صنع ملابس الرجال".
إذا عدنا إلى الحاضر مع شريط الهاتف فائق الحداثة فمن السهل أن نرى سبب شعبيته بين النساء. لقد استفادت صناعة الأكسسوارات منذ فترة طويلة من افتقار ملابس النساء للجيوب، إذ يعزو عدد من مؤرخي الموضة ازدهار حقائب اليد خلال خمسينيات القرن الماضي إلى استقلال النساء في أعوام ما بعد الحرب وحقيقة أن النساء كان لديهن مزيد من الأغراض لحملها.
شريط الهاتف هو أكسسوار آخر يجني فوائد افتقار ملابس النساء للجيوب. وكذلك هو منتج منطقي بالنسبة لعصرنا الحالي، إذ إن كل ما قد نحتاج إليه أصبح الآن على هواتفنا. ويبدو بالفعل أن الماركات التجارية تستفيد منه أيضاً من خلال طرح قطع باهظة الثمن لمنتج هو في الأساس مجرد حبل. وعلى سبيل المثال، تبيع برادا غطاء للهاتف مرتبطاً بسلسلة معدنية مقابل 810 جنيهات استرلينية (نحو 1000 دولار)، وتبيع ميو ميو سلسلة مصنوعة من الجلد مقابل 480 جنيه استرليني (نحو 650 دولاراً)، أما منتج إيرميز فثمنه 1280 جنيهاً استرلينياً (نحو 1500 دولار).
ولكن في الحقيقة أياً يكن سعره فأنا لا أطيقه. في حين أن شريط الهاتف يساعدك على حمل أساساتك، لكنه يميل أيضاً إلى إفساد مظهرك. لقد جربت شريط الهاتف الملون الذي اشترته صديقتي وكان غير ملائم على الإطلاق. وأود أن أضيف أنه من المزعج جداً أيضاً أن يصطدم هاتفك بجسدك مراراً وتكراراً عندما تمشي بخطى سريعة نوعاً ما. أتوق إلى اليوم الذي سأتمكن فيه من مغادرة المنزل من دون حقيبة على الإطلاق وارتداء ملابس ذات جيوب قادرة على حمل هاتفي ومفاتيحي ومحفظتي، لكن هذه تمنيات.
أخبرتني صديقتي أنها اشترت شريط هاتفها حتى يرتبط هاتفها بها فعلياً أثناء سيرها واستخدامها له إذ شهدت منطقتها ارتفاعاً في سرقات الهواتف وبحسب شرطة العاصمة، كل ست دقائق يسرق هاتف واحد في لندن. وبدلاً من الجيوب قد يساعد شريط الهاتف على الحماية من النشالين الذين يتجولون على الدراجات في المدينة. ومن السخرية أن النساء أكثر عرضة للوقوع ضحية لسرقة الهواتف من الرجال، وفقاً لإحصاءات حكومية.
ومع ذلك، لست مقتنعة بأن الشريط قد يساعد بالفعل [على الحماية من السرقة]. ولاختبار ذلك، قررت أنا وصديقتي - بعد بضعة أكواب من النبيذ - أن نمثل عملية سرقة وهمية في غرفة المعيشة لنرى ما إذا كان هذا الأكسسوار قادراً على تحمل محاولات الشد. ارتديت الشريط ولعبت دور الضحية في هذا السيناريو الدرامي، ولعبت صديقتي التي تمارس الرياضة دور اللص. عندما سحبت هاتفي كان الحبل قوياً للغاية لدرجة أنني سحبت معه إلى الأسفل ووجدت نفسي على الأرض فجأة. من المؤكد أن اللص كان ليضحك علي ويبتعد مني؟
لكن هل تعلمون ما الذي قد يساعدني حقاً في حال حصول هذا السيناريو؟ الملابس ذات الجيوب الحقيقية. هل تسمعونني يا صانعي الموضة؟