شرعية قيس سعيّد تحت المنظار بعد الإقبال الضعيف على الانتخابات التونسية

منذ 1 سنة 199

بقلم:  يورونيوز  مع رويترز  •  آخر تحديث: 18/12/2022 - 14:54

شخص يدلي بصوته في الانتخابات التونسية

شخص يدلي بصوته في الانتخابات التونسية   -   حقوق النشر  AP Photo

قد تكون المشاركة المتدنية للغاية التي بلغت 8.8 بالمئة في الانتخابات البرلمانية التونسية لحظة حاسمة في الصراع بين الرئيس قيس سعيد ومعارضة متشرذمة لكنها واثقة بشكل متزايد تتهمه بالانقلاب.

ففي نظر المعارضة‭‭‭‬‬،‭‭‬‬‬‬ الانتخابات الأقل إقبالا على الإطلاق في تاريخ البلاد، حتى أقل من معدل التضخم البالغ 9.8 بالمئة، أزالت أي واجهة للشرعية الديمقراطية لمشروع سعيد السياسي وهي الآن تدعو بشكل مباشر إلى الإطاحة به.

والرئيس سعيد أمام خيارات محدودة: إما تجاهل النتائج وغض النظر عن ذلك أو السعي لاتفاق مع معارضين يصفهم بالخونة وأعداء الدولة من خلال مراجعة أجندته. لكن سعيد قد يتجه أيضا لتعزيز حكم الرجل الواحد بالقول إن التونسيين رفضوا فكرة البرلمان برمتها.

مع مواجهة تونس لأزمة اقتصادية وبينما توشك المالية العامة للدولة على الانهيار وتزايد الحاجة إلى خطة إنقاذ خارجية تتطلب تخفيضات ضخمة في الإنفاق العام، من المتوقع أن تزداد حدة التوتر السياسي على كل من سعيد وخصومه.

كانت انتخابات يوم السبت لاختيار هيئة تشريعية بلا مخالب في معظمها، وهي جزء من نظام سياسي فرضه سعيد منذ أن سيطر على معظم السلطات وأغلق البرلمان السابق في يوليو تموز 2021.

واعتمد مشروعه لإعادة تشكيل النظام السياسي على الشرعية الشعبية التي لاحت من فوز ساحق في انتخابات 2019 ضد قطب إعلامي يواجه تهما بالفساد واحتفالات عفوية في الشوارع عندما أغلق البرلمان.

بحسب سعيد، لم تكن تحركاته قانونية فحسب، بل كانت ضرورية لإنقاذ تونس من أزمة وطنية رهيبة خلقها القادة السياسيون أنفسهم الذين يشكلون الآن المعارضة الرئيسية.

ومع ذلك، عندما كتب دستورا جديدا بنفسه هذا العام وطرحه للاستفتاء، شارك حوالي 30 بالمئة فقط من الناخبين المؤهلين. وعزز الإقبال الضعيف يوم السبت إلى حد كبير التصور أن الدعم الشعبي لخططه منخفض.

قال أحمد إدريس، مدير معهد تونس للسياسة لرويترز "بعد امتناع أكثر من 90 بالمئة من التونسيين عن التصويت، لا شك في أن مشروع سعيد قد رُفض إلى حد كبير. الآن الخيارات محدودة لرئيس لم يعد بإمكانه أن يغني باستمرار عن الشرعية بالطريقة التي اعتاد عليها".

وأضاف "إما استخلاص الدرس والدعوة لانتخابات رئاسية وبرلمانية جديدة قد تفتح صفحة جديدة في تاريخ البلاد... أو المضي قدما في برنامجه وكأن شيئا لم يكن وهو ما قد يعمق الأزمة بشكل كبير جدا".

ورجح إدريس أن يمضي الرئيس قدما في خططه لكنه قال إن ذلك "ينطوي على مخاطرة أكبر بكثير هذه المرة وقد يجعل أي اتفاق لتونس بما فيها مع صندوق النقد لاغيا... لأن غياب الشرعية سيكون له تداعيات محلية ودولية".

وبصفته سياسيا مستقلا، يفتقر سعيد إلى الدعم الوطني من جهاز حزبي يمكنه التعبئة لصالحه ويقول أنصاره إنه الوحيد الذي يحارب ماكينات الإعلام ورجال الأعمال. كما أنه أبعد الحلفاء المحتملين، مثل اتحاد الشغل صاحب التأثير القوي، من خلال رفضه إدراجهم في خططه وتمسكه بخطط فردية شعارها "الشعب يريد".

ويبقى سؤال مفتوح إلى أي مدى يمكن أن يعتمد على الجهات الأمنية أو العسكرية في مساندته إذا استفحلت الأزمة السياسية؟

وتاريخيا نأى الجيش بنفسه عن أي دور سياسي في البلد بينما لم يستعمل حتى الآن سعيد القوات الأمنية في حملة كبيرة على معارضيه.

المعارضة المشتتة

المعارضة السياسية، رغم أنها مدعومة بما تقول إنه رفض لسعيد في انتخابات السبت، لديها معضلات تبدو مزمنة.

فالعديد من قادتها لا يتمتعون بشعبية بسبب الشلل السياسي والركود الاقتصادي واتهامات شعبية لهم بخدمة مصالح ذاتية فقط عندما كانوا في الحكومة. وهي منقسمة بين أحزاب تزدري بعضها البعض بقدر رفضها لسعيد.

ولم تُظهر قدرة عالية على تعبئة الاحتجاجات الجماهيرية في الشوارع التي تقول إنها تؤيدها.

وقال بائع خضراوات اسمه سالم عون يوم الأحد إن المشاركة المتدنية يوم السبت "لم تكن انتصارا للمعارضة بل هي هزيمة مدوية لسعيد"، مضيفا "ألم يحن الوقت ليتوحد كل التونسيين... المركب يغرق بنا جميعا".

ومع ذلك، يشعر خصوم سعيد بتقدم على حسابه. وقال تحالف المعارضة الرئيسي (جبهة الخلاص الوطني) مساء يوم السبت، للمرة الأولى بشكل علني ومباشر إن رئاسته لم تعد شرعية، ودعت إلى إجراء انتخابات لتحل محله. وقال الحزب الدستوري الحر المعارض الذي يحظى بشعبية واسعة نفس الشيء، داعيا إلى اعلان شغور منصب الرئيس.

في غضون ذلك، من المرجح أن الأحداث مدفوعة بأزمة اقتصادية ملتهبة في تونس.

وتحذر وكالات التصنيف ائتماني من إمكانية تخلف الحكومة عن سداد الديون السيادية وهو أمر قد يتسبب على الفور في معاناة هائلة وقد يثير غضبا شديدا في الأوساط الشعبية.

ومن المحتمل أن يتطلب تجنب تلك الكارثة خطة إنقاذ دولية من خلال صفقة تتفاوض بشأنها الحكومة مع صندوق النقد الدولي.

لكن لوضع اللمسات الأخيرة على الصفقة، يجب على الحكومة أن تظهر أن بإمكانها إجراء تخفيضات في الإنفاق العام قد تجعل التونسيين الفقراء على الأقل في المدى القصير أكثر فقرا.

تقول لمياء الغربي التي كانت تنتظر دورها في طابور صغير أمام مخبز بالعاصمة تونس "نحن همنا الخبز والحليب... السياسة أصبحت رفاهية لا نستطيع تحملها".

وفشلت الحكومات الائتلافية المتعاقبة في إيجاد حل للمالية العامة يمكن أن يرضي المقرضين دون إثارة ردود فعل محلية غير قابلة للرد.

بينما يتجرع أنصار سعيد مرارة انتخابات برلمانية صادمة، يتوقع أن تكون أي خطوات اقتصادية اجتماعية مؤلمة مقبلة اختبارا لمتانة شعبية لطالما كانت ذخيرته المدجج بها في مواجهة خصومه.