أفرزت الحاجة إلى تأمين الخصوصية في حفلات الزفاف والأعراس في المغرب، إلى "ابتداع" مهنة جديدة تمثّلت بتشكيل فرقة نسائية توكل لها مهمة منع التصوير داخل الأعراس، وانتشرت، في الأيام الأخيرة، أخبار وصور فرقة نسائية متخصصة في منع التصوير بالأعراس في مدينة مرتيل شمال المغرب، وهي "مهنة جديدة" قابلتها مواقف عدة تباينت بين مؤيدة وداعمة وأخرى رافضة ومتهكمة.
التصوير: متعة أم متاعب؟
ولا تكاد تخلو الأعراس النسائية في المغرب من استخدام الهواتف إما لتصوير مجريات العرس، أو لتصوير رقص الحاضرات والمدعوات إلى الحفل، وهي الصور التي تصل أحياناً كثيرة إلى مواقع التواصل الاجتماعي، وقد تسبب مشكلات أسرية معقدة.
تقول جميلة برانسيس، متعهدة ومنظمة حفلات الزفاف بالرباط، إن العرس هو حفل للبهجة والفرح والمرح أيضاً، "وهو مناسبة لا تقام كل يوم في حياة الأسرة، بالتالي يتعيّن اغتنام مثل هذه المناسبات بكل تفاصيلها السعيدة". وتابعت أنها "لا ترى التصوير بالهاتف في الأعراس المغربية شيئاً مضراً أو مؤذياً، بل هو تعبير نسائي عن الفرح والاستمتاع بأجواء العرس المغربي الذي غالباً ما يضمّ أغاني راقصة، وترغب الحاضرات والمدعوات توثيقه بالتصوير عبر الهواتف".
وبخلاف هذه المنظمة لحفلات الزفاف، أكد الباحث الاجتماعي في الشأن الأسري عمر السماط أن حفل الزفاف هو مناسبة عائلية واجتماعية تستحق العناية بأدق تفاصيلها "بحكم عملي في الشأن الأسري صادفت أكثر من مرة حالات أزواج وصلوا إلى حدّ الطلاق، وآخرون تشاحنوا وتعاركوا، بسبب صور فيديو تم التقاطها في عرس ما، وتم بثها في مواقع التواصل الاجتماعي". وأضاف "يقع أحياناً أن زوجاً ما يكون غيوراً جداً، أو يكون قد اشترط على زوجته أو ابنته عدم الرقص في حفل الزفاف إذا أرادت حضوره، فيحصل أن تحضر ويتم تصويرها في أوضاع راقصة، الشيء الذي يثير غيظ الزوج وغضبه".
تأمين الزفاف
ويبدو أن تفادي هذه المشكلات التي تعيشها الأسر أحياناً بسبب تداعيات التصوير بالهواتف في حفلات الزفاف والأعراس المغربية، هو الذي دفع "فرقة أمل" بمدينة مرتيل شمال البلاد إلى توظيف "كتيبة" مهمتها الرئيسة والوحيدة منع الحاضرات بشكل كامل من تصوير العرس، وقابل هذه "المهنة الجديدة" معلقون أشادوا بالخطوة في ظل فرط استعمال الهواتف لتصوير كل صغيرة وكبيرة في حفلات الزفاف، الشيء الذي صار ينغّص أحياناً على المدعوات والحاضرات لحظات الاستمتاع والعفوية.
وتقول إحدى العاملات في هذه المهنة الجديدة "إنها مسؤولية كبيرة تلقى على عاتقها من أجل تأمين حفل العرس من ناحية عدم تصويره بالهواتف الذكية"، مبرزة أنه "بهذه الطريقة يمكن تجنب الكثير من المشكلات التي قد تقع جراء نشر وترويج الصور والفيديوهات في مواقع التواصل".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعن حدود هذه "المهنة الجديدة"، أفادت بأن الأمر يتعلق بصاحب أو صاحبة حفل الزفاف، إذ "يتصل طلباً لتأمين حفل الزفاف من تلصص الهواتف"، مضيفة أنه "بعد أن تعطى للحاضرات فرصة التقاط صور شخصية قبل ظهور العروس، يمنع بعدها منعاً كلياً التقاط الصور، بسحب هذه الهواتف من الحاضرات".
ويرى معلقون أن "مثل هذه المهنة الجديدة ستحول حفلات الزفاف إلى أعراس سعيدة وممتعة يمكن للنساء الاستمتاع بها، والغناء والرقص فيها كما يحلو لهنّ من دون الخشية من تسريب صور خاصة إلى العالم الافتراضي".
"فاغنر"؟
في المقابل، انطلقت موجة رفض وسخرية وتهكم من عمل هذه الفرقة النسائية التي تختص فقط بمنع التصوير بالهواتف في حفلات الزفاف، وذلك لدواع وأسباب مختلفة، ووصف البعض المشتغلات بهذه المهمة داخل الأعراس بـ"فاغنر" حفلات الزفاف، في إشارة إلى المجموعة العسكرية الروسية المعروفة، وذلك تلميحاً إلى استعمال الصرامة داخل فضاء يتطلب الاسترخاء والاستمتاع أكثر من الخضوع للتعليمات والتوجيهات، وتبعاً لهؤلاء، فإن انتشار مثل هذه المجموعات التي تمنع التصوير بالهواتف داخل الأعراس يجهض المرح والعفوية داخل العرس، ويحوله إلى مجرد وليمة من دون طعم، الشيء الذي يحرم هاويات التصوير من ممارسة هواياتهنّ، ووفق الرافضين أنفسهم، فإن مهنة هذه "الكتيبة النسائية" التي تقوم بمنع التصوير داخل الأعراس، بطلب من أصحاب العرس، قد تخرق أحد الحقوق الفردية متمثلة في الحرية داخل فضاء عام، مع احترام خصوصيات الآخرين وعدم تصويرهم من دون إذن منهم.
وتوقع آخرون أن يؤول مصير هذه "المهنة الجديدة" إلى الفشل وعدم الاستمرارية بالنظر إلى صعوبة ضبط حاضري العرس وإقناعهم بعدم التصوير، الأمر الذي قد يخلق مشكلات تواصلية بين المدعوات وبين منظمي الزفاف، ووفق الرافضين أيضاً، سيكون من الصعب على "الكتيبة النسائية الأمنية" الإحاطة بجميع التفاصيل ومنع التصوير بشكل نهائي.