شخصيات رمضان الكارتونية في أحضان النوستاليجا

منذ 1 سنة 150

ما الذي يحرّك ارتباطنا المتنامي بالشخصيات الكارتونية، بخاصة تلك التي ترافق ظهورها الأول مع موسم شهر رمضان؟ هل هي النوستالجيا فقط أم أنها بالفعل جاءت ضمن أعمال على درجة عالية من التميز جعلتها عصية على الاندثار؟! وما الذي يفسر ارتباط الكبار بها في بعض الأوقات أكثر من الأجيال الأصغر بالعمر؟ على الرغم من أنها في المعتاد موجهة إلى الأطفال، سواء فيما يتعلق بأفكارها والموضوعات التي تناقشها وطريقة تصميمها كذلك.

لكن، الحقيقة أن الشخصيات الكارتونية وشخصيات العرائس، بخاصة تلك التي برزت مع حقبتي الثمانينيات والتسعينيات حملت كثيراً من معايير الجودة، ولم تكن ساذجة، أو تحمل استسهالاً، وكانت ابنة مجتمعها، بالتالي امتد تأثيرها على مدى عقود، وأصبح صنع أعمال معاصرة جديدة تنافسها أمراً شديد الصعوبة.

لكن من المؤكد أن تلك الحصانة التي تتمتع بها بعض الأعمال الرمضانية التي تقوم ببطولتها شخصيات خيالية سواء كانت دُمى أو رسوماً متحركة نابع من فكرة الحنين إلى الماضي، التي هي بمثابة سند قوي للغاية للحفاظ على مكانتها كما هي، بل إنها في نظر البعض تزداد بريقاً كلما مرت السنوات، وكلما زاد التطور التكنولوجي الذي يظهر جلياً إما في شكل تصميم الشخصيات، أو في طبيعة الأفكار التي يجري طرحها بها، إذ إنها تمثل لهم معلماً أساسياً على مائدة رمضان الفنية، يضاهي تفاصيل رمضانية أخرى وثيقة الصلة بهذا الشهر مثل الفوانيس والكنافة والمسحراتي.

تقنيات فقيرة ونجاح عابر للأجيال

بداية الثمانينيات كانت هي الحقبة الذهبية لانطلاق أكثر من شخصية طفولية مرتبطة بشهر رمضان، التي تنشط مبيعات مجسماتها بشكل ملحوظ مع كل موسم رمضان، حيث شهدت الأعمال الفنية حينها طفرة في تقديم تلك النوعية، وبخلاف فوازير "جدو عبده" و"عمو فؤاد"، كان الجمهور ينتظر بلهفة حلقات "فطوطة وسمورة" و"بوجي وطمطم"، فالأول انطلق عرضه في عام 1982، والثاني بعدها بعام، وكانت تتميز شخصية فطوطة باللهجة الغريبة وبملابس تجعلها أقرب إلى عالم الكاريكاتير، وقدمها الفنان الراحل سمير غانم بطريقة لافتة للأنظار، حيث جرى تصغير شخصيته بفعل التقنيات المتاحة حينها، وارتبط ظهور فطوطة في الأذهان بالبدلة الخضراء الواسعة والحذاء الأصفر الضخم، وبالتصرفات الغريبة، وكانت مصدراً للإضحاك والتسلية، وظلت عدة مواسم رمضانية تعرض بنجاح.

لكن، حينما أعيد تقديم الفوازير نفسها بنفس البطل في عام 2010 وإحيائها بتقنيات أكثر حداثة لم تحقق النجاح المطلوب، وهو ما يعني أن الجمهور ارتبط بشكلها التقليدي رغم فقر التقنيات ورفض أي تعديلات عليها، ومن المعروف أن تلك الفوازير كانت مقدمة للكبار والصغار على السواء.

وفي عام 1983 كان الأطفال على مع عرائس "بوجي وطمطم" الذي كان يعرض عادة مع موعد الإفطار، ولمدة دقائق كان يعيش الصغار مع ذويهم قصص ممتعة مرتبطة بموضوعات تهم أبناء هذا الجيل وبسلوكيات وقيم يحاول العمل ترسيخها، والشخصيات كانت عبارة عن دُمى بأشكال حيوانات خيالية، مثل الأرانب والقرود.

وأيضاً كانت هناك أدوار بشرية عادية، لكن كان للدمى التي ابتكرها المخرج والمصمم محمود رحمي حضوراً وشعبية، وبينها العم شكشك وطمطم وبوجي وطنط شفيقة ومرمر وزيزي وزيكا وغيرهم، كما أن الدورين الرئيسيين قام بالأداء الصوتي لهما يونس شلبي وهالة فاخر، ولم تنجح محاولة إعادة إحياء العمل أيضاً عام 2009 حينما جرى تقديمه بشكل أكثر حداثة بصوت الممثل محمد شاهين والممثلة إيمي سمير غانم.

أرشيف الذاكرة

الارتباط بتلك الأعمال ومعها الفوازير الشهيرة لنيللي وشريهان تتزايد وتيرته كلما مرت الأعوام، وعلى الأغلب يكون محبوه هم من تربوا عليه وهم الآن آباء وأجداد، وبينهم علي شريف، وهو في أوائل الأربعينيات، حيث يؤكد أنه يقضي أفضل ساعات اليوم وهو يشاهد قناة "ماسبيرو زمان" التي لديها أجندة مميزة للغاية بخاصة خلال شهر رمضان، حيث تعرض أبرز الأعمال التي تربى عليها في صباه. لافتاً إلى أن بعض منها يرحب أطفاله بمشاهدتها معه بالفعل، وإن كانوا يستغربون من عدم وجود هواتف محمولة، وأي حديث عن الإنترنت في سياق أحداثها، لكنهم يجدون فيها شيئاً ممتعاً مع ذلك، حيث يسمي تلك الفقرة من النهار "فقرة الذكريات"، ورغم ذلك يشدد على أن ارتباطه بتلك البرامج والمسلسلات ليست من باب استعادة الطفولة فقط، لكنها في رأيه كانت على قدر عال من الجودة، وتحمل تسلية وأفكاراً ذكية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى ذكر قناة ماسبيرو زمان المعنية بعرض أرشيف التلفزيون المصري القديم، يشير الناقد طارق الشناوي إلى أن الجمهور بمختلف أعماره، لاسيما الكبار لا يزالون يعيشون على ذكريات مسلسلات الأطفال القديمة، لأنها كانت مصنوعة بشكل متكامل وأصيل. مشدداً على أن تلك الشاشة التي تعرض تلك الأعمال من حين إلى آخر تشهد متابعة جيدة للغاية، وتحقق نجاحاً كبيراً.

ويتابع الشناوي أنه ربما هناك إمكانات تكنولوجية أكبر في الوقت الحالي لتقديم أعمال كارتونية وأخرى تعتمد على العرائس تلائم الأطفال وترتبط بمواسم درامية بعينها وأبرزها شهر رمضان، لكن أيضاً يجب أن تتوافر عوامل أخرى، مثل الرغبة الحقيقية في المغامرة، وفي صنع فكرة أصيلة تكون قادرة على جذب الجمهور في ظل عالم مليء بالوسائط، وأن يكون هناك رسامون مؤهلون لابتكار شخصيات يمكنها أن تعيش طويلاً.

ما يقوله الشناوي ينطبق على عدة أعمال كارتونية عرضت على مدار السنوات القليلة الماضية، لكنها لم تعرف كيف تجذب الأطفال لعالمها، رغم صورتها المبهرة وميزانيتها الكبيرة.

تجارب ناجحة

بعد الثمانينيات، جاء الموعد مع أعمال كارتون مرتبطة بشهر رمضان أكثر تطوراً انطلقت في فترة التسعينيات وبينها المسلسل السعودي الشهير "بابا فرحان" الذي حقق شهرة كاسحة في منطقة الخليج العربي، وكان العمل الأول للأطفال على مائدة الصيام منذ عام 1992 وحتى آخر مواسمه الـ13 في 2004، وانبثقت منه أعمال عدة فيما بعد شكّلت عدة عروض مسرحية ناجحة، حيث دارت أحداثه في عالم من المغامرة والتشويق وشارك في الأداء الصوتي به نجوم من مختلف الدول العربية، وكان قائماً عليه النجم خالد الحربي، فيما حملت أبرز شخصياته أسماء "بابا فرحان ـ دو سرحان ـ الدبة سمورة ـ البقرة أم الخير".

وبعد "بابا فرحان" كانت هناك محاولات خليجية مختلفة لتقديم عمل رمضاني يتعلق به الصغار، ومن بينها "قطعة 13" الكويتي، "مزنة فاميلي"، و"حارة أبو حديجان"، و"يوميات مناحي"، وهي أعمال سعودية، كما حقق المسلسل الإماراتي "فريج" نجاحاً وتأثيراً على مدار عدة مواسم، وهي أعمال حديثة نسبياً.

ومنذ نهاية التسعينيات وبداية الألفية الثالثة انطلقت في مصر أيضاً مجموعة جديدة من المحاولات التي كانت تطمح لأن تترسخ في الذاكرة الرمضانية وبينها "المغامرون الخمسة"، و"ظاظا وجرجير"، و"بكار" والأخير أكثرها نجاحاً واستمرارية، حيث بدأ عام 1998، وقدمت منه أجزاء عدة، وتميز بفكرته المبتكرة للسيناريست عمرو سمير عاطف، فالبطل صبي نوبي من جنوب مصر يعشق وطنه ويعيش مغامرات مسلية، ومعه يتعرف الأطفال على معالم البلاد، وتميز البطل بأسلوب ملابسه المختلف، وتحيته الشهيرة "هاي أصحابي". كما أسهمت أغنية التيتر التي يؤديها الفنان محمد منير في نجاح العمل على مدار مواسمه.

كما نجح أيضاً بعدها بسنوات محمد هنيدي في الكارتون الرمضاني "سوبر هنيدي"، وأيضا حنان ترك وصلاح عبد الله في "بسنت ودياسطي"، وسامح حسين في "القبطان عزوز"، لكنها كانت تجارب أقصر عمراً رغم شعبيتها إبان عرضها.

مفاجأة فنانيس

وإن كانت كل هذه مسلسلات ذات حلقات متتابعة وقصة معينة يتعلق بها المشاهد الصغير والكبير، فإن هناك تجربة مختلفة تماماً تمثلت في "فنانيس" إم بي سي التي تعرض كمجرد فواصل بين الفقرات الدرامية والبرامجية، لكن ارتباطها برمضان وكذلك الأعياد جعلها ضمن معالم تلك المناسبات، وحققت شهرة وشعبية وأصبحت شخصياتها المرحة معروفة بين كل الأعمار، حيث بدأت الفكرة منذ عام 2014 تقريباً، ولا تزال مستمرة حتى الآن، ويزداد عدد الشخصيات عاماً بعد آخر، حتى وصلت إلى سبعة، فيما البداية كانت بشخص واحد هو الرجل الكهل الذي يرتدي ملابس تشبه ملابس السلاطين العرب في العصور القديمة، لتتوالى الإبداعات التي تعلق بها مشاهدو الشبكة، حيث ظهرت فيما بعد شخصيات مثل البدين المحبوب، والفتاة الصغيرة، والمصارع، والموسيقار، وغيرها.

وبحسب ما يؤكد الفنان إسلام أبو شادي، وهو رسام ومؤسس استديو جامب أنيمشن، وشارك في تصميم الشخصيات، أن المشروع حينما بدأ لم يكن له اسم محدد، حيث جرى إطلاق "فنانيس" عليه في مرحلة تالية. لافتاً إلى أن المهمة في بادئ الأمر تمثلت في البحث عن أفكار لتقديم شخصيات جديدة غير مملة، ولم يكن مخططاً أن تحقق كل تلك الجماهيرية، مشيراً إلى أنه شارك وأكثر من فنان آخر في هذا العمل، بينهم أحمد عبد الوارث وعمرو شعلان، حيث يشدد على أنهم جزء من سلسلة عمل طويلة.

ويتابع أبو شادي، "الأعمال الكارتونية ثلاثية الأبعاد تمر بمراحل متعددة، بدءاً من رسم الشخصيات على الورق، ثم من يصنع لها تكوينها ويحركها ويختار لها نوع الإضاءة"، مؤكداً أن التجربة كانت مميزة للغاية، ويعتبر أن نجاحها وانتشارها الكبير يعود إلى التوفيق أولاً، ولأنها جمعت عوامل التكامل من مصممين ورسامين ومتخصصي التحريك والإضاءة والإخراج والإنتاج السخي، وأيضاً عرضها على مجموعة قنوات ذات شعبية مثل "إم بي سي".أما الناقد طارق الشناوي فيختتم كلامه بتبرير عزوف كثير من المنتجين عن محاولات صنع شخصيات طفولية جديدة ترتبط بموسم العرض الرمضاني، على الرغم من التعطش الشديد لهذا العالم بأن تكلفة هذا النوع من الإنتاجات تكون كبيرة للغاية، بالتالي أغلب المعنيين بالعملية الإنتاجية يختارون التركيز في نوعيات أعمال "مضمونة" ومعتادة، كما أنه كانت هناك أكثر من محاولة أثبتت عدم نجاحها، بالتالي لم يعد هذا المجال جاذباً للأكثرية.