تحدث الطبيب صهيب الهمص عن الوضع الصحي " الكارثي"، واصفاً إياه بانه "خارج عن السيطرة تماماً".
يلازم غرفة العمليات ليلاً ونهاراً، مُتعب، لدرجة أنه لا يستطيع فتح عينيه، متوتر، لكنه لا يستطيع مغادرتها. وغالباً ما تهز أصوات القذائف المدوية نوافذ المستشفى الذي يديره في جنوب قطاع غزة.
لكن أسوأ الأصوات، يقول الهمص، هي التي تنبعث من داخل المستشفى الكويتي، حيث تتعالى صرخات أطفال بلا آباء، أصيبوا بجروح خطيرة وآخرين، أدركوا أنهم فقدوا أحد أطرافهم.
لقد عرّضته الحرب في غزة، التي تدخل يومها الـ 100، الأحد 14 كانون الثاني، هو والعاملين معه وشعب غزة مخاطر ومآسي مرعبة لم يسبق لها مثيل.
ووصف الهمص (35 عاماً) ما يحدث في غزة قائلاً : "هذه كارثة أكبر منا جميعاً".
والمستشفى الذي يعمل فيه، والذي تبرعت به الحكومة الكويتية ومولته، هو واحد من اثنين في مدينة رفح. مع أربعة أسرة فقط للعناية المركزة قبل الحرب، يستقبل الآن حوالي 1500 جريح يومياً، ويموت ما لا يقل عن 50 شخصاً يومياً عند وصولهم، بالغون وأطفال بأطراف مزقتها الشظايا وأجساد متكسرة وجروح مكشوفة وعظام ممزقة.
ولإفساح المجال للتدفق اليومي لجرحى الحرب، قام الهمص بحشر عشرات الأسرة الإضافية في وحدة العناية المركزة. وأخلاء الصيدلية، التي كانت شبه فارغة، منذ أن قطع الحصار الإسرائيلي للمستشفى الخطوط الحيوية ومعظم الأدوية. ومع ذلك، لا يزال المرضى يفترشون أرضياتها.
وقال الهمص، وهو طبيب مسالك بولية وأب لثلاثة أطفال، والذي شهد التغيير المذهل الذي طرأ على مدينته والمستشفى على مدار الحرب: "الوضع خارج عن السيطرة تماماً".
مدينة رفح الواقعة أقصى جنوب القطاع على الحدود مع مصر، هي الآن نقطة اشتعال في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، حيث دُمرت الأبراج السكنية وتحولت إلى أنقاض. وأدت أوامر الإخلاء الإسرائيلية والهجوم الموسع إلى زيادة عدد سكان رفح من 280 ألفاً إلى 1.4 مليون نسمة، حيث يتكدس مئات الآلاف من الفلسطينيين في خيام بالية تخنق الشوارع.
يومياً، يقضي معظم الأشخاص ساعات بحثاً عن الطعام، وينتظرون في طوابير بلا حراك خارج مراكز توزيع المساعدات، وأحيانا، يقطعون العديد من الكيلومترات سيراً على الأقدام لجلب الفاصوليا المعلبة والأرز.
لقد تغيرت الوجوه التي يراها حول المدينة أيضاً، مع استمرار الحرب التي تشنها، ويقول الهمص إن الخوف والتوتر يتركان آثارهما على ملامح زملائه، بينما ويلطخ الدم والغبار وجوه الجرحى القادمين.
يقول الهمص: "يمكنكم رؤية الإرهاق والعصبية والجوع على وجوه الجميع". "إنه مكان غريب الآن. إنها ليست المدينة التي أعرفها."
وصلت شاحنات المساعدات عبر معبر رفح الحدودي مع مصر، لكن مسؤولي الإغاثة يقولون إن هذا ليس كافيا لتلبية الاحتياجات المتزايدة للجيب المحاصر. وفي ظل غياب المعدات الحيوية، استخدم الطاقم الطبي براعتهم لتحقيق أهداف جديدة. الهمص يكسو جروح المرضى بالأكفان.
وقال: "كل يوم يموت الناس أمام عيني لأنه ليس لدي دواء أو مرهم حروق أو لوازم لمساعدتهم".
من الصعب عليه أن يتحدث عن كل ما رآه، لكن الصور هي التي تقوم بهذا عضواً عنه : النظرات الفارغة لصبي نجا من غارة قتلت عائلته بأكملها، وطفل حديث الولادة تم إنقاذه من رحم أمه المتوفاة.
" كيف سيستمرون؟ يقول الهمص: "لم يبق لهم أحد في هذا العالم". ويتجه تفكيره إلى أطفاله، جينا 12 عاماً، وحلا 8 أعوام، وحذيفة البالغ من العمر 7 أعوام، الذين يحتمون في شقة جدتهم في رفح. يراهم مرة واحدة في الأسبوع، أيام الخميس، عندما يأتون إلى المستشفى ليعانقوه. هو لم يذهب إلى البيت منذ بدء الحرب، حتى في أيام الهدنة.
وأضاف: "أنا خائف عليهم".
قُتل عدد من زملائه الأطباء والممرضين في منازلهم أو في طريقهم إلى العمل بسبب القصف. كما يؤكد مقتل العديد من طلاب الطب في الجامعة الإسلامية بغزة حيث يدرس.
وعندما سئل عن شعوره، أجاب قائلاً "إنها إرادة الله".
وأردف : "في نهاية الأمر، سنموت جميعاً، فلماذا نخاف من ذلك؟ ليس لدينا خيار سوى محاولة العيش بكرامة، ومساعدة من نستطيع ".