ويُعد مون سان ميشال الوجهة الأكثر استقطاباً للسياح بعد باريس، لكنّ صيت الزحمة الذي تكوّن عنه يجذب الزوار بقدر ما يخيفهم ويشكل عنصراً رادعاً لهم. فالموقع الشهير في منطقة نورماندي في شمال غرب فرنسا والذي يحتفل بالعام الألف لكنيسة ديره، يجذب نحو ثلاثة ملايين زائر كل سنة، من بينهم مليون صيفاً.
يشهد موقع مون سان ميشال السياحي في فرنسا إقبالاً كثيفاً قبل الظهر، في حين تخلو الأزقّة تقريباً عصراً، ما دفع إدارته إلى السعي لتنظيم أفضل لتدفق السياح، باتخاذها "تدابير تحفيزية" كإتاحة رَكن السيارات في المواقف مساءً بأسعار أدنى وحتى مجاناً.
وشهد الموقع الذي تقلّ مساحته عن أربعة كيلومترات مربعة في 18 آب/أغسطس 2022 أكبر إقبال من الزوار خلال الموسم، إذ بلغ عددهم 36 ألفاً في يوم واحد.
وينظّم معظم هؤلاء السياح زياراتهم بالطريقة نفسها، فيصلون قبل ساعة الظهيرة، ثم يتناولون الغداء في مطعم أو في الهواء الطلق، وبعد ذلك يزورون الموقع، ويعودون إلى منازلهم أو مكان إقامتهم بعد الظهر.
ويَنجم عن هذا النمط "التقليدي" اكتظاظ الموقع بين العاشرة صباحاً والرابعة بعد الظهر، فتصبح الزحمة فيه أشبه بتلك التي تشهدها محطات المترو في ساعات الذروة، مما يجعل بعض الراغبين في زيارة الموقع يُحجمون عن مشروعهم، إذ لا يخطر ببالهم أن هذه المدينة التي لا يتجاوز عدد الغرف الفندقية فيها داخل أسوار الموقع 132 فحسب، تكاد تكون مقفرة في المساء.
وسعياً إلى معالجة هذا الواقع، تعتزم المؤسسة العامة المسؤولة عن مون سان ميشال اتخاذ عدد من "التدابير التحفيزية" اعتباراً من الصيف الراهن، يدخل بعضها حيّز التنفيذ الشهر المقبل.
وأوضح مدير المؤسسة توما فيلتر لوكالة فرانس برس أن "الإجراء الأول تواصليّ، ويتمثل في تشجيع الزائرين من خلال الشبكات الاجتماعية ووسائل الإعلام على الحضور قبل الساعة العاشرة صباحاً وبعد الساعة الرابعة بعد الظهر". واضاف "قبل وبعد هو ما نطلق عليه تسمية +جناحَي+ اليوم، حين يكون عدد أقل من الأشخاص موجوداً".
وشرح أيضاً أن بين الإجراءات التنظيمية ما هو لوجستي وتقني، كزيادة عدد الحافلات المكوكية، وسوى ذلك من التدابير المحفزة، كرَكن السيارات في المواقف مجاناً اعتباراً من الساعة السادسة والنصف مساءً خلال عشرة أشهر من السنة، باستثناء تموز/يوليو وآب/أغسطس".
وأفاد فيلتر بأن المؤسسة تحاول "تسهيل الحضور في أوقات أخرى من العام" لأن 30 في المئة من السياح أصبحوا اليوم يأتون في الصيف. وأشار إلى أن ذروة الزيارات "تقتصر على 4,5 في المئة من أيام السنة الـ365، أما في ما تبقى فمون سان ميشال مكان للهدوء والتأمل".
وستوفر المؤسسة نظام حجز عبر الإنترنت لمواقف السيارات خلال "جناحَي" اليوم بتكلفة تشجيعية لا تتجاوز 17 يورو، في حين أن التكلفة تبلغ 25 يورو من دون حجز. وسيُعلن من خلال إعلانات على الطرق السريعة وعبر تطبيق Waze عن مرحلة تجريبية لهذه التدابير من 9 إلى 31 آب/أغسطس.
ونصح مدير متجر "ليه مويت" إيمانويل كونان السياح بالوصول "في وقت مبكر، لكي يكونوا أول من يصعد إلى الدير، من دون ازدحام مروري".
وأضاف "بعد ذلك، ستسيّر حافلات مكوكية طوال اليوم، بحيث يأتي الأشخاص بانتظام، وهذه الحافلات توصل الزوار وتعيدهم ثم توصل غيرهم وهكذا دواليك". وذكّر بأن "الناس كانوا يصلون جميعاً في الوقت نفسه عندما لم يكن هذا النظام المكوكي موجوداً، أما الآن فأصبح الأمر منظماً".
وبدا أن المعنيين الرئيسيين بهذه الإجراءات، أي السياح، يستسيغون هذه التدابير. وقالت الفرنسية ماريلو فينسون (53 عاماً) "المكانان اللذان نمنا فيهما، نصحانا بالفعل بزيارة مون سان ميشال ليلاً". واضافت "قالوا لنا +اذهبوا إما في وقت مبكر جداً من الصباح أو في وقت متأخر من المساء+. وبالتالي اخترنا صيغة الزيارة المتأخرة ليلاً".
أما الألماني ماتياس (56 عاماً) من مدينة دورتموند فاعتمد الخيار نفسه وقال "أردنا البقاء إلى المساء والتقاط بعض الصور عند غروب الشمس (...) وكنا نأمل في أن يكون معظم الناس غادروا الموقع في المساء ، لذلك وصلنا في وقت متأخر اليوم".