شاهد: تحديات جمة ومستقبل مبهم داخل مراكز إعادة تأهيل "فتية داعش" في سوريا

منذ 1 سنة 131

افتتحت في سوريا مؤخرا مراكز لإعادة تأهيل أطفال مقاتلي "الدولة الإسلامية" من أجل إبعادهم عن الفكر المتطرف. لكن هذه المراكز تواجه صعوبات جمة، وتلقى أيضا انتقادات من منظمات حقوقية.

منذ ما لا يقل عن أربع سنوات، ينشأ آلاف الأطفال في مخيم في شمال شرق سوريا الذي يأوي عائلات مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية. هؤلاء الأطفال يترعرعون في جو لا تزال فيه أيديولوجية الجماعة المتطرفة منتشرة، حيث يكاد لا يكون لديهم أي فرصة للحصول على التعليم.

خوفًا من ظهور جيل جديد من المسلحين من مخيم الهول، يقوم المسؤولون الأكراد الذين يسيطرون على شرق وشمال سوريا بتجربة برنامج إعادة تأهيل يهدف إلى إنقاذ الأطفال من براثن الفكر المتطرف.

لكن هذا يعني في المقابل إبعادهم عن أمهاتهم وأسرهم لفترة زمنية غير محددة، وهي ممارسة أثارت مخاوف الجماعات الحقوقية. وحتى لو تم إعادة تأهيلهم، يبقى مستقبل الأطفال مبهما، في ظل إحجام بلدانهم الأصلية عن استعادتهم.

يقول خالد رمو، الرئيس المشارك لمكتب شؤون العدالة والإصلاح التابعة للإدارة الذاتية الكردية: "إذا بقي هؤلاء الأطفال في المخيم، فسيؤدي ذلك إلى ظهور جيل جديد من المتطرفين الذين قد يكونون أكثر تعصبًا من أولئك الذين كانوا قبلهم".

حصص في الرسم والموسيقى

في الآونة الأخيرة سُمح لفريق إعلامي بزيارة مركز "أوركش"، وهو مركز إعادة تأهيل افتتح أواخر العام الماضي. المركز يأوي عشرات الفتية والمراهقين الذين أُخذوا من مخيم الهول. تتراوح أعمارهم بين 11 و 18 عامًا، ويمثلون حوالي 15 جنسية مختلفة، بما في ذلك فرنسا وألمانيا.

في أوركش، يتعلم الفتية الرسم والموسيقى، وكل ذلك يترافق مع موضوع التسامح. يتعلمون أيضًا مهارات لوظائف مستقبلية مثل الخياطة أو الحلاقة. يستيقظ الفتية مبكرًا ويتناولون الإفطار في الساعة السابعة صباحًا، ثم يحضرون دروسًا حتى الساعة 3 مساءً، وبعد ذلك يمكنهم لعب كرة القدم وكرة السلة. يعيشون في قاعات نوم مشتركة، حيث يتوقع منهم الحفاظ على النظام وترتيب أسرّتهم. كما يُسمح لهم بالاتصال بالوالدين والأشقاء.

لم تسمح السلطات لوكالة أسوشييتد برس بالتحدث إلى الأولاد في المركز، مشيرة إلى مخاوف تتعلق بالخصوصية. خلال زيارة منفصلة إلى الهول، لم يتجاوب السكان مع الصحافيين ورفضوا إجراء مقابلات. كما تواصلت وكالة أسوشييتد برس مع العائلات التي تم إطلاق سراحها من مخيم الهول، لكن لم يستجب أي منها. حداثة البرنامج تجعل من الصعب تقييم فعاليته.

إرث الفكر المتشدد

ومع ذلك، يبرز المركز كيف أن السلطات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة تكافح ضد إرث تنظيم "الدولة الإسلامية"، بعد سنوات من هزيمة التنظيم في حرب وحشية في سوريا والعراق انتهت في عام 2019.

يضم المخيم الهول حوالي 51 ألف شخص، أغلبهم نساء وأطفال، بما في ذلك زوجات وأرامل وأفراد أسر مسلحي داعش الآخرين. معظمهم من السوريين والعراقيين. ولكن هناك أيضًا حوالي ثمانية آلاف امرأة وطفل من 60 جنسية أخرى يعيشون في جزء من المخيم يُعرف باسم الملحق. يُعتبر هؤلاء عمومًا من أشد أنصار داعش تشددًا بين سكان المخيم.

انخفض عدد سكان المخيم من 73 ألف شخص، ويرجع ذلك في الغالب إلى السوريين والعراقيين الذين سُمح لهم بالعودة إلى ديارهم. لكن الدول الأخرى امتنعت إلى حد كبير عن استعادة مواطنيها الذين سافروا للانضمام إلى داعش بعد أن استولى التنظيم المتطرف على أجزاء كبيرة من العراق وسوريا في عام 2014.

"علينا إبعادهم عن الفكر المتطرف"

على الرغم من أن قوات الأمن التي يقودها الأكراد تدير المخيم، إلا أنها تكافح للحفاظ على السيطرة. إذا أن تطرف داعش لا يزال منتشرًا، حيث يقوم أتباعه بترهيب الآخرين، لا سيما في الملحق، الذي يضم أكثر من خمسة آلاف طفل.

الأطفال في مخيم الهول ليس لديهم ما يعملونه وفرص ضئيلة في التعليم. يحضر أقل من نصف الأطفال الـ25 ألفا في المخيم دروس القراءة والكتابة في مراكز التعليم.

خلال جولة قامت بها وكالة أسوشييتد برس في الآونة الأخيرة داخل الهول، ألقى بعض الفتيان الحجارة على المراسلين. وأوما أحدهم بوضع إصبعه على حلقه في حركة تشير إلى قطع الرأس وهو ينظر إلى الصحفيين.

تقول جيهان حنان، مديرة المخيم، لوكالة أسوشييتد برس: "هؤلاء الأطفال بمجرد بلوغهم سن الـ 12 ، يمكن أن يصبحوا خطرين ويمكن أن يقتلوا ويضربوا الآخرين". وتتابع: "لذلك كان لدينا خيار، وهو وضعهم في مراكز إعادة التأهيل وإبعادهم عن الفكر المتطرف الذي تحمله أمهاتهم".

مشكلة طويلة الأمد

يقول شيخموس أحمد، رئيس مكتب شؤون النازحين واللاجئين في الإدارة الذاتية، إنه بمجرد أن يبلغ الأولاد 13 عامًا، يجعلهم الموالون لداعش يتزوجون من فتيات صغيرات - وهذا سبب آخر لإبعادهم عن المخيم.

حتى الآن، يبقى عدد الأطفال الذين يخضعون لإعادة التأهيل صغير، أي حوالي 300، وجميعهم أولاد من الملحق. يوجد سبعة وتسعون في مركز أوركش الذي تم إنشاؤه مؤخرًا بالقرب من بلدة القامشلي الحدودية على بعد حوالي ساعتين بالسيارة من الهول. والبقية موجودون في مركز الحوري، وهو مركز آخر بدأ في استقبال الأولاد لإعادة تأهيلهم في عام 2017 ، حيث استعادت القوات الكردية الأراضي من تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا.

يسلط الحوري الضوء على المشكلة طويلة الأمد: فبعض الأولاد يسكنون في المركز منذ سنوات لأنه لا يوجد مكان آخر يذهبون إليه. البديل الوحيد هو إعادتهم إلى مخيم الهول. يقول المسؤولون إن أربعة أطفال فقط من الحوري تمكنوا من العثور على مكان جديد يسكنون فيه.

"هذا ليس إعادة تأهيل"

"في حين أن نقل هؤلاء الأولاد إلى مراكز احتجاز منفصلة قد يكون القصد من ورائه حسن النية، إلا أنه ليس إعادة تأهيل." هذا ما تقوله ليتا تايلر، المديرة المساعدة لقسم الأزمات والنزاع في منظمة هيومن رايتس ووتش، وتتابع: "هذا احتجاز إلى أجل غير مسمى دون توجيه تهم بحق الأطفال، الذين هم أنفسهم ضحايا داعش".

تضيف تايلر إن الإبعاد عن الأسرة قد يكون مناسبا إذا كان الضفل ضحية للأم أو أحد الأقارب. خلاف ذلك، قد يتسبب الانفصال في مزيد من الصدمة. وتتابع: "بالنسبة للعديد من هؤلاء الأطفال الذين نجوا من أهوال لا يمكن تصورها في ظل داعش وفي المخيمات التي احتجزوا فيها منذ سقوط داعش، فإن الأم وأفراد الأسرة الآخرين هم مصدر الاستقرار الوحيد لهم".

تقول كاثرين أكيلس، المديرة الإعلامية لمكتب الاستجابة السورية في منظمة "أنقذو الأطفال Save the Children International، إن الانفصال عن الأم "يجب أن يكون فقط كملاذ أخير، يتم التعامل معه من قبل الدولة بشكل فردي بعد عودة العائلات، بما يتماشى مع قوانينها".

الخيارات المتاحة قليلة

أما جيهان حنان، مديرة مخيم الهول، فتقول إن أمامهم خيارات قليلة، وإن أحد الاقتراحات هو إقامة مراكز إعادة تأهيل في المخيم أو بالقرب منه. وتتابع حنان: "ربما في المستقبل يمكننا الاتفاق على شيء ما مع المنظمات الدولية فيما يتعلق بهذه المراكز لأنها أفضل حل لهؤلاء الأطفال".

لكن المسؤولين الأكراد ووكالات الإغاثة الإنسانية يتفقون على أن الحل الحقيقي الوحيد هو أن تستعيد البلدان الأصلية مواطنيها. “بمجرد العودة إلى الوطن، يمكن إعادة تأهيل الأطفال وغيرهم من ضحايا داعش وإعادة إدماجهم. يمكن مراقبة البالغين أو مقاضاتهم حسب الاقتضاء"، كما تتابع ليتا تايلر من هيومن رايتس ووتش.

لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا والمدعومة من الأمم المتحدة كانت قد دعت في آذار مارس إلى الإسراع بترحيلهم. وأضافت أن المعاناة التي يتعرض لها سكان المخيم "قد ترقى إلى مستوى جريمة الحرب المتمثلة في الاعتداء على الكرامة الشخصية".

ويقول رمو، المسؤول الكردي، إلى أن يتم إيجاد حل، فإن المراكز تخلق "بيئة مناسبة لتمهيد الطريق للتغيير الفكري لهؤلاء الأطفال".