استشارات متعلقة
تاريخ الإضافة: 10/1/2024 ميلادي - 28/6/1445 هجري
الزيارات: 22
♦ الملخص:
شابٌّ وقعت له حادثة تحرش وهو في السادسة من عمره، وقد نسيَها، ثم عاد وتذكرها وهو في الثانية والعشرين من عمره، فقلبت حياته رأسًا على عَقِبٍ، وأدخلته في حالة من الاكتئاب الدائم، ويفكر في قتل الشخص المتحرش، وفي الانتحار، ويسأل: ما النصيحة؟
♦ التفاصيل:
السلام عليكم.
أنا شابٌّ وقعت لي في السادسة من عمري حادثة تحرُّشٍ عابرة (ليس اغتصابًا) لمدة لا تزيد عن 3 - 5 دقائق من شخص يكبُرُني بسبع سنوات، شاء الله أن أنسى هذه الحادثة، وكأنها حُذفت من ذاكرتي، ثم إنني تذكرت الحادثة فجأة ودون مقدمات في الثانية والعشرين من عمري؛ ما أدخلني في صدمة نفسية قوية، ما زلت أعاني آثارها حتى الآن، وقلت في نفسي: لماذا يا ألله جعلتني أتذكر هذه الحادثة الآن، فقد أنستني إياها ست عشرة سنة كاملة؟ فكرت في قتل المتحرش، ولكن شاءت أقدار الله أن يتعرض هذا المتحرش في شبابه لحادثة في أثناء عمله، احترق كل جسده، وفَقَدَ إحدى عينيه، ومرِض بالأمراض المزمنة؛ مثل: السكري، ودخل في مشاكلَ نفسية حادة؛ بسبب ما وقع له من حرق ومرض، وقلت: إن قتلي له الآن سيكون رحمةً له، فعدلتُ عن فكرة قتله، والآن تراودني دائمًا أفكار الانتحار، فحادثة التحرش وتذكُّرها المفاجئ تركت بداخلي أثرًا نفسيًّا قويًّا لا أستطيع نسيانه، وقد كنتُ متفوقًا في جميع المراحل التعليمية، قويَّ الشخصية والبُنية، هادئ البال، ولديَّ طموح كبير، فلما أن تذكَّرت هذه الواقعة، انقلبت حياتي رأسًا على عقب، أعلم أن الانتحار حرام، وأعلم عقاب المنتحر في الآخرة، لكنَّ هذا الابتلاء أهلكني ودمَّرني، وبسببه أعاني الاكتئابَ الدائم؛ فذكرى التحرش لا تغادر ذهني، وأردت أن أبعث إليكم مشكلتي، وأستشيركم؛ لعل الله يكتب على أيديكم الحل، طِبْتُم وطابت جهودكم.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:
فملخص مشكلتك يا أخي الكريم هو:
1- تعرضت في طفولتك لتحرش خارجي؛ أي: من وراء الملابس.
2- نسيت هذا التحرش لمدة ستة عشر عامًا، وعند بلوغك الثانية والعشرين، تذكرته فجأة؛ فتدهورت حالتك النفسية، وأُصبت بالاكتئاب وكره العمل.
3- أصبحت تتساءل: لماذا يا ربِّ ذكَّرتَني هذه الحادثة؟ ولماذا الآن؟
4- تُفكر كثيرًا في قتل المتحرش، وفي قتل نفسك، ثم تعدل عن ذلك.
5- تقول: إن تذكُّرَ هذه الحادثة قَلَبَ حياتك رأسًا على عقب، وأصبحت تُعاني من اكتئاب دائم، وذكرى التحرش لا تغادر ذهنك.
ثم تسأل عن الحل، فأقول مستعينًا بالله سبحانه:
أولًا: الذي ذكَّرك بهذه الحادثة هو الشيطان؛ ليحزنك ويُمرضك ويصرفك عن معالي الأمور، فإذا علمت بذلك، فعليك مجاهدة نفسك على عدم تذكرها، وإذا ذكرتها، فحاول ألَّا تهتم بها، ومما يُعينك على ذلك الأسباب الآتية:
1- الدعاء بصرفها عنك، وهو أهم الأسباب وأقواها أثرًا؛ قال سبحانه: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النمل: 62].
2- الاسترجاع كلما تذكرتها، وله أثر قوي جدًّا، خاصة إذا صدر بصدقٍ وبإخلاص؛ قال تعالى: ﴿ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 155 - 157].
3- الإكثار من الاستغفار؛ فهو سبب عظيم لتفريج الكرب.
4- إشغال نفسك بما ينفعك في دينك، خاصة الإكثار من تلاوة القرآن والذكر، والصلاة؛ ففيها تسلية وتقوية للإيمان، زيادة على ما فيها من الأجر العظيم؛ قال الله سبحانه: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28].
عن أبي أُمَامَةَ الْبَاهِلِي رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((اقْرَؤوا الْقُرْآنَ؛ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لأَصْحَابِهِ))؛ [رواه مسلم].
5- إشغال فراغك بما ينفعك في الدنيا من عمل دنيوي مناسب وغيره.
6- حاول قدر الاستطاعة ألَّا تجلس وحيدًا، ففي الوحدة من تسلُّطِ الخواطر الشيطانية ما فيها.
ثانيًا: واعلم - وفَّقك الله - أن ما حصل من تُحرشٍ وما تبعه من تذكر، كله من الابتلاء بالمحن، ومن الأقدار السابقة؛ كما قال سبحانه: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ [القمر: 49].
والواجب حيال المصائب هو الصبر واحتساب الأجر لا التسخُّطُ على أمور كُتبت وانتهت؛ قال سبحانه: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [التغابن: 11].
ثالثًا: واعلم - حفِظك الله - أن كثرة التفكير في الماضي لن تجلبَ لك إلا مزيدًا من القلق والتوتر، ولن تحل لك مشكلة، فما الداعي لها؟ فكن عاقلًا، وجاهد نفسك على هجر ما يسبب لك الهمَّ والغمَّ والحزن، ولا يدفع عنك بلاءً، بل يزيدك حسرة وبؤسًا.
رابعًا: احمَدْ ربك أنه سبحانه صرف عنك ما هو أكبر مما حصل لك، وتفكَّر لو أنه فعل بك الفاحشة، ثم مرِضت بعدها بالشذوذ الجنسي، فكيف سيكون حالك الآن؟
وقد حصل ذلك بالفعل لغيرك، فأصبحت حياتهم جحيمًا لا يُطاق، ومَقَتَهُمُ القريب والبعيد.
خامسًا: تساؤلك: لماذا يا ربِّ ذكَّرتني هذه الحادثة الآن؟ ثم تفكيرك في الانتحار، وكذلك تفكيرك في قتل المتحرش، كلها تعبر عن مدى سخطك، وعن ضعف إيمانك بالقدر، وضعف صبرك على أقدار الله تعالى.
ولذا فنصيحتي لك أن تجتهد في تقوية التوحيد في قلبك، ومعرفة عظمة الله سبحانه، وحكمته في أقداره، ومعرفة فضيلة الصبر والاحتساب، وذلك كله يتم بتقوية الإيمان وبالعلم النافع، خاصة علم التوحيد، فاجتهد في طلبه عن طريق الثقات من أهل العلم.
سادسًا: أعود وأُكرر: لعلك مُقصرٌ في الواجبات والمستحبات الشرعية؛ ولذا أصبحت فريسة سهلة لوساوس الشيطان، وتدميرها لمستقبلك، فَعُدْ راشدًا لربك سبحانه، محافظًا على الصلاة في أوقاتها، وكذلك سائر الواجبات الشرعية، مُتْبِعًا لها بالنوافل حتى يُحبك الله سبحانه، ويثبتك، ويسدد جوارحك لطاعته، ويصرف عنك الأسقام الحسية والمعنوية، ورديء الخواطر.
حفِظك الله، ورزَقك قوة الإيمان والصبر، وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.