يعتزم عضو مجلس الشيوخ الأميركي عن ولاية فلوريدا السيناتور الجمهوري ريك سكوت أن يطرح خلال الأيام المقبلة قانوناً في شأن استيراد الثوم المروي بمياه المجاري، وقانوناً آخر حول فرض رسوم على استيراده، بهدف "مواجهة مسألة أمان الثوم المزروع في الصين وتأثيره في سلامة الاستهلاك".
في رسالة إلى وزيرة التجارة الأميركية جينا رايموندو، استخدم السيناتور قانون توسيع التجارة لعام 1962 الذي يفوض الوزارة كي "تبدأ تحقيقاً حول تأثير واردات معينة في الأمن القومي للولايات المتحدة"، معرباً عن قلقه بسبب ظروف الزراعة غير السليمة في "الصين الشيوعية".
على ذكر قانون الستينيات، يذكّر اتهام السيناتور الجمهوري بموجة اتهام أي معارض في ذلك الوقت بتهمة الشيوعية، وهي الحقبة التي عرفت بـ"المكارثية"، نسبة إلى السيناتور جوزيف مكارثي الذي شن حملة في خمسينيات القرن الماضي اتهم فيها في البداية موظفي الخارجية الأميركية بالشيوعية ثم امتدت حملة الاتهامات إلى جميع قطاعات المجتمع بما فيها صناعة الإعلام والسينما.
رهاب الشيوعية
استخدام السيناتور ريك سكوت لادعاء "الثوم الملوث" من قبل "الصين الشيوعية" يكاد يطابق فكرة المخرج الشهير ستانلي كوبريك التي بنى عليها فيلمه "د. سترينجلوف" في الستينيات، ومع أن الفيلم يدور حول خطر القنبلة النووية في عز الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، فإنه يبدأ بقرار جنرال "مهووس" بالخطر الشيوعي، إذ يقرر الجنرال جاك ريبر قائد إحدى القواعد الجوية الأميركية شن هجوم نووي على الاتحاد السوفياتي لاعتقاده بأن "الشيوعيين يسممون سوائل أجسامنا الثمينة". ويدور الفيلم كله حول محاولة القيادة الأميركية منع حدوث حرب نووية نتيجة "خبل" ذلك الجنرال.
إلا أن ما لم يعبر عنه السيناتور سكوت في رسالته إلى وزيرة التجارة، وهو أمر مهم لدائرته في فلوريدا، فهو تأخر دفع تعويضات عن الإغراق بقيمة نحو نصف مليار دولار. فمنذ منتصف تسعينيات القرن الماضي تفرض الولايات المتحدة ضرائب عالية ورسوم إغراق على صادرات الصين من الثوم إليها، وزادت رسوم الإغراق تلك في ظل إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب عام 2019.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن السيناتور الذي يدفع إلى المقارنة مع جوزيف مكارثي وربما حتى مع الشخصية الخيالية في فيلم ستانلي كوبريك، ركز على ادعاءات الصحة وليس الإغراق التجاري. وجاء في رسالته كما نقل موقع "ذا هيل"، أنه "بغض النظر عن القلق من المسألة التجارية، فإن هناك مخاوف هائلة تتعلق بسلامة وجودة الثوم المزروع في بلاد أجنبية، بخاصة الثوم الذي يزرع في الصين الشيوعية".
وتعد الصين من أكبر الدول المنتجة والمصدرة للثوم في العالم، وتحظى بالنصيب الأكبر لواردات الولايات المتحدة منه. ويتهم سكوت الصين بأنها "تسمد زراعة الثوم بمياه المجاري والفضلات البشرية"، واعتمد في ادعائه على أن تلك الممارسات مذكورة في مصادر شائعة "من مدونات الطبخ إلى مجلات الأسرة وفيديوهات على ’يوتيوب‘".
نفي علمي
لكن تلك المخاوف والاتهامات لا يبدو أن لها أي أساس علمي على رغم انتشارها على مواقع التواصل وشبكة المعلومات الدولية أحياناً ضمن "نظريات المؤامرة". وطبقاً لدراسة لمكتب العلوم والمجتمع في جامعة "ماكغيل" عام 2017 فإن هناك مبالغة كبيرة جداً في الأخطار المرتبطة باستخدام السماد المصنع من الفضلات، كما أن "إعادة تدوير المجاري لتصبح سماداً أمر شائع في جميع أنحاء العالم".
وأضاف تقرير الجامعة العلمي أنه "من الممكن استخدام المجاري كسماد، كما يحدث في أنحاء مختلفة من العالم، على رغم أنه لا يوجد دليل على أن الثوم المزروع في الصين يتم تسميده بهذه الطريقة".
لذا يبدو الادعاء غير العلمي استناداً إلى ما يتداول على مواقع التواصل بأن الثوم الصيني خطر على الأمن القومي الأميركي مبالغة من السيناتور الجمهوري، لكن الأرجح أن ما ورد في رسالته حول المخاوف الأخرى هو الأهم.
يقول سكوت في رسالته لوزيرة التجارة، "على الوزارة في تحقيقاتها أن تأخذ في الاعتبار تأثير المنافسة الأجنبية في الصناعة المحلية وما تؤدي إليه من ضرر على المنتجات المحلية بما يشمل البطالة وتراجع الدخل العام وخسارة الاستثمارات والعوامل الأخرى ذات الصلة التي تضعف الاقتصاد القومي".
وبحسب رأي كثيرين في الإعلام الأميركي، فعلى الأرجح لن تلقى مخاوف السيناتور الجمهوري ريك سكوت اهتماماً جدياً من وزارة التجارة. كما أن القوانين التي يعتزم اقتراحها قد لا تحظى حتى باهتمام المشرعين في الكونغرس.
تلك المخاوف التجارية والاقتصادية هي الأهم والأكثر جدوى، وليس الهوس بالخطر الشيوعي الصيني على الأمن القومي الأميركي المتمثل في طريقة تسميد الثوم الصيني المصدر إلى الولايات المتحدة، لكن المبالغات أصبحت سمة سياسية في الآونة الأخيرة، بما يعيد التذكير بخيال هوليوود القرن الماضي.