هذا المقال نشر باللغة الإنجليزية
في السنوات الأخيرة، أصبحت العاصمة الإيطالية روما تعيش حالة من التوتر بسبب ما يشهده قطاع السياحة من زيادة غير مسبوقة في عدد الزوار، وهو ما بدأ يؤثر بشكل ملحوظ على الحياة اليومية للسكان المحليين.
مع عودة زخم السياحة بعد جائحة كوفيد-19، شهدت المدينة تدفقًا هائلًا للسياح، مما جعل الكثير من سكانها يشعرون بأن مدينتهم تحولت إلى وجهة سياحية أكثر من كونها مدينة يقطنها المحليون.
هل تؤثر السياحة المفرطة على السكان؟
في عام 2023، استقبلت روما أكثر من 35 مليون سائح، ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم بشكل أكبر مع اقتراب اليوبيل الكاثوليكي في 2024. هذا التدفق الكبير للسياح بدأ يغيّر جذريا سمات المدينة، حيث أصبحت الأماكن السياحية الرئيسية، مثل نافورة تريفي، التي كانت تشتهر بهدوئها، مزدحمة بشكل دائم بالزوار الذين يتوافدون لالتقاط الصور.
هذا التغير لم يمر دون استياء السكان المحليين الذين اعتادوا على أجواء المدينة الهادئة. يقول أحدهم: "في الماضي، كان بإمكانك الاستمتاع بنزهة هادئة بالقرب من نافورة تريفي، أما الآن، فلا نكاد نجد مكانا فارغ ادون أن يكون محاطًا بسياح يلتقطون الصور".
زيادة الإيجارات وأزمة الإسكان
أدى ازدهار السياحة إلى ارتفاع غير مسبوق في أسعار الإيجارات، مما جعل الحياة في المدينة أكثر صعوبة على السكان المحليين. مع تزايد الطلب على الإقامات قصيرة الأجل عبر منصات مثل "إير بي إن بي"، أصبحت أسعار الإيجارات في المناطق المركزية خارج متناول العديد من السكان، بما في ذلك الطلاب والعائلات ذات الدخل المحدود.
وقال أحد السكان، الذي اضطر للانتقال إلى أطراف المدينة بسبب ارتفاع الإيجارات: "السياحة أصبحت عبئًا على السكان المحليين، فالإيجارات أصبحت باهظة، وتكلفة المعيشة تزداد يومًا بعد يوم".
ومع تدفق المزيد من السياح، بدأ البعض يدعو إلى فرض رسوم دخول على المعالم السياحية الشهيرة مثل نافورة تريفي، في محاولة للتقليل من الضغط على هذه الأماكن. ولكن هذا الاقتراح قوبل بانتقادات من بعض السكان المحليين الذين يرون أن فرض الرسوم لن يكون حلاً جذريًا، بل قد يؤدي إلى زيادة التكدس في مناطق أخرى من المدينة.
أوضح أنتوني ماجانلاهتي، أستاذ في جامعة روما، أن هذه الإجراءات قد تؤدي إلى تفاقم المشكلة، مشيرًا إلى أنه يمكن أن تخلق مزيدًا من الازدحام بدلاً من الحد من تأثير السياحة على المدينة.
في المقابل، يعود جزء من ازدهار السياحة إلى تمثيل روما في وسائل الإعلام العالمية، مثل الموسم الأخير من مسلسل "إميلي في باريس" الذي صوّر جزءًا منه في المدينة، بالإضافة إلى ظهورها المستمر في مقاطع الفيديو على منصات التواصل الاجتماعي مثل إنستغرام وتيك توك.
مع اقتراب اليوبيل الكاثوليكي في 2024، تتوقع السلطات المحلية أن يتوافد المزيد من السياح إلى المدينة، وهو ما سيضع المزيد من الضغط على البنية التحتية. تشهد شوارع روما بالفعل حركة مرور كثيفة، كما أن العديد من الطرق العامة ومحطات المترو تم إغلاقها للتحضير لهذا الحدث. هذا التغيير أزعج العديد من السكان الذين يشعرون أن المدينة تتحول تدريجيا إلى وجهة سياحية كبيرة على حساب حياتهم اليومية.
هل هناك من حلول؟
تسعى الحكومة المحلية إلى "إدارة النمو" في قطاع السياحة بدلاً من محاولة الحد منه. على الرغم من أن بعض المدن الإيطالية مثل البندقية قد فرضت رسومًا على السياح، إلا أن وزارة السياحة أكدت أنها ستعتمد على استراتيجيات أخرى مثل تنويع الوجهات السياحية وتحفيز السياحة المستدامة.
لكن مع استمرار تدفق السياح والاهتمام المتزايد بالمدينة، يظل السؤال مفتوحًا: هل يمكن لروما أن تحافظ على هويتها وثقافتها في ظل هذه التغيرات المستمرة؟