على رغم العناوين الرئيسة اليومية عن العنف والصراعات السياسية والكوارث الطبيعية والأخطار المتنوعة فإن المسافرين إلى البؤر الساخنة في العالم لا يتراجعون عن قرارهم.
ويقول كارمن جنتيل وهو مراسل متخصص في الصراعات ومؤلف كتاب "Blindsided by the Afghan"، إن عديداً من السياح في أفغانستان من كبار السن ومهتمون بالتاريخ ويتوقون إلى القيام ببعض رحلات المغامرة.
ولكن السؤال البديهي الذي يتوارد إلى ذهن كثيرين بخاصة أولئك المحاصرون في منطقة صراعات أو الذين هربوا منها خوفاً على حياتهم وحياة أحبائهم، ما الذي يجعل قضاء العطل في منطقة أشبه بالجحيم أمراً مثيراً بالنسبة إلى بعض الناس؟
جولات على الخطوط الأمامية
في عام 2014 كانت المخرجة البولندية البالغة من العمر 39 سنة فيتا ماريا درايغاس تصور فيلماً وثائقياً في دونباس شرق أوكرانيا عندما رأت إعلاناً مكتوباً بخط اليد "جولات رخيصة على الخطوط الأمامية".
فعلقت قائلة "لقد وجدت فكرة شراء الناس لتذاكر القتال في الخطوط الأمامية صادمة للغاية، لقد كان الأمر مستحيلاً ولم أصدق ذلك، إذ افترضت في البداية أن الإعلان كان مزحة سخيفة أو ربما كان استفزازاً روسياً، لكن عندما عدت إلى بولندا، وبينما كنت أبحث على الإنترنت اكتشفت عالماً خفياً من السياحة السرية أو ما يعرف بالمرح الحربي".
وتتابع درايغاس، "لقد أمضيت السبعة أعوام التالية في تصوير فيلم وثائقي بعنوان ’منطقة الخطر’، تتبعت فيه مجموعة من السياح الذين يقضون إجازاتهم في بعض الأماكن الأكثر خطورة على هذا الكوكب".
وفي حين يصعب فهم سبب سفر شخص ما إلى بلد حيث الدمار والرعب الناجم عن الحرب هو واقع يومي، إلا أن هذه الظاهرة ليست جديدة، إذ يعود تاريخ سياحة الحرب إلى عشرات السنين أثناء الحرب النابليونية والحرب الأهلية الأميركية وحرب القرم، إذ يمكن العثور على تقارير عن سياح زاروا المدن المدمرة وساحات المعارك بعد المذبحة، وتنزهوا على مسافة آمنة من المناوشات التي كانت تجري وأخذوا معهم الهدايا التذكارية.
دوافع مختلفة
وعن رأي درايغاس بدوافع من قابلتهم أثناء تصوير فيلمها قالت، "لكل شخص أسبابه الخاصة فالناس مختلفون، ومن الصعب أن تجد دافعاً واحداً، فكل شخص يتشكل من خلال تجاربه، وتجاربه الخاصة تدفعه إلى الذهاب إلى هناك، وهناك أيضاً الأدرينالين، وهو أمر يسبب الإدمان، فهو نوع من الحاجة التي يسعى كثيرون خلفها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبالنسبة إلى روبرت فليتشر وهو أستاذ بجامعة السلام في كوستاريكا يدرس هذا الموضوع، فإن "رحلات المغامرات لها تعريف واضح بأنها حالة من عدم اليقين، كما أنها نوع من المعاناة أيضاً، فكلما كان الألم الذي تحتويه أكبر، أصبحنا نميل إلى اعتباره مغامرة".
وتشمل الدوافع الشائعة الأخرى للسياحة الحربية التعليم والحفاظ على الذاكرة الجماعية، فكثيراً ما يقوم الطلاب والأكاديميون والهواة بجولات في ساحات المعارك السابقة والمتاحف ومعسكرات السجون لفهم كيف شكلت الحروب مصير الشعوب والدول.
إذ ترى بعض البلدان أنه من الإلزامي على شبابها زيارة مواقع بعض أحلك اللحظات في تاريخ البشرية. وعلى سبيل المثال، يطلب من الطلاب الألمان زيارة معسكرات الاعتقال ومتاحف الهولوكوست والنصب التذكارية وساحات المعارك لمعرفة مزيد عن دور بلادهم في الإبادة الجماعية وجرائم الحرب.
إدمان الخطر
كما يطلب من العاملين في مجال الإغاثة، السفر إلى بعض أكثر بلدان العالم صراعاً، ويصلون أحياناً عندما تكون البلاد في أسوأ حالاتها، فيكافحون للتعامل مع كارثة ما، ومن بين الوظائف الأخرى التي تتطلب السفر المحفوف بالأخطار الصحافيون، وضباط الأمن وأفراد الجيش والدبلوماسيون.
وفي حين يقول مدير العمليات في منظمة "أطباء بلا حدود" مايك فارك، إنه يسافر إلى هناك مدفوعاً بوظيفته الصعبة والمرضية المتمثلة في مساعدة الناس في المواقف الصعبة، يقابله ريتشارد بوبلاك الكاتب المقيم في تورنتو وجوهانسبورغ، الذي يبدو جواز سفره مثل جواز سفر إرهابي حرفياً، بالقول إن الفضول هو ما يحركه.
فقد كان ابن الـ(37 سنة)، يغذي شغفه بالسفر لأكثر من 15 عاماً لأكثر المناطق صراعاً وخطراً، إذ سافر إلى أفغانستان واليمن ولبنان بعد الحرب وليبيا، إذ يذكر أنه كاد يفقد حياته مرات عدة وآخرها في منطقة عسكرية في سوريا.
أندرو دروري مهندس معماري من جيلدفورد، ويدير شركة بناء ناجحة ويعيش مع زوجته وطفليه الصغيرين، لكنه يزور مناطق الصراع منذ 20 عاماً، وأدت رحلاته التي نجا فيها من القتل المحقق مرات عدة إلى اتخاذه مهنة جانبية كمخرج أفلام ومؤلف. يقول، "العمل الإعلامي يضفي الشرعية على الرحلات، وبدلاً من الذهاب إلى منطقة لقضاء عطلة، أذهب لسبب وهدف، وأستخدم وجودي لسرد قصة"، إذ استطاع دروري تغيير الصورة النمطية عن عدد من الشعوب كالصوماليين مثلاً معتبراً إياهم شعباً محباً ودوداً.
شركات خاصة
في المقابل، نظمت عديد من رحلات دروري من خلال شركة Untamed Borders، وهي شركة لديها سجل حافل بالإنجازات الأولى، فهي أول من قدم عطلات التزلج إلى أفغانستان، وأول شركة بريطانية تقوم بجولة في الشيشان.
ويرفض مؤسس الشركة جيمس ويلكوكس وصف "السياحة الخطرة"، قائلاً، إن مثل هذه الرحلات توفر تجربة سفر غنية. ويتابع، "نأخذ الناس إلى أماكن يصعب الوصول إليها ونمنحهم مجموعة متنوعة من التجارب والقصص الجيوسياسية والثقافة والتاريخ وغيرها".
وتعتمد الشركة على شبكة عالمية من المرشدين وخبراء الأمن لتمكين السياح من قضاء العطلات في مناطق الخطر، وتتطلب كل رحلة أشهراً من التخطيط، ولا تترك شيئاً للصدفة، فجزء من مرحلة التخطيط هو التفكير في أسوأ السيناريوهات.
وعن هذا يقول ويلكوكس، "عليك أن تنظر إلى المكان الذي ستذهب إليه في المدينة في حال وقوع هجوم، يجب أن يكون لديك عدد من الأماكن لاستقبال الضيوف".
وفي حالات الطوارئ، يصبح مكتب الشركة بمثابة مركز تحكم لتوجيه عمليات الإنقاذ، إذ يقوم الموظفون بجمع المعلومات للشركاء المحليين أو السلطات المعنية.
سوق السياحة المغامرة
أما شركة "إنجل إنترناشيونال" فتتخصص في تأمين الرحلات عالية الأخطار، إذ يوجد موظفوها على الأرض في عديد من مناطق الخطر، ولكن زيادة عدد الزوار عديمي الخبرة إلى مناطق الصراعات تزيد من استنزاف الطاقة الاستيعابية للشركة.
ويقول الرئيس التنفيذي روبين إنجل، "نحن نغطي عمليات الإخلاء في حالات الطوارئ ضمن حدود، فإذا كان الأشخاص في منطقة مزقتها الحرب، فقد لا نتمكن من إخراجهم".
وتشير الاتجاهات في صناعة السفر الأوسع إلى أن مثل هذه الخيارات لقضاء العطلات أصبحت أكثر شيوعاً، فقد شهدت سوق السياحة المغامرة نمواً هائلاً في الأعوام الأخيرة، إذ تقدر قيمته بنحو 265 مليار دولار.
ويقول شانون ستويل رئيس رابطة تجارة السفر المغامر، "إن كثيراً من النمو يأتي من خلال الوصول الأوسع إلى المغامرات الناعمة مثل جولات الدراجات والرحلات البرية، ولكن هناك اهتماماً أكبر بالبيئات المعادية".
ويضيف، "بدأت ميانمار وكوبا وحتى كوريا الشمالية تظهر على شاشات الأحداث لتحث البعض على معرفة ما يجري حقاً هناك، كما يوجد اهتمام متزايد بمواقع الموت والكوارث، إذ تشهد محطة تشيرنوبل وأوشفيتز أعداداً قياسية من الزوار، كما تعد حقول القتل واحدة من مناطق الجذب السياحي الرائدة في كمبوديا".
إضافة إلى ذلك، يعمد كثيرون لزيارة أكثر الأماكن الطبيعية خطراً كوادي الموت في الولايات المتحدة الذي تتجاوز حرارته 50 درجة مئوية، على عكس أويمياكون في روسيا إذ تنخفض درجة الحرارة غالباً إلى -40 درجة، إضافة إلى تسلق جبال إفرست ونهر أليتش الجليدي في سويسرا وطريق الموت في بوليفيا وغيرها الكثير.