سوريا قبل أن يفوت الأوان

منذ 2 أسابيع 33

ليت الرئيس بشار الأسد يقرأ المتغيرات قراءة واقعية معاصرة تدرك مدى الاختلاف عن 2015، فلا الفصائل هي ذاتها، ولا موقف إيران هو ذاته، ولا الروس، ولا الأتراك، حتى إسرائيل. جرت مياه تحت الجسور منذ ذلك الحين، وهناك توافقات دولية، تقابلها رؤى دولية أخرى مختلفة تماماً عن تلك التوافقات.

إيران المساندة أصبحت في وضع آخر، وروسيا لديها أولوياتها الأوروبية، وهذان كانا ظهيرين للنظام في سوريا.

صحيح أن هناك توافقات إقليمية جديدة بين الأميركان والإسرائيليين، حتى الدول العربية مقتنعة جميعها بضرورة إنهاء دور الفصائل المسلحة في الدول العربية، المدعومة من إيران، وليس إبقاؤها وإدارة الصراع معها كما كان الوضع سابقاً، بعد هزيمة «حماس» و«حزب الله»، ومساندة الحكومة المركزية وإعانتها على حفظ الأمن اللبناني والفلسطيني، مع الضمانات لحفظ الأمن الإسرائيلي، والنية هي ذاتها بالنسبة لسوريا، فهناك توافق على إنهاء الدور الإيراني وتعزيز النظام المركزي للدولة.

إنما الجديد أنه يبدو أن للروس وللأتراك رأياً آخر، وهو انتهاز فرصة ضعف المساندة الإيرانية لسوريا وانشغالها بأمورها، والتفاهمات الإيرانية الإسرائيلية الأميركية تركت فراغاً لن تتمكن القوات النظامية وحدها أن تملأه، ولم يقتنع الرئيس بشار بالتفاهم مع الأتراك حول ذلك الفراغ والتنسيق معها، لذلك سارعت تركيا بالدفع بفصائل تضمن أولاً أمن الحدود الشمالية السورية، وتشكل حائط صدّ عن الهجمات الكردية حمايةً لتركيا، وهي رؤية يبدو أن الروس متوافقون معها بدليل عدم تصديهم - كما توقع الرئيس بشار - للهجمات التي تعرضت لها القوات النظامية في حلب، إذ جاء الردّ الروسي بارداً جداً، خاصة أن هناك نصائح روسية سابقة تجاهلها الرئيس السوري بالتفاهم مع الأتراك وترتيب الأوضاع معها.

إنما مع الأسف دخل هؤلاء المسلحون دون مقاومة تذكر، وتركت القوات النظامية مكانها لها، وتخلت عن مواقعها.

القراءة التي كانت منتظرة والمطلوبة في ظل هذه المتغيرات الدولية والإقليمية هي استشراف المستقبل بقراءة واقعية للمعطيات الجديدة والانفتاح على الداخل أولاً، بالعفو العام والسماح بعودة النازحين والانفتاح على القوى الداخلية حفظاً للدماء وحفظاً للنظام أيضاً، وقطع الطريق على أي تفاهمات أجنبية تتجاهل القوة المركزية.

ربما لم يفتِ الأوان بعد، إنما يتوقف ذلك على الفهم السريع وإدراك المعطيات الواقعية وعدم السماح بالعودة للاقتتال الداخلي من جديد. كما أنَّ التعويل على التفاهمات الإقليمية مجازفة خطيرة، لن تنجح، والجبهة الداخلية ليست على ما يرام.