سوريا... الوجه الآخر للقمر

منذ 20 ساعة 16

القمر الذي نراه نحن البشر، وهو في كامل نوره، بدراً يُشعُّ بين ستائر الليل الوديع، ليس إلا وجهاً واحداً للقمر. نحن لا نرى الوجه الآخر للقمر؛ لأسبابٍ تتصل بنمط دوران القمر ودوران الأرض.

هذا القمر الذي تغزّل به الشعراء منذ الأزل، بل وعبدته بعض النِّحل «الرومانسية»، ليس الصورة الكاملة، لكن جهود علماء الفلك ومراصد السماء والمركبات المرسلة للسبر والفحص، كشفت لنا الصورة الأخرى، وصوّرت كامل محيط القمر، وكل جِلده، الظاهر لنا منه والمخفي... فالمجد للعلم والعلماء.

اليوم، ومع فرح كل إنسان يملك ضميراً حيّاً بزوال نظام حكمٍ من أسوأ الأنظمة التي مرّت علينا في ديارنا العربية؛ نظام بشار الأسد الذي كان بلا عقلٍ سياسي ولا قلبٍ أخلاقي... مع هذا الفرح الصادق، يجب ألّا يجعلنا هذا لا نرى من سوريا إلا صفحة واحدة من مشهدها.

الأخطار التي تُهدّد سوريا الجديدة اليوم، متنوّعة، بعضها داخلي وبعضها خارجي. نبدأ بالخارجي، وهو الطمع التركي، وعقلية الغنيمة «الإخوانية» الدولية، والانتقام الإيراني المنتظر... وقد سألتُ هنا سابقاً: هل سترضى إيران بالهزيمة، ومن الغنيمة السورية بالإياب، فقط؟!

لدينا إشارات إيرانية مقلقة، خلال الأيام الماضية، من مرشد النظام، لوزير خارجيته، وأخيراً لدينا هذا التعليق من أحد سدنة النظام القدامى، وهو محسن رضائي عضو مجلس تشخيص مصلحة النظام والقائد السابق لـ«الحرس الثوري»، الذي نقلته عنه وكالة أنباء «إيسنا» الإيرانية، وهو قوله: «الشباب والشعب السوري المقاوم لن يصمتوا أمام الاحتلال. خلال أقل من عام، سيبعثون المقاومة في سوريا بشكل جديد».

أمّا الخطر الداخلي، وبعضه له علائق خارجية، مثل تنظيم «داعش»، فهو خطرٌ متربصٌ، مهما وعدت أميركا وتركيا والجولاني بمواجهته؛ لأن «داعش»، للأسف، يملك بعض أسباب الانبعاث العقائدية، واللوجستية، والبشرية، يكفي أن نتخيّل آلاف العناصر المحشورين في معسكرات كبرى في شرق سوريا تحت سلطة «قسد»، فضلاً عن الوجود العملي في البادية السورية والحدود العراقية، وخطوط الإمداد الداعشية بشرياً وإعلامياً وفكرياً، من خارج سوريا والعراق.

لدينا داخلياً أيضاً، الجماعات المنضوية، مؤقتاً، تحت سلطة «هتش»، وبعضها له تاريخٌ قريب من الصراع الدموي... حروبٌ قريبة العهد تخلّلتها إعدامات متبادلة، وعمليات انتحارية، مع سلطات إدلب، مثل: «الأحرار»، و«حرّاس الدين»، و«لواء الأقصى»، و«جند التوحيد»، وطبعاً حزب «التحرير» الذي يعلن صراحة تكفيره لقائد الهيئة الجديدة.

من الأخطار الداخلية أيضاً، دور ومصير الفصائل الأجنبية، أو «المهاجرين» كما في قاموس الإسلاميين، مثل: الحزب الإسلامي التركستاني، وجماعة التوحيد والجهاد الأوزبكية، وجيش المهاجرين والأنصار القوقازيين، وحركة شام الإسلام (المغاربة)، وجماعة الألبان والمالديف، وغيرها.

نعم، لم نتحدّث عن تحديات بناء الوطنية الجامعة، وهوية الدولة، والعلمانية والإسلامية والعروبة، وغير ذلك.

نحن نرى الوجه الجميل من القمر السوري - وهو في بعض ملامحه جميل المحيّا حقّاً - لكنه ليس الوجه الوحيد. ثمّة وجهٌ آخر، وليس من سبيلٍ إلى اكتشافه والتعامل معه إلّا بمسبار العلم، ومرصد التفكير الموضوعي البحت.