سودانيون يستعيدون "طعم الحياة" بعد فرارهم من معارك الخرطوم

منذ 1 سنة 141

ترتسم ابتسامة عريضة على وجه السوداني الشفيع وهو يحضن ابنته بعدما طلبت منه نقودا لشراء لعبة، فرحا بهدوء ينعمان به في يوم عيد الفطر بعد الفرار من معارك الخرطوم.

منذ منتصف نيسان/أبريل، تشهد العاصمة السودانية ومناطق أخرى معارك بين الجيش بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي"، راح ضحيتها أكثر من 400 شخص.

اضطرت هذه المعارك الضارية الملايين، ومنهم الشفيع وعائلته، الى الاحتماء من أزيز الرصاص ودوي القذائف، وحتى القصف الجوي الذي تنفّذه مقاتلات تابعة للجيش ويستهدف مواقع لقوات الدعم.

وفي ظل اشتباكات تقترب من اتمام أسبوعها الأول، وعدم التزام بالعديد من الدعوات لوقف إطلاق النار، ضاقت الخيارات أمام الشفيع لحماية عائلته وابنته البالغة سبعة أعوام.

ويقول الرجل الذي طلب استخدام اسمه الأول فقط، لوكالة فرانس برس "مع اشتداد القتال كنت في حيرة من أمري، إلى أن اقترح عليّ زميلي مختار أن أرافقه" في الفرار من الخرطوم.

كانت الوجهة ولاية الجزيرة جنوب العاصمة، والمعروفة بأراضيها الزراعية الخصبة ومزارع القطن.

مثل الشفيع وعائلته، استغل الآلاف من سكان الخرطوم تراجعا ظرفيا محدودا في حدة المعارك في العاصمة، لجمع ما تيسّر من أمتعة وحاجيات، وبحثوا عن سبل الابتعاد عن ظروف ميدانية صعبة، ومعيشية تزداد سوءا يوما بعد يوم.

لم تعد المغادرة ترفا: ففي العاصمة السودانية التي يقطنها أكثر من خمسة ملايين نسمة، يترافق إيقاع المعارك مع ارتفاع في سعر الوقود وتراجع ما يتوافر منه، كما يواجه السكان صعوبة في توفير المواد الغذائية، إضافة الى نقص المياه والكهرباء...

تواصلوا مع أقارب ومعارف وزملاء سعيا لضمان وجود منزل أو غرفة على الأقل للمبيت. ساعدهم أيضا انتشار دعوات على مواقع التواصل من سكان ولاية الجزيرة التي يربطها طريقان سريعان بالعاصمة، يبدون فيها استعدادهم لفتح منازلهم لكل من يبحث عن سقف يؤويه.

لا انفجارات ولا طائرات

غالب الآلاف من سكان الخرطوم الخوف والخطر، وخاضوا في رحلة مروا خلالها بجثث ملقاة على جوانب الطرق، وبعربات مدرعة محترقة، وآثار المعارك الدامية في كل اتجاه.

ترك الشفيع وعائلته خلفهم، حالهم حال الكثير من سكان الخرطوم، منازل لا يعرفون متى سيتمكنون من العودة إليها، في ظل عدم وضوح أفق المعارك بين الجيش وقوات الدعم السريع.

الا أن عدم اليقين هذا وشقاء رحلة الهرب تحت أزيز الرصاص ودوي القذائف وتحليق الطيران الحربي في الأجواء، يعوّضه شعور الاطمئنان الذي عرفه الهاربون متى وصلوا ولاية الجزيرة.

ويقول الشفيع "وصلنا هنا مساء الخميس ولأول مرة ننام بكل اطمئنان. ... الحياة عادية (في ولاية الجزيرة)، فقط نسمع أخبار الخرطوم في قنوات التلفزيون".

كان المشهد متناقضا بشدة بين الخرطوم وولاية الجزيرة الجمعة: في العاصمة معارك عنيفة بين الجيش وقوات الدعم على رغم الدعوات لهدنة في أول أيام الفطر.. أما في الولاية، فقد وضع الآلاف هموم المعارك التي تدور على مسافة 100 كلم فقط منهم جانبا، وخرجوا لأداء صلاة العيد والتنزه في الهواء الطلق.

كان المتنزه عند الضفة الغربية للنيل، مكتظا بعائلات وأطفال يستمتعون بألعاب العيد، ومنهم عبد الحميد الذي هرب مع عائلته من المعارك في شرق الخرطوم، ووصل الأربعاء الى ولاية الجزيرة ويقيم في منزل ابن عمه.

يقول الرجل البالغ من العمر 44 عاما، وهو يجلس بجانب امرأة تبيع الشاي والقهوة، "جئت الى هذا المتنزه ليلعب صغاري ... وأنا مطمئن".

يضيف وعلامات الارتياح بادية على محياه "بعد وصولنا أحسسنا بطعم الحياة، لا أصوات انفجارات ولا طائرات".