بحسب الموسوعة البريطانية، فإن الجبل يجب ألا يقل ارتفاعه عن 610 أمتار، واستثناء من هذه القاعدة فإن جبل سنام، الواقع قرب الحدود العراقية - الكويتية في محافظة البصرة، يبلغ ارتفاعه 152 متراً، إذ يبدو أكبر من مجرد تل بسبب وجوده وسط مساحات من الأراضي المستوية نسبياً تمتد لمئات الكيلومترات، وفوق أهميته الجيولوجية يكتسب قيمة تاريخية وبيئية وسياحية.
ظاهرة فريدة
اكتسب الجبل اسمه من شكله الشبيه بسنام الجمل، وتفيد أشهر نظرية عن نشأته بأنه ظهر إلى حيز الوجود تدريجاً قبل ملايين السنين تحت تأثير اندفاع طبقة من الأملاح من أعماق الأرض إلى السطح، ومن العوامل التي ساعدت في نشوء الجبل تحرك الصفيحة التكتونية العربية شرقاً باتجاه الصفيحة الإيرانية، فالزحف المستمر للصفيحة العربية أدى بمرور الزمن إلى تصدع الطبقة الصخرية في موقع الجبل، مما سمح بصعود الأملاح والرواسب الصخرية إلى السطح، ولذلك يوصف الجبل جيولوجياً بأنه (قبة ملحية اختراقية)، وثمة قباب ملحية أخرى في سلطنة عمان، وأخرى مغمورة بمياه الخليج.
قال نقيب الجيولوجيين في البصرة حسن ستار، لـ"اندبندنت عربية"، إن "وجود جبل سنام كمرتفع وحيد في المنطقة الممتدة من الفرات الأوسط إلى أقصى جنوب العراق يمثل ظاهرة جيولوجية فريدة ونادرة على مستوى الشرق الأوسط"، مضيفاً أن "المنطقة التي يقع فيها سنام تحتوي في باطنها على كميات هائلة من الأملاح الصلبة القابعة أسفل طبقة من الصخور، وكلما يزداد سمك طبقة الأملاح تشتد قدرتها على التحرر باتجاه السطح، وما يساعد في صعودها فرق الكثافة بين الصخور والأملاح".
في التاريخ القديم
خلال العصر البابلي شيد الملك نبوخذ نصر (604-561 ق. م) مدينة طريدون (تريدون) لتكون ميناء تجارياً للإمبراطورية البابلية، وهي من المدن التاريخية المفقودة التي لم يكتشف موقعها، وتنصرف بعض الآراء إلى أنها كانت تقع في موضع ما من محافظة البصرة بحدودها الإدارية الحالية، ويعتقد المستكشف الإيرلندي فرانسس راوندن جسني (1789-1872) بأنها كانت قرب جبل سنام.
ويتفق آخرون مع هذا الرأي، أحدهم الكاتب علاء لازم العيسى، الذي ذكر في كتابه "المجمل في تاريخ البصرة" أن "المدينة القديمة التي يعتقد أن نبوخذ نصر كان قد أنشأها تقع قرب جبل سنام على الضفة الغربية للنهر القديم المعروف باسم (كري سعدة) غرب مدينة الزبير الحالية"، لكن لم تكتشف لغاية الآن أي آثار تدعم هذا التصور.
في التراث الشعبي
يزخر التراث الشفاهي الشعبي بحكايات ترتبط بسنام، وتفيد أكثرها خيالاً وتشويقاً بأن الحيوانات والموجودات لما كانت قديماً تتكلم مثل البشر كان سنام وحبيبته طمية جبلين ضمن سلسلة جبال الحجاز وانفصلا عن الجبال الملاصقة لهما وتحركا باتجاه الشرق، ولما وصلا إلى منطقة نجد في وسط الجزيرة العربية توقفت طمية، وامتنعت عن مواصلة السير، ولم ينفع معها إلحاح عشيقها سنام بالاستمرار في رحلة الهجرة نحو المجهول، فغضب عليها وواصل التقدم بمفرده، ولما ابتعد عنها كثيراً ندم على تركها واشتاق لرؤيتها فالتفت إلى الوراء لكي يراها، إلا أن رقبته انكسرت وثبت في مكانه إلى الأبد، ومن رحم تلك الحكاية ولد المثل الشعبي القائل (زعلة سنام على طمية).
وجاء على هذه الحكاية الأسطورية الإعلامي والأديب إحسان وفيق السامرائي في كتابه "لوحات من البصرة"، إذ ذكر أن "طمية ظلت تذرف الدموع وتتوسل عودة حبيبها حتى تحولت دموعها إلى مجرى مائي يصب عند سفوح جبل سنام"، مضيفاً أن "بعض سكان الزبير يشيرون حتى الآن إلى بقايا نهر جاف على أنه أحد آثار ذلك الحب العظيم"، وما هذا المجرى إلا "وادي الباطن" الذي هو امتداد لـ"وادي الرمة"، ويؤكد جيولوجيون أن الأخير يجسد بقايا نهر كبير كان خلال العصور المطيرة يمتد من شرق المدينة المنورة إلى جبل سنام.
في السلم والحرب
مثل أي معلم جميل في البصرة لم يسلم سنام من العبث والتخريب، يفيد المؤرخ حميد أحمد حمدان في كتابه "البصرة في عهد الاحتلال البريطاني" الصادر عام 1979 بأن "السلطات البريطانية أنشأت مطلع عام 1918 خط سكك حديدية بين مدينة البصرة وجبل سنام من أجل نقل الأحجار من هناك لأغراض إنشائية مختلفة"، موضحاً أنه "حتى أواخر عام 1919 تم استخراج أكثر من مليون ونصف المليون قدم مكعب من الحجارة من الجبل، وما يزيد على هذه الكمية من الرمل والحصى".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وخلال الفترة الممتدة من 1948 إلى 1963 كانت في الجبل مقالع صخور يستخدم العاملون فيها أصابع الديناميت في نسف وتفتيت الصخور، ومن ثم تنقل لاستخدامها في مشاريع عمرانية تشمل تركيب قضبان السكك الحديدية، وخلال حرب الخليج الأولى (1980-1988) نصبت القوة الجوية رادارات على قمة الجبل، وأنشأت بجواره مدرج طائرات احتياطياً، وعند سفحه الغربي أسست موقعاً للاتصالات العسكرية.
وفي أثناء حرب الخليج الثانية عام 1991 قصفت طائرات التحالف معدات عسكرية في موقع الجبل، ولأعوام كثيرة ظلت هياكل الدبابات والمدافع المدمرة مبعثرة على سفوح الجبل، ولما غزت القوات الأميركية العراق عام 2003 توجهت إلى سنام قبل أي موقع آخر داخل الأراضي العراقية، ولم تغادره إلا عند انسحابها عام 2011، ثم حلت محلها قوات حرس الحدود العراقية التي اتخذت من الجبل مرصداً حدودياً لمكافحة التسلل والتهريب.
استثمار سياحي
على مدى الأعوام الماضية كثرت المطالبات بجعل الجبل ومحيطه محمية طبيعية أو منطقة سياحية، وقبل أيام قليلة بدأت جرافات بالعمل قرب الجبل لإنشاء طرق بطول أكثر من 50 كم تمهيداً لجعل المنطقة سياحية.
وقال مدير ناحية سفوان طالب الحصونة إن "المشروع جاء بعد ازدياد أعداد العوائل التي تقصد الجبل للتنزه، وخصوصاً خلال فصل الشتاء"، مضيفاً أن "المشروع يمهد لبناء منتجعات سياحية ومنشآت ترفيهية بصيغة الاستثمار قرب موقع الجبل".
أثار مشروع تحويل المنطقة إلى سياحية تحفظ بعض الناشطين البيئيين، إذ أبدوا قلقهم من تأثير المشروع في الغطاء النباتي، لكن أستاذ تصنيف النباتات في جامعة البصرة عبدالرضا أكبر علوان قال إن "المنطقة المحيطة بالجبل تنمو فيها عديد من أنواع النباتات البرية، وليس من بينها نباتات نادرة أو مهددة بالانقراض من البيئة المحلية"، مضيفاً أن "المشروع لا يؤثر في الغطاء النباتي".
من المتوقع أن يكون جبل سنام في المستقبل القريب وجهة نشطة للسياحة البيئية لا تستقطب العراقيين فقط بل والكويتيين أيضاً، في ضوء وجود الجبل قرب منفذ سفوان الحدودي البري الوحيد بين البلدين، علاوة على سماح الحكومة العراقية لمواطني دول الخليج بدخول العراق بلا تأشيرة إلى أجل غير مسمى.