سلب ونهب وانفلات أمني بالخرطوم... ومبادرات أهلية لحماية السكان

منذ 1 سنة 180

استغلت هدى الماحي التي تسكن بمدينة الخرطوم بحري فترة الهدنة المعلنة لمدة 72 ساعة التي وافق عليها طرفا الصراع بالسودان وتوجهت إلى منزل شقيقتها في أم درمان، بعد أن ظلت، وهي أم لأربعة أطفال، عالقة لأكثر من عشرة أيام بمنزلها تحت نيران الرصاص، بلا ماء ولا زاد.

وتقول هدى: «معظم سكان الحي والمقتدرين ماليا مشوا خارج البلد، وأصبح الحي عبارة عن ثكنة عسكرية ومرتعا لعصابات النهب والسلب التي نهبت بيوتا غادرها أصحابها. حتى السكان دخلوا عليهم ونهبوهم، فقررت ترك البيت واللجوء إلى شقيقتي».

وتشهد مدينة الخرطوم بحري، شمالي العاصمة، اشتباكات مسلحة بين الجيش وقوات الدعم السريع تصاعدت وتيرتها رغم موافقة الطرفين على هدنة لمدة 72 ساعة انتهت مساء الخميس وجرى تمديدها بموافقة الطرفين لثلاثة أيام إضافية، لكن المدينة شهدت رغم الهدنة قصفا بالمدفعية وسلاح الجو، وظلت أعمدة الدخان تتصاعد بها بشكل كثيف.

ومع استمرار الصراع المسلح الذي تفجر منذ أسبوعين، انطلقت مبادرات بالأحياء السكنية التي تقودها لجان المقاومة لتوفير الحماية للسكان.

في رحلتها لبيت شقيقتها، تكلفت هدى أضعاف ما كانت تدفعه في العادة. فالانتقال من حي الصافية حيث تسكن إلى منزل شقيقتها بمنطقة الثورة في أم درمان يكلف 4700 جنيه سوداني (7.8 دولار) في الظروف الطبيعية. لكن الرحلة هذه المرة تكلفت 80 ألف جنيه (133.5 دولار).

فتكلفة النقل الداخلية بالمركبات العامة وعربات الأجرة ارتفعت بنسب مبالغ فيها مع اختفاء الوقود من المحطات وارتفاع أسعاره في السوق السوداء حيث ارتفع سعر الجالون إلى 25 ألف جنيه في حين أن سعره بمحطات الوقود 2500 جنيه. كما أن سائقي المركبات يقطعون مسافات طويلة للتنقل بين مدن العاصمة الثلاث بسبب إغلاق بعض الجسور الرئيسية.

وفي السياق ذاته، قصّ عوض القرياتي كيف قتلت مجموعة «منفلتة» شقيقه الأكبر البالغ من العمر 38 عاما بأحد الشوارع جنوبي الخرطوم وكيف نهبت عربته بينما كان يبحث عن وقود، وقال «توجهنا إلى قسم الشرطة لمباشرة إجراءات فتح البلاغ. وجدنا عناصر الشرطة يرتدون زيا مدنيا ويجلسون أمام بوابة القسم كأنهم مواطنون عاديون. وعندما أخبرناهم بالحادثة قالوا: ما في طريقة لفتح بلاغات جديدة والنيابة ما شغالة».

ويتخوف كثيرون من إطلاق سراح عشرات الآلاف من السجناء بالعاصمة ومدن أخرى، ويخشون أن يسهم ذلك في ارتفاع معدلات جرائم السلب والنهب في ظل غياب الشرطة.

وكانت وزارة الداخلية والقوات المسلحة السودانية قد اتهمتا قوات «الدعم السريع» باقتحام بعض السجون وإطلاق سراح النزلاء. وقالت القوات المسلحة في بيان يوم الأربعاء الماضي «شهدت بعض السجون اضطرابات خلال الأيام السابقة، بدأت باقتحام الميليشيا المتمردة لسجون الهدى وسوبا والنساء بأم درمان، وإجبار شرطة السجون على إطلاق سراح النزلاء بعد قتل وجرح بعض منسوبي الشرطة».

وأضاف البيان أن إدارة سجن كوبر أطلقت سراح نزلائه «بسبب انقطاع خدمات المياه والكهرباء والإعاشة، مما خلق تهديدا إضافيا على الأمن والطمأنينة العامة بمدينة الخرطوم». وقال إن هناك مخاوف من اتساع نطاق هذه الأحداث وامتدادها إلى ولايات أخرى بدأ نزلاء سجونها المطالبة بإطلاق سراحهم أسوة بما جرى ببعض سجون ولاية الخرطوم، وأشار إلى «ما قد يترتب على ذلك من فوضى وانتشار للجرائم خاصة أن بعض هؤلاء النزلاء محكومون أو منتظرون بموجب جرائم جنائية خطيرة». وعبر البيان عن انزعاج القوات المسلحة لهذه الأحداث «وما قد يترتب عليها من خطر عظيم جراء انفراط عقد الأمن»، وناشد أخذ الحيطة والحذر.

من جانبها، اتهمت قوات الدعم السريع الجيش السوداني بوضع خطط ورسم سيناريوهات لإشعال الحرب كغطاء لخلق مبررات أمنية لإخراج قيادات النظام السابق من السجن تمهيدا للعودة مجددا للسلطة. وقالت في بيان يوم الأربعاء الماضي إن «هذا المخطط المكشوف... يستهدف تقويض ثورة الشعب التي ضحى من أجلها خيرة شباب أمتنا».

وقبلها بيومين، قالت قوات «الدعم السريع» إنها رصدت عمليات تخريب واسعة ونهب لمنازل المواطنين ومقار الشركات والمصانع تقف «وراءها خطة ماكرة... بمحاولة إلصاق التهم بقوات الدعم السريع عبر خطط مكشوفة».

وقال سليمان مجدد، عضو غرفة طوارئ كرري شمال أم درمان، إن المنطقة ظلت تشهد حوادث نهب وسلب من قبل «متفلتين» في الشوارع، مشيرا إلى إبلاغ أقسام الشرطة بالحوادث لكن دونما رد. وأضاف «مع تلكؤ قوات الشرطة في حمايتنا منذ بداية الحرب قمنا بتشكيل دوريات من الشباب في الحي الذي نسكن فيه للتصدي لهذه التفلتات».

ويشير محمد أبو بكر الذي يسكن بشرق مدينة بحري إلى أن دوريات الأحياء بمنطقتهم أمسكت بثلاثة «متفلتين» حاولوا نهب أحد المنازل وكيف أنها اقتادتهم لمركز الشرطة الذي رفض تسلمهم. وأردف «لم يكن أمامنا خيار سوى تركهم يذهبون ليقوموا بعمليات نهب جديدة».