يورث النجار حرفته لأولاده. ومثله الكثير من أصحاب الصنائع والمصالح. يحب ابن المحامي أن يكون محامياً وابنة الطبيب أن تُنادى دكتورة. ويبدو أن المواهب الفنية تورث أيضاً. وُجدت أو لم توجد. فما أن ينموَ شاربُ ابنِ الممثل حتى يجد لنفسه دوراً على الشاشة، فالأصدقاء في الوسط السينمائي كثيرون والرجاء لا يخيب.
الثلاثاء الماضي وقفت كيارا ماستروياني عريفة لحفل افتتاح مهرجان «كان». إنها ممثلة بنت ممثلة وممثل. أمها هي النجمة الفرنسية كاترين دينوف وأبوها هو النجم الإيطالي الراحل مارشيلو ماستروياني. وكاترين ابنة الممثل موريس دورلياك والممثلة رينيه سيمونو، وصورتها تزيّن ملصق الدورة الحالية من المهرجان. ولها ابن يدعى كريستيان، من زوجها الأول المخرج روجيه فاديم. ومن نافل القول إنه ممثل أيضاً.
في الحفل، رأينا كاترين دينوف تعانق ضيف الشرف النجم الأميركي مايكل دوغلاس. ومايكل هو ابن كيرك دوغلاس، الممثل الذي اشتهر بطبعة ذقن عميقة ألهبت خيالات أجيال من المراهقات. وأمه ديانا ممثلة أيضاً. وكذلك أشقاؤه الثلاثة. إريك ممثل وجويل منتج وبيتر كاتب سيناريو. لكن السلالة لا تتوقف عند هذه الأسماء. فهناك الممثل كاميرون دوغلاس، نجل مايكل من زوجته الأولى دياندرا. كما أن له ولداً من زوجته الثانية الممثلة كاترين زيتا جونز. الابن يدعى ديلان. ممثل ورث المهنة أباً عن جدّ. وله شقيقة تدعى كاريس، وهي جاهزة لحمل الراية.
وعودة إلى كاترين دينوف، واسمها الأصلي فابيان. أراها نموذجاً لمن يستطيع المضي في مهنة ورثها دون أن يبدع حقاً فيها. وهذا رأي شخصي لأن الموسوعات تقدمها كواحدة من أكبر الممثلات في فرنسا ورمزاً من رموز ثقافة البلد.
على امتداد أكثر من نصف قرن، وقرابة المائة فيلم، وعشرات الجوائز والتكريمات، بقيت دينوف ممثلة الوجه الواحد مهما اختلفت الشخصيات وتباينت. ظهرت في عصر كانت فيه الأفضلية لذوات الشعر الذهبي فصبغت شعرها الأسود وصارت أشهر شقراء على الشاشة الفرنسية. عملت مع كبار المخرجين الذين منحوها أدواراً جميلة وأحسنوا إدارتها. لكنَّ أياً منهم لم يفلح في نزع قناعها الثلجي. تغضب فلا تهتز لها شعرة. وقد تقبلها الجمهور كما هي. أيقونة جمالية مثل ليلى فوزي في السينما المصرية. وأخشى أنني أظلم ليلى.
لم يكن سهلاً على كاترين أن تجد موقعاً لها بين «شقراوات» شهيرات من جيلها. أين هي من فتنة بريجيت باردو أو نظرة ميشيل مورغان أو صوت جان مورو أو موهبة سيمون سنيوريه؟ جميعهن توارين وهي بقيت في الساحة. احتفظت طويلاً بدور البطلة المعشوقة ثم رضخت للواقع. وافقت على أدوار الأم ثم انصاعت لأدوار الجدّة. وفي واحد من أفلامها قامت بدور جدّة لإرهابي فرنسي.
حين هبّت النسويات الأميركيات ضد التحرش جازفت كاترين دينوف وخالفتهن. دافعت عن الحق الطبيعي في التجاذب بين الجنسين. أين الجريمة في أن يغازل رجل امرأة أو أن يلمس ركبتها تحت الطاولة؟ قامت عليها قيامة الطهرانيين الجدد في الداخل والخارج. فوجئت بالعاصفة واعتذرت من طرف اللسان. قارورة باريسية ذات تقاليد عريقة في الغواية، أين منها البدع الواردة من هوليوود؟
قال المخرج فرانسوا تروفو إن المرء لا يمكنه تحويل بصره عن وجهها الجميل. مرت مياه كثيرة تحت جسور «السين»، وما زالت كاترين جميلة بقدرة الشدّ والنفخ والصنفرة. تخفي عينيها وراء نظارة شمسية وتنزل لتمارس هوايتها في الدوران على دكاكين الأنتيكا. تنام ملء جفنيها تاركة محبيها يستعدون للاحتفال بعيد ميلادها الثمانين في الخريف المقبل. ممثلة لم تخذل السلالة.