يسير سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية صعوداً من دون رادع مع تخطيه أمس، خلال ساعات معدودة، المائة ألف ليرة، بحيث باتت ورقة المائة ألف ليرة اللبنانية تساوي دولاراً، بعدما بقي سعره مثبتاً على الـ1500 ليرة لبنانية قبل أن تبدأ رحلة انهيار الليرة في صيف العام 2019.
وأمس استفاق اللبنانيون على خبر تجاوز الدولار المائة ألف ليرة في السوق السوداء بعدما كان مساءً في حدود الـ97 ألفاً، وبالتالي ارتفع خلال ساعات أكثر من ثلاثة آلاف ليرة، في وقت يسود الصمت المطبق من المسؤولين الذين لم يصدر من أي منهم أي تعليق على الموضوع، بينما تعلو صرخات النقابات والمواطنين رفضاً للواقع الذي وصلوا إليه، إلى حدّ أن رواتب معظم الموظفين لم تعد تكفي للوصول إلى أشغالهم مع الارتفاع غير المسبوق لسعر المحروقات التي تسابق بدورها سعر الصرف والتي سجّلت أمس، ارتفاعاً إضافياً، بتحديد سعر صفيحة البنزين بأكثر من مليون و800 ألف ليرة لبنانية.
ويرى الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان أن هذا الارتفاع المستمر لسعر صرف الدولار متوقَّع في ظل كل المعطيات والأوضاع المالية في لبنان، ويجدد التأكيد في حديثه لـ«الشرق الأوسط» على أنه لا سقف لهذا الارتفاع في ظل انعدام الثقة وعدم قيام المعنيين بإجراءات جذرية للأسباب التي أدت إلى هذا الانهيار.
وفي حين يستمر الإضراب في القطاع العام الذي تآكلت رواتب موظفيه ويهدد الأساتذة بدورهم بالإضراب، يُسجَّل بين حين وآخر بعض التحركات الشعبية على الأرض استنكاراً لما آلت إليه الأمور.
وأمس، نفّذ سائقو شاحنات وحافلات اعتصاماً عند الواجهة البحرية لمدينة صيدا حيث قطعوا الطريق بحافلاتهم لبعض الوقت، احتجاجاً على أسعار المحروقات التي تشهد ارتفاعاً غير مسبوق. وطالبوا خلال وقفتهم «جميع المواطنين بالنزول إلى الشارع رفضاً لتفلت الدولار واستحكامه بكل مفاصل حياتهم المعيشية والاقتصادية والصحية دون تحريك ساكن من الممسكين بزمام مؤسسات الدولة»، محذرين من «استمرار هذا الواقع دون وضع حلول إنقاذية سريعة تفرمل مكابح انفجار الأزمات أكثر فأكثر».
وإضافةً إلى ارتفاع الأسعار التي تسابق الدولار والتي تبدأ برغيف الخبز وتشمل كل متطلبات الحياة اليومية للمواطن في لبنان، فإن هذا الأمر ينسحب على قدرة اللبنانيين على الحصول على الاستشفاء، بحيث باتت معظم العائلات غير قادرة على تأمين المعالجة لمرضاها في ظل غياب التغطية التامة من الجهات الضامنة. وهو ما توقف عنده، أمس، «الاتحاد العمالي العام»، متحدثاً عن انعكاسات ارتفاع سعر الصرف على اللبنانيين. وذكر أنه إضافةً إلى تعريفة الطبيب التي حُددت بالدولار ولم يعد المريض قادراً على دفعها، فإن نقابة أصحاب المستشفيات اتخذت قراراً بتطبيق الفاتورة بالدولار أو سعر صرف الدولار في السوق الموازية. وكذلك بالنسبة إلى الأدوية، حيث أصبح تسعيرها يخضع للموازاة مع سعر صرف الدولار.
كذلك أشار إلى «تدني نسبة الدخول إلى المستشفى إلى ما دون النصف ليس بسبب قلة عدد المرضى، حيث إنهم ازدادوا بسبب الأزمات المعيشية والنفسية والغذائية، بل خشية فاتورة الاستشفاء التي لا قدرة لهم على تسديدها».
وتطرق إلى موضوع التسعير بالدولار الأميركي في المحلات التجارية، قائلاً: «ما كان ينقص اللبنانيون سوى تسعير المواد الغذائية بالدولار على رفوف (السوبر ماركت) التي أشعلت الأسعار بالليرة وبالدولار معاً». من هنا، جدد الاتحاد التأكيد «أن الحلول الترقيعية لا يمكن لها فك هذا الحصار الاقتصادي والاجتماعي المريع على العمال وذوي الدخل المحدود وأن هذه الأزمة البنيوية يقتضي حلها بتدابير وقرارات سياسية جذرية وعلى رأسها انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وتشكيل حكومة نزيهة وفاعلة وقادرة على وضع خطة تعافٍ مالي واقتصادي».
ومع تزايد نسبة الفقر إلى مستويات غير مسبوقة، تسجل أسعار السلع الغذائية ارتفاعاً جنونياً. ويفيد البنك الدولي بأن نسبة التضخم بلغت 332 في المائة من يناير (كانون الثاني) 2021 إلى يوليو (تموز) 2022، وهي الأعلى في العالم.