ما معنى أن يبلغ فنان سقف الشهرة في العالم العربي، ويحطم الأرقام القياسية في نسب المشاهدات، وينال أعلى الجوائز ويحظى بملايين المعجبين والمعجبات، ثم يجد نفسه في قاعة المحكمة مهددا بالسجن بسبب نزوة عابرة؟ إن سؤالا كهذا بالغ التعقيد على عكس ما يبدو لمحبي التدوينات السريعة في مواقع التواصل. والإجابة عليه تكاد تكون منتزعة من متعدد، كما يقول أهل البلاغة. ولعل علم النفس هو الأقدر على مقاربة هذه الظاهرة وتحليلها.
قضت محكمة الجنايات في باريس مساء أمس الجمعة، بعد سبع ساعات من المداولات، بحبس الفنان المغربي سعد لمجرد، ست سنوات بتهمة اغتصابه فتاة فرنسية تدعى لورا بريول. وتعود واقعة الاعتداء إلى سنة 2016 في أحد فنادق الشانزليزيه، بحسب إفادة الشابة الفرنسية التي رفعت قضية الاعتداء الجنسي ضد الفنان الشهير. بالمقابل تشبث لمجرد بتصريحاته التي تؤكد أنه لم يمارس أي اعتداء جنسي على الفتاة الفرنسية، بل إن تفاصيل الواقعة القديمة حدثت بمحض إرادتها.
تاريخ المشاهير الحافل
ليس الفنان المغربي الشهير هو الحالة الوحيدة في تاريخ المشاهير الذين حوكموا ويحاكمون بتهمة العنف الجنسي والتحرش. فقد وجهت لأسطورة البوب مايكل جاكسون تهمة التغرير بقاصر في التسعينيات، واتهمته امرأة الممثل الشهير مايكل دوغلاس بالتحرش بها حين كانت تعمل معه في الثمانينيات. وواجه المغني الشهير آر كيلي تهمة التحرش في تسع قضايا مرتبطة باستغلال نساء منهن قاصرات. ورفعت إحدى فتيات التدليك قضية ضد الفنان المعروف باتريك برويل في السياق ذاته. أما الموسيقي الفرنسي الشهير جيروم بيرنو فقد حوكم بسبب الاعتداء الجنسي على قاصر، والتحرش بفتاتين. وتورط النجم التركي بوراك أوزجيفيت في قضية تحرش جنسي. كما اتهم كيفن سبيسي أيضا بالاعتداء الجنسي، لكن هذه المرة على طفل. أما ريكي مارتن فكانت تهمته هي ممارسة المحارم. ومؤخرا أدين ملك السينما، هارفي واينستين باغتصاب ممثلة أوروبية وحكم عليه ب 16 سنة سجناً. لقد لاحقت تهمة التحرش أو الإعتداء الجنسي الكثير من مشاهير الفن، أمثال المخرج جيمس توباك وروي برايس مدير استوديوهات أمازون والمصور تيري ريتشاردسون والممثل الكوري أويونغ سو والفنان المصري شادي خلف الذي حكم عليه مؤخرا بالسجن ثلاث سنوات بتهمة اغتصاب سبع فتيات.
ليس الذكور وحدهم من تقع عليهم تهمة العنف الجنسي والتحرش، فالمغنية الشهيرة ماريا كاري واجهت تهمة التحرش بحارسها الشخصي، الذي صرّح بأنها كانت تقوم بمحاولات عديدة لإغوائه. والفنان المغربي سعد لمجرد هو اسم ضمن أسماء عالمية وعربية عديدة كان بإمكانها أن تمارس حياتها الحميمية وفق شروط مغايرة تماما، بعيداً عن الفضائح والمحاكم والتهم الثقيلة التي تنزل بصاحبها غالباً من منصات الأضواء وتدخله إلى عزلة الزنازين. إن محبي سعد لمجرد يتساءلون باستمرار عن الأسباب التي تجعل نجمهم ينحدر إلى هذه المزالق ويسيء إلى تاريخه الفني الجميل، ويؤذي حياته وحياة أسرته الفنية الشهيرة. فسعد هو الابن المدلل لأب وأم يحظيان بتقدير كبير من لدن المغاربة، هما المطرب المعروف البشير عبده والممثلة الشهيرة نزهة الركَراكَي.
أرقام قياسية وانهزام أمام الشهوة
إن الكثير من حالات الاعتداء الجنسي تقع بسبب انحراف سلوكي حين لا يستطيع الفرد التحكم في أهوائه، وبالتالي يقع ضحية انزلاقاته النفسية. هذا الانحراف تغذيه عادة، عوامل محفزة مثل المشروبات الروحية والمخدرات والأقراص المهلوسة، وأحيانا قد تدعمه سلوكات الإغواء والإغراء من الطرف الآخر، سواء المقصودة أو غير المقصودة.
يهدد سعد لمجرد بنفسه تاريخه الفني المهم جداً، بالرغم من قصره. فقد طرق الفنان المغربي باب الشهرة سنة 2007، بعد فوزه بالمرتبة الثانية في برنامج المسابقات الفنية "سوبر ستار". وتفرغ بعدها لإعداد ألبومات فردية، راهن فيها على الجمع بين الدارجة المغربية والآلات الغربية الحديثة، مع الحفاظ في الآن ذاته على الطابع الشرقي، والبحث من حين لآخر، في التراث المغربي المحلي. كأنما كان يحاول أن يرضي جميع الأذواق. وهو ما استطاع تحقيقه عبر أغانيه المتتابعة التي كانت تعرف نسب مشاهدة كبيرة على موقع يوتيوب، مثل "أنتِ" و"سالينا/ انتهينا" و"مال حبيبي مالو". غير أن أغنيته "لملعم" كانت هي الإشارة الحقيقية لوجود فنان عربي يلفت انتباه الجميع. فقد حققت هذه الأغنية أكثر من 30 مليون مشاهدة في الشهر الأول من بثها، لتتجاوز مليار مشاهدة في السنوات اللاحقة. وهذه أرقام لم يسبق لأي فنان عربي أن وصل إليها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كانت أغاني سعد لمجرد في السنوات الأخيرة تحقق مليون مشاهدة في الساعة الأولى من بثها. هذا الإقبال الرهيب من محبيه سواء في العالم العربي أو خارجه، حوّل الشاب المغربي الموهوب إلى موقع الصدارة في الغناء العربي الحديث. وحصد جوائز "الموريكس دور" أربع مرات، وجوائز الموسيقى المغربية ثلاث مرات، وجوائز الموسيقى العربية أربع مرات، فضلا عن جوائز ذات طابع أفريقي ودولي، مع الانضمام إلى موسوعة غينيس للأرقام القياسية. كما قام بجولات فنية عديدة في أوروبا وأميركا وآسيا وأفريقيا وبلدان العالم العربي.
وإذا كان منحنى الفن قد عرف ارتفاعاً لافتاً لدى سعد لمجرد، فإن منحنى القضايا الجنسية عرف هو الآخر ارتفاعاً بالوتيرة ذاتها. ففي سنة 2010، أثناء إقامته في الولايات المتحدة الأميركية، اتهمته فتاة أميركية بالاعتداء الجنسي، ودانته محكمة بروكلين. غير أنه خرج من السجن بكفالة وغادر أميركا. وفي العام ذاته وجهت له تهمة الاعتداء الجنسي على فتاة فرنسية من أصول مغربية، لكنّ الشابة سحبت دعواها بسبب ضغوط عائلية. وفي عام 2017 وللأسباب ذاتها كان محكوما على الفنان المغربي بالسجن ستة أشهر على ذمة التحقيق. وبعد إطلاق سراحه قضت المحكمة بعدم مغادرته الأراضي الفرنسية، مع ضرورة ارتداء سوار إلكتروني لمدة ستة أشهر، كي تتمكن الشرطة من متابعة تحركاته. وفي عام 2018 أوقفته الشرطة بعد شكوى تقدمت بها امرأة مجهولة، تتهمه باغتصابها، وبعد بضعة أيام من التحقيق أطلق سراحه بكفالة قدرها 150 ألف يورو. وفي العام ذاته ودع لمجرد السجن، بسبب استئناف قضية 2016 التي امتدت أطوارها إلى يوم أمس، والمتعلقة بالاعتداء الجنسي على لورا بريول. وإن تمت تبرئته حينها من تهمة الإغتصاب، غير أنه توبع بتهمة العنف الجسدي، وتم إطلاق سراحه ومتابعته في حالة سراح، مع تحويل القضية من جناية إلى جنحة. وفي 2020 قررت غرفة التحقيق استئناف القضية، ليحال لمجرد إلى المحاكمة الجنائية. وألغت محكمة النقض حكم غرفة التحقيق. ثم فتح الملف من جديد ليجد لمجرد نفسه أمام القضاء محكوماً عليه أمس الجمعة بست سنوات سجناً بالتهمة ذاتها الموجهة إليه عام 2016.
وبعد نطق حكم السجن بست سنوات على لمجرد، أتاح القضاء الفرنسي للفنان المغربي مدة 10 أيام فقط لاستئناف الحكم. وفي حال لم يتمكن محامو لمجرد من تبرئته، أو تخفيف الحكم إلى أشهر قليلة، سيكون سعد لمجرد السبب الأول في تحطيم ما بناه في مسيرته الإبداعية، هو الذي عرف بتحطيم الأرقام القياسية في عالم الفنّ.