تتناسل حالات السرقة العلمية في الجامعات والمحافل البحثية والتأليفية بالمغرب، إذ يتجرأ أساتذة وباحثون وطلبة يحضرون شواهد جامعية عليا مثل الدكتوراه على السطو على مجهودات آخرين، يفطن إليهم أصحاب هذه الأعمال أحياناً، وتمر السرقات من دون ضجة أحياناً أخرى.
وفي الوقت الذي دقت فيه عديد من الجهات ناقوس الخطر في شأن التداعيات السلبية للسرقات العلمية على سمعة الجامعات ومستوى البحث العلمي، وعدت الحكومة المغربية بمحاولة تحصين الملكية الفكرية ومحاربة القرصنة العلمية.
ووضعت الحكومة من خلال المركز الوطني للبحث العلمي والتقني "برنامجاً معلوماتياً تستفيد منه الجامعات المغربية ومؤسسات التعليم العالي، بهدف التصدي مسبقاً لحالات السرقة العلمية".
سرقات مكشوفة
آخر حالات "السرقات العلمية" في المغرب ما كشف عنه أخيراً الأستاذ الجامعي عبدالعزيز طريبق بخصوص سرقة واضحة لبحث جامعي له من طرف "مسؤول إداري" كان يعد أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه.
واتهم الأستاذ الجامعي مرتكب السرقة العلمية بأنه سطا على محاضرته التي كان يلقيها على الطلبة، ووضعها في أطروحته لنيل شهادة الدكتوراه حول السياسة الاستعمارية لإسبانيا من دون أن يكلف نفسه نسب ما ورد فيها إلى مالكها الأصلي.
وقبل ذلك كان أكاديمي مغربي قد اتهم عميد إحدى الكليات بكونه اقترف سرقة علمية لبحث أحد طلابه، وبأن السرقة كانت عبارة عن اجتزاء مقاطع طويلة من كتاب حول موضوع تاريخي.
كثير من ضحايا السرقات لا يلجأون إلى القضاء (وكالة المغرب العربي للأنباء)
كما أن أساتذة جامعيين بأغادير كشفوا منذ فترة تفاصيل سرقة علمية لأحد زملائهم الذين اتهموه، في رسالة وجهوها إلى وزير التعليم العالي عبداللطيف ميراوي، بالسرقة والتدليس العلمي والسطو على مجهودات الغير، بهدف الحصول على الترقية.
وفي جامعة محمد الخامس بالرباط اتهم أستاذ زميلين له في كلية الآداب بنشر كتاب تحتوي دفتاه على مقالات له مسروقة من كتاب آخر له بالحرف والفاصلة، بحسبه.
أسباب انتشار السرقات
يقول الأستاذ الجامعي إدريس لكريني، الذي كان ضحية لسرقات علمية تجاوزت الـ12 سرقة، إن البحث العلمي يقوم على مجموعة من الضوابط التي يسعى من خلالها الباحث إلى التوصل لنتائج دقيقة تسهم في حل الإشكالات المجتمعية، ويفترض أن يحترم الأصول والأخلاقيات، وعلى رأسها الأمانة العلمية.
وتحيل الأمانة العلمية على مدلولين أساسيين يدعمان موضوعية الأبحاث والإنتاجات العلمية والفكرية، أولهما الإشارة إلى مصدر المعطيات والمعلومات والتعريفات والإحصاءات التي يوظفها الباحث في عمله من دون تحريف أو نقصان، بينما المدلول الثاني مرتبط بضرورة إدراج الخلاصات المتوصل إليها بحذافيرها.
ويعزو لكريني اتنشار السرقات العلمية إلى التطورات الرقمية وما وفرته من تقنيات تسهل هذه السلوكيات بصورة غير مسبوقة، مضيفاً أن "خرق الأمانة العلمية قد يتم عن الجهل بالضوابط العلمية وأيضاً بالقانون الذي يجرم هذه الممارسات، أو يتم عن قصد أو تحايل أو سوء تقدير، إما رغبة في ارتقاء السلالم الوظيفية والإدارية، أو السرعة في الإنجاز أو طلب الشهرة، علماً أن مرتكب هذه الممارسات قد يفقد كل هذه الطموحات عندما يتم كشف وفضح سرقاته".
ومن العوامل التي تسهم أيضاً في انتشار الظاهرة بالمغرب وفي غيره من المجتمعات العربية، يشير المتحدث إلى أنها ظاهرة مسكوت عنها نسبياً، مما يجعل مقترفي السرقات في مأمن عن المحاسبة، كما أن كثيراً من ضحايا السرقات لا يلجؤون إلى القضاء وفضح هذه السلوكيات، مما يفضي إلى تزايد وتيرة الظاهرة.
وإذا كان لكريني سبق له جر مرتكب "سرقة علمية" في حقه إلى القضاء، فإن مثل هذه القضايا قليلاً ما تصل إلى المحاكم المغربية جراء جهل كثر بحقوقهم الفكرية، وأيضاً للحلول والوساطات الودية أحياناً التي تحسم هذه الملفات.
مظاهر السرقة
بالنسبة إلى المختص التربوي رشيد شاكري، فإن هذه الممارسات تعتبر سرقة للعلم وليست سرقة علمية، لأنها لا تستحق إلباسها صفة العلم، لكونها سرقة وتزويراً واحتيالاً، تنتهك القيم الأخلاقية ومعايير البحث في المجال العلمي والأكاديمي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومن مظاهر وأنواع "السرقات العلمية"، يورد شاكري، سرقة "القص واللصق، التي ابتلى بها عديد من الطلبة والباحثين، سواء في إنجاز الدراسات والمشاريع، أو سرقة الأفكار بطرق ملتوية كإعادة الصياغة، وتعديل المفاهيم، أو صباغتها بالطابع المحلي من دون الاعتراف بفضل صاحب الفكرة الأصلية".
ومن السرقات الأخرى الموجودة في المغرب، يستحضر شاكري سرقة المجهود، كما يفعل بعض المشرفين من خلال استغلال الطلبة للبحث في مواضيع تخدم أغراضهم لاستثمارها في مقالاتهم ودراساتهم من دون اعتراف بجهودهم وذكر أسمائهم، وأيضاً إدراج أسماء باحثين ضمن لائحة المؤلفين على رغم عدم مشاركتهم في إنجازه، وأيضاً اقتناء الأبحاث والدراسات من مراكز ومكاتب تعرض خدماتها بمقابل مادي، حيث تتكلف هذه المراكز بإنجاز البحوث والدراسات بدل المكلفين بها.
الآثار والانعكاسات
ويوافق شاكري ما ذهب إليه لكريني بخصوص تيسير التطور المهول في المجال التكنولوجي لعمليات السرقة، وإخفاء أركانها، خصوصاً مع تنامي تطبيقات الذكاء الاصطناعي، علاوة على تراجع المنظومة الأخلاقية في ميدان البحث العلمي والأمانة العلمية، لا سيما في خضم التطبيع مع الغش في صفوف التلاميذ والطلبة.
ولفت إلى "عدم إدراك الباحث أن الكيفية التي يقتبس بها غير قانونية نتيجة عدم إلمامه بمبادئ البحث العلمي وقواعده وضوابطه، أو الرغبة في الحصول على الدرجة الأكاديمية أو الترقية المهنية على حساب المبادئ والقيم العلمية".
وبخصوص تداعيات السرقات العلمية، أفاد شاكري بأنها تؤثر في سمعة الجامعات والمؤسسات البحثية والأكاديمية، وتشكك في كفاءة كوادرها وطلبتها، وهو ما ينعكس حتماً على المهارات البحثية لدى خريجيها.
هناك سرقات مكشوفة وأخرى مستترة (وكالة المغرب العربي للأنباء)
وأوضح أن "السرقة في المجال البحثي تؤدي إلى خلق أشباه الباحثين وبكفاءات متدنية، وتخلق فضاء تنافسياً غير شريف، مما يؤدي إلى تراجع الابتكار والتطوير وحل المشكلات التي يعانيها المجتمع".
ووفق شاكري، يتعين تفعيل القوانين التي تحمي حقوق الملكية الفكرية، والعمل على نشر هذه الثقافة في أوساط الطلبة، من خلال برمجة وحدات دراسية مستقلة تعنى بالملكية الفكرية ومبادئ البحث العلمي، وأيضاً الاستعانة ببرامج مكافحة الاحتيال التي تكشف السرقة، وتظهر نسبة الاقتباس غير القانوني في البحوث.
السرقات الأدبية
ولا تطاول السرقات الأفكار أو ما سطرته الكتب والمؤلفات والأبحاث فحسب، بل وصلت إلى عتبة الأدب من روايات وقصص وغيرها من أصناف الأدب المكتوب في المغرب.
في هذا السياق يقول الأديب مصطفى لغتيري إن مجال الأدب والثقافة مشرع على كل الأبواب والتيارات، ومن ثم فهو عرضة أكثر للسرقات الأدبية، فالحقوق الفكرية للمؤلف غير مصونة، مما يشجع البعض على اقتراف جريرة السرقة.
ويضيف لغتيري أن "هناك سرقات مكشوفة، يتم اكتشافها غالباً بالصدفة، وهناك سرقات مستترة يحاول أصحابها أن يسرقوا الفكرة، أو جزءاً من النص أو الكتاب، فضلاً عن التأثر الواضح بأسلوب كاتب آخر، والذي يمكن تصنيفه ضمن التناص".
ويحكي كيف أنه تعرض شخصياً لهذين النوعين من السرقات، الأول عندما سطا مخرج سينمائي على روايته "أسلاك شائكة" وحولها إلى فيلم، مضيفاً أنه "على رغم فضحه السرقة وتناولها من طرف الإعلام، فقد ظل الفيلم معروضاً ومتداولاً، في نوع من التشجيع على القرصنة وخرق الملكية الفكرية".
وفي النوع الثاني من السرقات، يستطرد لغتيري، بأن بعض رواياته وقصصه تعرضت للتحوير وادعاء ملكيتها من طرف بعض الكتاب، حتى إن أحدهم نال جائزة أدبية خليجية بفضلها، مردفاً بالقول "لزمت الصمت لأنني اعتبرته سلوكاً منتظراً من بعض الكتاب المبتدئين الذين يتأثرون بمن سبقهم في مجال الكتابة".